النفط يهبط بفعل مخاوف تخمة المعروض وارتفاع الدولار
تراجع الأسعار بفعل ضغوط مزدوجة من المعروض والدولار
شهدت أسعار النفط العالمية يوم الثلاثاء 4 نوفمبر/ تشرين الثاني تراجعاً حاداً تجاوز 1%، إذ تأثرت الأسواق بتزايد المخاوف من تخمة المعروض العالمي وتراجع مؤشرات التصنيع في آسيا والولايات المتحدة، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في قيمة الدولار الأميركي الذي يزيد من تكلفة شراء النفط على حاملي العملات الأخرى.
وانخفض خام برنت بنحو 76 سنتاً، أي بنسبة 1.2% ليُتداول عند 64.13 دولاراً للبرميل، فيما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 1.3% إلى نحو 60.24 دولاراً للبرميل، ما يعكس استمرار حالة الضعف في الطلب العالمي على الطاقة.
أوبك+ توقف زيادة الإنتاج مؤقتاً وسط تحذيرات من فائض في السوق
جاءت هذه التراجعات عقب قرار منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) وحلفائها ضمن تحالف «أوبك+» وقف زيادة الإنتاج خلال الربع الأول من عام 2026، بعد أن رفعت المجموعة إنتاجها تدريجياً منذ أبريل/ نيسان الماضي بنحو 2.9 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 2.7% من الإمدادات العالمية.
ويعكس هذا القرار إدراك التحالف المتزايد لمخاطر الفائض في السوق، في وقت تتراجع فيه مؤشرات الطلب على الوقود الصناعي والنقل، بالتزامن مع تباطؤ الاقتصاد في الصين وأوروبا. وقد أشار بنك أوف أميركا في مذكرة بحثية إلى أن «أوبك+ لا ترغب في رؤية الأسعار تتراجع دون 50 دولاراً للبرميل، وهي ترى أن الحفاظ على التوازن أهم من استعادة الحصة السوقية».
البيانات الاقتصادية الضعيفة تضيف ضغوطاً إضافية على السوق
أظهرت مؤشرات مديري المشتريات في الصين وكوريا الجنوبية واليابان انكماشاً جديداً في قطاع الصناعات التحويلية، ما يعزز القلق بشأن الطلب الآسيوي على النفط الخام. وفي الولايات المتحدة، كشف تقرير معهد إدارة التوريدات (ISM) أن القطاع الصناعي واصل الانكماش للشهر الخامس على التوالي، وهو ما اعتبره المحللون «جرس إنذار» للطلب العالمي على الطاقة.
وقال جون إيفانز، المحلل في شركة «بي في إم»، إن «الأسواق تواجه ضغوطاً متعددة، أبرزها ضعف النشاط الصناعي وصعود الدولار، وهما عاملان يجعلان التوقعات قصيرة الأجل للنفط سلبية». وأضاف أن «أي ارتفاع في أسعار الفائدة الأميركية سيزيد من قوة الدولار ويضعف شهية المستثمرين للمخاطرة في أسواق السلع».
الدولار القوي يزيد من الضغوط على أسعار النفط
ارتفع مؤشر الدولار الأميركي إلى أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر، بدعم من توقعات الأسواق بأن يبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على سياسة نقدية متشددة لفترة أطول، وهو ما جعل السلع المقومة بالدولار، وعلى رأسها النفط، أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب.
ويشير المحللون إلى أن العلاقة العكسية بين الدولار والنفط لا تزال مؤثرة بقوة، حيث يؤدي ارتفاع العملة الأميركية إلى تقليص الطلب من الدول التي تعتمد على استيراد الطاقة. ووفقاً لتقديرات «بلومبرغ إيكونوميكس»، فإن كل ارتفاع بنسبة 1% في الدولار يضغط بنحو 0.5% على أسعار النفط العالمية.
اختلاف التقديرات حول مستقبل المعروض
ورغم تحذيرات بعض البنوك من احتمال حدوث تخمة في السوق، فإن عدداً من كبار منتجي الطاقة في أوروبا وأميركا يرون أن التوازن سيُستعاد سريعاً في النصف الثاني من 2026. إذ توقع نائب وزير الطاقة الأميركي جيمس دانلي أن «الطلب على النفط سيواصل النمو مع انتعاش الاستثمارات الصناعية وعودة النشاط في قطاع النقل الجوي».
