الأسواق العالمية ترتفع والذهب يتراجع مع عودة شهية المخاطر
عكست الأسواق العالمية ميلاً أوضح إلى “المخاطرة” مع تراجع حدة المخاوف الائتمانية في القطاع المصرفي وارتفاع التوقعات بحلول سياسية تخفف التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين. هذا التحول دفع المؤشرات الرئيسية للصعود، بينما تعرض الذهب لضغوط بيعية طفيفة بعدما لامس مستويات قياسية في جلسات سابقة.
شهية المخاطر تعود: ماذا تغيّر؟
الأسبوع الماضي اتسم بقلق ائتماني نابع من بنوك إقليمية أميركية، تزامن مع ضبابية على صعيد البيانات الاقتصادية بفعل إطالة أمد إغلاق حكومي، ما أشاع التوتر عبر فئات الأصول. لكن التبدّل الأخير في النبرة السياسية—وخاصة التلميحات إلى حوار تجاري أكثر هدوءاً—أعاد توزيع التدفقات نحو الأسهم، خصوصاً أسهم التكنولوجيا وأشباه الموصلات التي قادت موجة صعود ملحوظة.
في المقابل، تراجعت الحاجة الآنية للتحوّط، ما ضغط على أسعار الذهب التي استفادت مؤخراً من اندفاع نحو الأمان مع تقلّب كبير في عوائد السندات والدولار. هكذا، رأينا انتقالاً تكتيكياً للسيولة من الملاذات إلى الأصول ذات المخاطر الأعلى.
الذهب بين قمم تاريخية وضغط “المخاطرة”
سجلت أسعار الذهب قمماً قياسية مؤخراً مدفوعة بمزيج من الطلب الرسمي والتحوط من مخاطر النمو والتوترات الجيوسياسية. ومع تحسن المعنويات، تراجعت الأسعار بشكل محدود. من منظور أساسي، ما يزال الذهب مدعوماً بعوامل هيكلية: عوائد حقيقية متراجعة على المدى المتوسط، توجهات بنوك مركزية لزيادة المقتنيات، وتوسّع في الطلب الاستثماري. ما حدث مؤخراً أقرب إلى “تقاطف أرباح” عند قمم مرتفعة، لا إلى انقلاب في الاتجاه.
على مستوى الديناميكيات، أي تحرّك قوي للأسهم يضغط عادة على الذهب عبر قناتين: الأولى تحويل رأس المال نحو المخاطرة، والثانية تحسّن المزاج الذي يخفض علاوة التأمين. لكن إذا تراجعت الآمال بتيسير نقدي أو عاد توتر الائتمان، فقد يعيد الذهب جذب التدفقات سريعاً.
الأسهم العالمية: محركات الارتفاع
1) آمال التهدئة التجارية
توقعات عقد لقاءات رفيعة المستوى بين قادة الولايات المتحدة والصين خفّفت مخاوف التصعيد، مع مؤشرات على تعاون انتقائي في سلاسل المعروض الاستراتيجية—مثل المواد النادرة—ما يدعم قطاعات صناعية وتقنية بعينها.
2) توقعات الفائدة الأميركية
الأسواق تسعّر احتمالات متزايدة لخفض الفائدة في الأشهر المقبلة. انخفاض تكلفة رأس المال يرفع تقييمات الأسهم الحسّاسة للنمو، ويعطي دعماً إضافياً للتكنولوجيا والدورات الاستهلاكية. بالتوازي، تبقى عوائد السندات تحت المراقبة كمحدد رئيسي للتقييمات.
3) تراجع مخاوف الائتمان
تبدّد القلق—ولو مؤقتاً—حول جودة الأصول في بنوك إقليمية أميركية أزال جزءاً من “خصم المخاطرة” الذي طغى على الأسهم المالية وبقية القطاعات. لكن التحذيرات الأوروبية بشأن تمويل الدولار تبقي الحذر قائماً.
العملات والسندات: دلالات المعنويات
تعافي شهية المخاطر غالباً ما يدعم العملات الدورية ويضغط على الين والفرنك باعتبارهما ملاذين. أي إشارات إلى سياسة نقدية أكثر تحفيزاً في اليابان تدعم أسهم طوكيو في حين تضغط على الين، وهو ما ينسجم مع تسجيل مؤشرات يابانية مستويات تاريخية مؤخراً. في الولايات المتحدة، ترجيح خفض الفائدة مستقبلاً يحدّ من صعود الدولار على المدى المتوسط، لكنه لا يمنع قفزات تكتيكية مرتبطة بتقلبات العوائد.
أبرز المخاطر التي لا تزال على الطاولة
رغم تحسّن المزاج، تبقى ثلاثة محاور حساسة: أولاً، مسار الائتمان الخاص والديون ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة؛ ثانياً، وتيرة نمو الأرباح مقارنة بتوقعات مرتفعة للأسهم التقنية؛ ثالثاً، أي مفاجآت في البيانات تُعيد تسعير مسار الفائدة. أي صدمة في هذه الملفات قد تُفعّل سريعاً عمليات “نفور من المخاطرة”، ما يعيد للذهب بريقه الدفاعي.
نظرة تكتيكية للمستثمر
بالنسبة للمستثمر قصير الأجل، يمكن استغلال موجات “الشراء عند الانخفاض” في مؤشرات النمو بشرط إدارة المخاطر، فيما يظل الذهب مرشحاً لدور موازنة المحافظ—لا سيّما عبر إستراتيجيات تدريجية (DCA)—تحسباً لاحتمالات عودة التقلبات. على المدى المتوسط، التوزيع المتوازن بين أسهم النمو والجودة الدفاعية، مع حصة تكتيكية من المعادن الثمينة، يوفر مظلة ضد انحرافات مفاجئة في مسار العوائد أو المعنويات.
هل يعني تراجع الذهب فقدانه الزخم الصعودي؟
ليس بالضرورة. التراجع الأخير يبدو تكتيكياً مع تحسن المعنويات، بينما تبقى العوامل الأساسية الداعمة للذهب قائمة. الاتجاه المتوسط ما يزال مرهوناً بمسار العوائد الحقيقية وسياسات البنوك المركزية.
هل حان وقت زيادة التعرّض لأسهم التكنولوجيا؟
الزخم قوي لكن التقييمات مرتفعة. يُنصح بالانتقائية والاعتماد على جودة الأرباح والتدفقات النقدية، مع مراعاة التذبذب المرتفع وترجيح مراكز تحوّط عند الحاجة.
كيف أتعامل مع تقلبات الين والدولار؟
تقلبات العملتين ترتبط بتسعير الفائدة والملاذات. للمستثمر غير المتخصص، قد يكون تتبع التعرضات عبر صناديق عالمية متوازنة أكثر ملاءمة من الرهانات الاتجاهية المباشرة على العملات.
ماذا عن بنوك أوروبا ومخاطر تمويل الدولار؟
هي مخاطرة يجب مراقبتها: أي تشنج في سيولة الدولار قد يضغط على البنوك ذات الانكشافات العالية. متابعة هوامش التمويل وأدوات المقايضة عبر الدولار تمنح إشارات مبكرة عن التوترات.
الخلاصة
عودة شهية المخاطر رفعت الأسهم العالمية وأضعفت الذهب مؤقتاً. غير أن توازن القوى بين توقعات خفض الفائدة، ومسار الائتمان، والتوترات الجيوسياسية سيحدد الاستدامة. في هذا السياق، يبقى النهج المتوازن بين النمو والتحوط بالمعادن الثمينة هو الخيار الأكثر عقلانية للمستثمرين خلال الأفق القريب.






















