الأسواق العالمية تترقب نتائج عمالقة التكنولوجيا وقرار الفدرالي الأميركي وسط زيارة ترامب إلى كوريا الجنوبية
تعيش الأسواق العالمية اليوم واحدة من أكثر جلسات العام ترقبًا وتوتّرًا، إذ تتجه الأنظار نحو نتائج الشركات العملاقة في قطاع التكنولوجيا الأميركي، وقرار مجلس الاحتياطي الفدرالي حول أسعار الفائدة، بالتزامن مع جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آسيا، والتي تشمل لقاءً محوريًا مع نظيره الصيني شي جين بينغ. هذه العوامل مجتمعة تضع المستثمرين أمام يوم مليء بالمتغيرات التي قد تعيد رسم اتجاه الأسواق خلال الأسابيع المقبلة.
مؤشرات العقود الآجلة تُظهر حذر المستثمرين
في بداية التعاملات، شهدت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية تحركات متباينة، إذ تراجعت عقود داو جونز بنسبة طفيفة بلغت 0.1%، بينما ارتفعت عقود S&P 500 بنسبة 0.2%، وصعدت عقود ناسداك 100 بنحو 0.4%. هذا الأداء يعكس حالة الترقب السائدة قبل صدور نتائج شركات التكنولوجيا العملاقة وإعلان الفدرالي الأميركي مساء اليوم.
وسجلت المؤشرات الرئيسية في وول ستريت خلال جلسة الثلاثاء إغلاقات قياسية جديدة لليوم الثالث على التوالي، مدعومة بالمكاسب القوية لأسهم نفيديا التي واصلت قيادة موجة الصعود المدفوعة بالذكاء الاصطناعي. إذ أعلنت الشركة عن حجوزات بقيمة 500 مليار دولار لمعالجاتها المخصصة للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى صفقة لتطوير سبعة حواسيب فائقة لصالح وزارة الطاقة الأميركية، ما عزز الزخم الشرائي على السهم الذي اقترب من تحقيق تقييم تاريخي بقيمة 5 تريليونات دولار.
نتائج “عمالقة التكنولوجيا” تحرك الأسواق
تتجه الأنظار هذا الأسبوع إلى نتائج أبرز شركات التكنولوجيا الأميركية التي تشكل الجزء الأكبر من القيمة السوقية لمؤشر ناسداك. فبعد إغلاق جلسة اليوم، من المقرر أن تعلن كل من مايكروسوفت وميتا بلاتفورمز (مالكة إنستغرام وفيسبوك) وألفابت (الشركة الأم لغوغل) عن نتائجها الفصلية. أما شركتا أبل وأمازون فستكشفان عن نتائجهما غدًا الخميس.
تمثل هذه الشركات ما يشبه “عمود الاقتصاد الأميركي الجديد”، ليس فقط لحجم أرباحها، بل لتأثيرها العميق على ثقة المستثمرين ومسار السيولة داخل الأسواق المالية. ومن المتوقع أن يركز المحللون على نفقات هذه الشركات في مجالات الذكاء الاصطناعي، حيث تتسابق لتطوير القدرات الحوسبية واستثمارات البنية التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وسط ما يشبه “سباق تسلح رقمي” بين الشركات الكبرى.
وتشير التوقعات إلى أن أي نتائج ضعيفة أو تراجع في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تصحيح مؤقت في أسهم التكنولوجيا، بينما ستُفسَّر النتائج القوية كمؤشر على استمرار الزخم الاستثماري في هذا القطاع، مما قد يدفع المؤشرات الأميركية نحو قمم جديدة قبل نهاية العام.
الفدرالي الأميركي في دائرة الضوء
على الجانب النقدي، ينتظر المستثمرون قرار الاحتياطي الفدرالي الأميركي في ختام اجتماعه الذي استمر يومين. تشير التوقعات إلى أن البنك المركزي سيقوم بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل النطاق المستهدف إلى ما بين 3.75% و4.00%، وهو الخفض الثاني في أقل من شهرين، بعد أن بدأ الفدرالي دورة التيسير النقدي في سبتمبر الماضي.
