القطاع المصرفي العالمي يهتز مع تصاعد المخاطر الائتمانية في أميركا
شهدت أسهم البنوك العالمية يوم الجمعة موجة بيع قوية، بعد تجدد المخاوف بشأن جودة الائتمان في القطاع المصرفي الأميركي، ما أعاد للأذهان أزمة الثقة التي هزّت الأسواق قبل عامين. وجاء التراجع وسط حالة من القلق المتزايد حيال تباطؤ الاقتصاد العالمي وتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
مخاوف الائتمان تعود إلى الواجهة
تجددت المخاوف في الأسواق بعدما أعلنت بعض البنوك الإقليمية الأميركية عن خسائر غير متوقعة في عدد من القروض التجارية، أبرزها بنك Zions Bancorp الذي تكبد خسارة بقيمة 50 مليون دولار بسبب تعثر قروض في وحدته بولاية كاليفورنيا، إضافة إلى دعوى قضائية رفعتها Western Alliance ضد شركة «Cantor Group» بتهم تتعلق بالاحتيال.
وأدت هذه التطورات إلى إثارة القلق بين المستثمرين بشأن صلابة النظام المصرفي الأميركي، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الفائدة خلال العامين الماضيين، والتي ضغطت على محافظ السندات لدى البنوك الإقليمية، وأعادت للأذهان سيناريو انهيار «سيليكون فالي بنك» في مارس 2023.
تأثير العدوى على البنوك العالمية
سرعان ما انتقلت المخاوف إلى الأسواق العالمية، إذ تراجعت أسهم Deutsche Bank وBarclays بنحو 6%، وهبط سهم Société Générale الفرنسي 4.6%، وسط عمليات بيع مكثفة في قطاع البنوك الأوروبي والآسيوي. كما انخفضت أسهم كبرى شركات التأمين اليابانية، ما يعكس مدى حساسية المستثمرين تجاه أي إشارات لعدم الاستقرار المالي في الولايات المتحدة.
في المقابل، حاولت بعض البنوك الإقليمية الأميركية استعادة جزء من خسائرها بعد صدور نتائج مالية قوية. فقد ارتفعت أسهم Truist Financial وRegions Financial وFifth Third Bancorp بفضل أرباح فاقت التوقعات، مما ساعد على تهدئة المخاوف جزئياً.
تصريحات رسمية تطمئن الأسواق
أكد المستشار الاقتصادي في البيت الأبيض كيفن هاسيت أن البنوك الأميركية تمتلك احتياطيات كافية لمواجهة أي اضطرابات، مشيراً إلى أن وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي يتابعان الموقف عن كثب. وأضاف أن فريقاً يقوده وزير الخزانة سكوت بيسنت وعضوة مجلس الاحتياطي ميشيل بومان يعمل حالياً على “تنظيف الأوضاع” دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
من جانبه، قال جيمس روسيتر، رئيس إستراتيجيات الاقتصاد الكلي في TD Securities، إن “ما يحدث في البنوك الأميركية ليلاً ينتقل بسرعة إلى آسيا ثم أوروبا، وهو ما يفسر موجات التراجع المتتالية في مختلف المناطق”.
الذهب يرتفع والبنوك تقترض من الفيدرالي
في ظل هذه الاضطرابات، لجأ المستثمرون إلى الملاذات الآمنة، حيث ارتفع الذهب إلى مستويات قياسية جديدة، في حين أظهرت بيانات الاحتياطي الفيدرالي أن البنوك الأميركية اقترضت نحو 15 مليار دولار من تسهيل إعادة الشراء الدائم (SRF) خلال يومين، وهو أعلى مستوى اقتراض منذ جائحة كورونا.
ويُعد هذا التسهيل بمثابة شبكة أمان سيولة توفرها السلطات النقدية للبنوك لتلبية التزاماتها قصيرة الأجل، مما يعكس بعض الضغوط في أسواق التمويل رغم عدم وجود مؤشرات على أزمة نظامية حتى الآن.
مؤشرات الأسهم تحت الضغط
انخفض مؤشر KBW للبنوك الكبرى بنسبة 0.4% بعد أسبوع من نتائج مالية قوية، فيما تراجع KBW للبنوك الإقليمية بنسبة 6.3% في جلسة الخميس، وهي أكبر خسارة يومية في ستة أشهر. كما أثرت المخاوف على أسهم شركات الوساطة والدفع الإلكتروني، إذ تراجع سهم Robinhood بنسبة 1.8% وInteractive Brokers بنسبة 2.1%.