في المقابل، ترى مصادر داخل «أوبك+» أن القرار الأخير بعدم زيادة الإنتاج في الربع الأول من 2026 جاء بضغط من روسيا، التي تواجه تحديات في تصدير نفطها بسبب العقوبات الغربية، ما يجعلها حريصة على دعم الأسعار وعدم انزلاقها إلى ما دون 60 دولاراً.
تحليل اقتصادي: بين توازن هش وسيناريوهات متباينة
يشير المحللون إلى أن السوق النفطية تسير حالياً على «حافة التوازن»، إذ تسعى أوبك+ لضبط الإمدادات دون إثارة غضب المستهلكين الكبار، بينما تبقى بيانات الاقتصاد العالمي هي العامل الحاسم. فالركود الصناعي في الصين أو أوروبا كفيل بإحداث موجة بيع واسعة في السوق.
أما من ناحية الطلب، فإن توقعات وكالة الطاقة الدولية تشير إلى نمو محدود لا يتجاوز 1.1 مليون برميل يومياً في 2026، وهو ما يقل عن الزيادة المتوقعة في الإمدادات إذا استمرت الولايات المتحدة والبرازيل في التوسع بالإنتاج. في المقابل، تظل المخاطر الجيوسياسية – كالنزاعات في الشرق الأوسط أو اضطرابات الإمداد في البحر الأحمر – قادرة على تغيير المشهد في أي لحظة.
نظرة مستقبلية: هل يقترب النفط من قاع سعري؟
يرى بعض المحللين أن مستويات الأسعار الحالية بين 60 و65 دولاراً قد تمثل منطقة دعم قوية، خصوصاً مع دخول فصل الشتاء وزيادة الطلب على الوقود في نصف الكرة الشمالي. كما أن أي تلميحات من الفيدرالي الأميركي بخفض الفائدة في منتصف 2026 قد تدفع المستثمرين للعودة إلى أسواق السلع.
ومع ذلك، تبقى مخاطر الركود العالمي قائمة، خاصة إذا استمر ضعف الإنتاج الصناعي وتباطأت الأسواق الناشئة. لذلك يتوقع العديد من بيوت الاستثمار أن تتراوح الأسعار بين 58 و70 دولاراً للبرميل خلال الأشهر الستة المقبلة، في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي.
في المحصلة، يواجه سوق النفط العالمي مرحلة دقيقة من التوازن الحذر بين مخاوف تخمة المعروض وضغوط الدولار القوي وتراجع الطلب الصناعي. وبينما تسعى أوبك+ لتجنب انهيار الأسعار، تبقى القرارات المستقبلية مرهونة بقدرة الاقتصاد العالمي على التعافي واستقرار سياسات الفيدرالي الأميركي. وحتى ذلك الحين، يبدو أن الأسعار ستظل عالقة في نطاق ضيق بانتظار محفز جديد يعيد الزخم إلى الأسواق.
ما الأسباب الرئيسية لتراجع أسعار النفط الأخيرة؟
الهبوط الأخير ناتج عن مزيج من العوامل، أبرزها ضعف مؤشرات التصنيع العالمية، وارتفاع الدولار الأميركي، وقرار أوبك+ بوقف زيادة الإنتاج خلال الربع الأول من 2026.
هل هناك خطر فعلي من تخمة المعروض؟
نعم، إذ تشير بيانات أوبك ووكالة الطاقة الدولية إلى أن وتيرة نمو الإمدادات تتجاوز توقعات الطلب، ما يرفع احتمال حدوث فائض مؤقت في السوق مطلع العام المقبل.
كيف يؤثر ارتفاع الدولار على النفط؟
ارتفاع الدولار يجعل النفط أغلى سعراً بالنسبة للدول التي تستخدم عملات أخرى، مما يؤدي إلى تراجع الطلب العالمي على الخام ويضغط على الأسعار.
هل يمكن أن تتعافى الأسعار قريباً؟
قد يحدث التعافي تدريجياً في حال تحسن النشاط الصناعي أو صدور مؤشرات على خفض الفائدة الأميركية، لكن التوقعات تشير إلى بقاء الأسعار في نطاق ضيق حتى منتصف 2026.





