الأسواق لا تترقب الخفض نفسه بقدر ما تترقب بيان السياسة النقدية وتعليقات رئيس الفدرالي جيروم باول، والتي ستحدد نبرة التوجهات المستقبلية. إذ ينتظر المستثمرون معرفة ما إذا كان البنك سيتوقف مؤقتًا بعد هذا الخفض أو سيواصل التيسير في ديسمبر.
وقد ازدادت تعقيدات المشهد بعد تسارع طفيف في التضخم الأميركي خلال سبتمبر، والذي يُعتقد أنه تأثر بسياسات الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس ترامب على الصين. ورغم أن القراءة جاءت أقل من المتوقع، إلا أن التضخم لا يزال فوق هدف الفدرالي البالغ 2%، مما يترك المجال مفتوحًا أمام سيناريوهات متعددة.
غياب بيانات التوظيف بسبب الإغلاق الحكومي
يواجه صناع القرار في واشنطن معضلة إضافية تتمثل في غياب بيانات الوظائف الرسمية نتيجة الإغلاق الحكومي المستمر منذ أسابيع. هذا يعني أن الفدرالي يتخذ قراراته دون الاعتماد على تقرير الوظائف الشهري الذي يشكل عادةً مرجعًا رئيسيًا في تقييم سوق العمل.
قبل الإغلاق، كانت البيانات تشير إلى تباطؤ واضح في نمو الوظائف وارتفاع طفيف في البطالة، وهو ما دفع الفدرالي إلى تبني نهج أكثر مرونة. أما الآن، ومع ضبابية البيانات، فقد يصبح البنك أكثر حذرًا في مسار خفض الفائدة.
زيارة ترامب إلى كوريا الجنوبية.. الدبلوماسية في خدمة الاقتصاد
في موازاة الأحداث الاقتصادية، يتابع المستثمرون جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آسيا، والتي تشمل زيارة مهمة إلى كوريا الجنوبية تمهيدًا للقاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة بوسان. هذه الزيارة تحمل أبعادًا تجارية وجيوسياسية عميقة، خصوصًا في ظل الآمال بإبرام اتفاق يخفف من حدة الحرب التجارية بين البلدين.
ترامب ألمح خلال لقائه بالرئيس الكوري لي جاي ميونغ في مدينة “كيونغجو” التاريخية إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع سيول قريبًا، بينما قال إن المفاوضات مع الصين تسير نحو “نتائج إيجابية”. غير أن مسؤولين أميركيين وكوريين استبعدوا حدوث اختراق حقيقي في هذه الجولة.
ويُتوقع أن يطرح ترامب خلال لقائه المرتقب مع الرئيس الصيني ملف الشرائح الإلكترونية المتقدمة، خصوصًا مع استمرار القيود الأميركية على صادرات نفيديا من معالجات الذكاء الاصطناعي إلى الصين. ويبدو أن هذا الملف سيُستخدم كورقة تفاوضية في مقابل التزامات صينية بوقف تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل.
الذهب يعود فوق 4000 دولار للأونصة
في سوق السلع، ارتفعت أسعار الذهب من جديد متجاوزة مستوى 4000 دولار للأونصة بعد انخفاض استمر يومين، إذ وجد المعدن الأصفر دعمًا من توقعات خفض الفائدة الأميركية. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 1.5% إلى 4010 دولارات، فيما زادت العقود الآجلة إلى 4023 دولارًا.
وكان الذهب قد فقد جزءًا من بريقه خلال الأسبوع الماضي مع تزايد التفاؤل بشأن اتفاق تجاري أميركي–صيني محتمل، وهو ما قلل من الطلب على الملاذات الآمنة. لكن عودة التوقعات بخفض الفائدة دعمت الأسعار مجددًا، خاصة في ظل تراجع عوائد السندات الأميركية.