وقال الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan، جيمي ديمون، إن “الأسواق يجب أن تكون متيقظة دائماً؛ فعندما ترى صرصوراً واحداً، ربما هناك المزيد”، في إشارة إلى احتمالية ظهور مشكلات أخرى في النظام المالي.
تحليل: هل الأزمة قادمة أم مجرد ذعر مؤقت؟
يرى محللون أن ما يحدث حالياً لا يشير بالضرورة إلى أزمة مالية جديدة، بل إلى حالة من إعادة التقييم للمخاطر الائتمانية بعد فترة طويلة من الارتفاع السريع في أسعار الفائدة. ويقول ألان ديفلين، كبير محللي التمويل العالمي في Impax Asset Management، إن “الأسواق تتفاعل بسرعة زائدة مع أي خبر سلبي في الوقت الحالي، في ظل التقييمات المرتفعة للأسهم”.
من جانبه، أوضح بو باي، محلل الأسواق في US Tiger Securities، أن “الأسواق أصبحت مسعّرة للكمال، مما يجعلها عرضة لتقلبات حادة عند ظهور أي مفاجآت سلبية”.
ويضيف محللون أن قطاع البنوك الأوروبي ارتفع بنحو 40% منذ بداية العام، ما يجعل أي تراجع فرصة لجني الأرباح، خصوصاً بعد موجة الصعود التي غذّتها أرباح البنوك القوية وتراجع تكاليف الطاقة في القارة العجوز.
انعكاسات على الاقتصاد العالمي
تزايدت المخاوف من أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى تشديد شروط الائتمان للشركات والأفراد، مما قد يضغط على النمو الاقتصادي العالمي. ويخشى المستثمرون من أن يؤدي ارتفاع معدلات التعثر في القروض الخاصة والديون عالية المخاطر إلى تقليص قدرة البنوك على الإقراض، وبالتالي إبطاء عجلة الاستثمار والاستهلاك.
ويرى محللون أن الأسواق ستراقب عن كثب تطورات الأسبوع المقبل، خصوصاً تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي حول مسار الفائدة، ونتائج عدد من البنوك الكبرى التي لم تُعلن بعد، لتقييم ما إذا كان الوضع الحالي يمثل مجرد “ذعر مؤقت” أم بداية لمرحلة أكثر توتراً في النظام المالي العالمي.
القطاع المصرفي
رغم التطمينات الرسمية من واشنطن، فإن تراجع أسهم البنوك العالمية يؤكد هشاشة الثقة في النظام المصرفي العالمي، في وقت ما زالت فيه الأسواق تعاني من مزيج من الضغوط التضخمية والمخاطر الجيوسياسية وتباطؤ النمو. ومع استمرار حالة القلق في أسواق الائتمان، يبدو أن المستثمرين سيواصلون البحث عن الأمان في الذهب والسندات، ريثما تتضح الصورة بشأن قدرة البنوك على تجاوز هذه الموجة دون أزمات جديدة.
ما سبب تراجع أسهم البنوك العالمية في أكتوبر 2025؟
السبب الرئيسي هو تصاعد المخاوف بشأن جودة القروض في البنوك الإقليمية الأميركية بعد إعلان خسائر غير متوقعة ودعاوى قضائية تتعلق بالاحتيال، مما أثار القلق بشأن استقرار النظام المصرفي.
هل الوضع يشبه أزمة سيليكون فالي بنك في 2023؟
حتى الآن لا، فالمخاوف الحالية محدودة في بعض البنوك الصغيرة والمتوسطة، بينما البنوك الكبرى تمتلك احتياطيات قوية ومراكز سيولة كافية تمنع تكرار أزمة شاملة.
كيف تأثرت الأسواق الأوروبية والآسيوية بهذه التطورات؟
انتقلت العدوى بسرعة إلى أوروبا وآسيا، حيث هبطت أسهم دويتشه بنك وباركليز وسوسيتيه جنرال بنسب بين 4 و6%، كما تراجعت أسهم شركات التأمين اليابانية.
هل تدخل الاحتياطي الفيدرالي لاحتواء الأزمة؟
نعم، أظهرت البيانات أن البنوك اقترضت نحو 15 مليار دولار من تسهيل إعادة الشراء الدائم، وهو ما يشير إلى دور الفيدرالي في دعم السيولة وتفادي تفاقم الأزمة.
ما المتوقع للأسواق في الأسابيع القادمة؟
يرجح المحللون استمرار التقلبات في أسواق المال حتى تتضح نتائج أرباح البنوك الكبرى وتوجهات الفيدرالي، مع احتمالية بقاء الذهب المستفيد الأكبر من القلق المصرفي.






