ويؤكد المحللون أن التوجه المستقبلي للذهب سيتحدد بناءً على لهجة بيان الفدرالي. فإذا أشار باول إلى احتمال تباطؤ دورة الخفض أو أبدى قلقًا من التضخم، فقد يؤدي ذلك إلى صعود الدولار مجددًا، ما سيضغط على المعدن النفيس. أما إذا تبنّى خطابًا مائلًا للتيسير، فقد يعزز ذلك فرص تجاوز الذهب قممه التاريخية الأخيرة.
الأسواق توازن بين الأرباح والسياسة
تبدو الأسواق العالمية اليوم وكأنها تمشي على خيطٍ دقيق بين التوقعات الإيجابية لنتائج الشركات العملاقة، والضبابية السياسية والاقتصادية التي تفرضها سياسات ترامب وموقف الفدرالي. ومع تضخم تقييمات الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، هناك قلق متزايد من احتمال حدوث “تصحيح تقني” إذا خيّبت النتائج آمال المستثمرين.
ومع ذلك، تظل المعطيات الأساسية قوية: البطالة عند مستويات تاريخية منخفضة، الإنفاق الاستهلاكي صامد، والشركات الأميركية ما زالت تحقق هوامش ربح عالية بفضل التكنولوجيا والابتكار. لكن الخطر يكمن في استمرار التوتر التجاري أو ارتفاع جديد في التضخم قد يدفع الفدرالي إلى التريث أكثر في خفض الفائدة.
يترقب المستثمرون اليوم مزيجًا من القرارات الاقتصادية والإعلانات المالية التي قد تعيد تشكيل صورة الأسواق العالمية حتى نهاية العام. فنتائج مايكروسوفت وألفابت وميتا ستكون أول اختبار حقيقي لمدى استمرار الزخم في قطاع الذكاء الاصطناعي، بينما سيحدد الفدرالي الأميركي بقراره اليوم إيقاع السياسة النقدية للمرحلة المقبلة.
وفي الخلفية، تظل جولة ترامب الآسيوية عاملًا مؤثرًا في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي، خاصة إذا حملت إشارات إلى تهدئة مع الصين. كل ذلك يجعل يوم الأربعاء من أكثر الأيام حساسية منذ بداية الخريف، ويجعل المستثمرين بين خيارين: إما البقاء في وضع الانتظار والترقب، أو المغامرة استباقًا لأي مفاجأة قد تقلب الموازين.
ما أبرز الأحداث التي تترقبها الأسواق اليوم؟
الأسواق تترقب إعلان نتائج شركات التكنولوجيا العملاقة (مايكروسوفت، ألفابت، ميتا)، وقرار الفدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة، إلى جانب متابعة زيارة الرئيس ترامب إلى كوريا الجنوبية واحتمال لقائه مع نظيره الصيني شي جين بينغ.
هل من المتوقع أن يخفض الفدرالي الأميركي الفائدة اليوم؟
نعم، تشير أغلب التوقعات إلى خفض جديد بمقدار 25 نقطة أساس، مع مراقبة الأسواق لتصريحات جيروم باول لمعرفة ما إذا كانت هناك خفض إضافي في ديسمبر.
ما تأثير زيارة ترامب إلى كوريا الجنوبية على الأسواق؟
الزيارة قد تمهد لتفاهمات تجارية مع الصين وتخفف التوترات، وهو ما قد يدعم الأسهم ويقلص الطلب على الذهب كملاذ آمن.
هل سيواصل الذهب الصعود بعد تجاوز 4000 دولار؟
اتجاه الذهب يعتمد على نبرة الفدرالي. إذا أكد استمرار سياسة التيسير، قد يشهد المعدن الأصفر ارتفاعات إضافية جديدة.






















