الأسهم الآسيوية تسجل مستويات قياسية بدعم من تفاؤل اتفاق تجاري أميركي-صيني
افتتحت الأسواق الآسيوية أسبوعها على موجة قوية من التفاؤل، حيث قفزت المؤشرات إلى مستويات قياسية جديدة مدفوعة بآمال التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين. جاء هذا الارتفاع بعد أن نجح كبار المسؤولين الاقتصاديين من الجانبين في وضع إطار أولي لاتفاق يهدف إلى تهدئة التوترات التجارية التي أثقلت كاهل الاقتصاد العالمي على مدى السنوات الأخيرة.
تفاؤل الأسواق يعيد شهية المخاطرة
شهدت جلسات التداول في طوكيو وسول وتايوان تدفقات كبيرة نحو الأسهم، إذ تجاوز مؤشر نيكاي الياباني حاجز 50 ألف نقطة للمرة الأولى في تاريخه، بينما صعد مؤشر كوسبي الكوري فوق مستوى 4000 نقطة مدفوعًا بمكاسب شركات التكنولوجيا والصناعة. كما ارتفع مؤشر MSCI لآسيا والمحيط الهادئ بنسبة 1.3% ليسجل أعلى مستوى له على الإطلاق.
ويرى محللون أن هذا الزخم يعكس تحسّنًا ملموسًا في معنويات المستثمرين بعد شهور من الحذر. وقالت تشارو تشانانا، كبيرة الاستراتيجيين في “ساكسو بنك”، إن «الأسواق تنتظر الآن ترجمة الإشارات الإيجابية إلى خطوات عملية تعزز النمو وتدعم التجارة العالمية».
الاتفاق التجاري المحتمل بين واشنطن وبكين
جاءت الأخبار الإيجابية بعد محادثات مكثفة جرت في نهاية الأسبوع بين وفدين اقتصاديين رفيعي المستوى من واشنطن وبكين. وبحسب التقارير، تم الاتفاق على “إطار عام” يوقف تصعيد الرسوم الجمركية الأميركية ويحدّ من قيود الصين على صادرات المعادن النادرة، وهو ما من شأنه أن يخفف التوترات ويعيد الثقة في سلاسل الإمداد العالمية.
ويرى مراقبون أن نجاح هذا الاتفاق، حتى وإن كان مؤقتًا، قد يفتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا، والطاقة، والتوريد الصناعي. كما يُتوقع أن ينعكس إيجابًا على اقتصادات آسيوية تعتمد على الصادرات مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة.
انعكاسات مباشرة على العملات والسلع
انعكس التفاؤل التجاري على تحركات العملات والسلع في آسيا. فقد ارتفع الدولار الأسترالي بنسبة 0.42% ليصل إلى 0.6541 دولار أميركي، مدعومًا باعتباره مؤشرًا حساسًا للتجارة الصينية. كما صعدت أسعار السلع الزراعية مثل فول الصويا والقمح والذرة بفعل توقعات انتعاش الطلب العالمي.
في المقابل، تراجعت أسعار الذهب بنسبة تقارب 1% مع تراجع الطلب على الملاذات الآمنة، في حين ارتفعت عوائد السندات الأميركية لعشر سنوات بنحو 3.8 نقطة أساس. هذا التحول يعكس انتقال المستثمرين من أصول الأمان إلى الأصول عالية المخاطر.
الترقب لاجتماعات البنوك المركزية
تتجه أنظار الأسواق هذا الأسبوع إلى اجتماعات البنك الفدرالي الأميركي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وبنك كندا. ويتوقع المحللون أن يقدم الفدرالي على خفض جديد في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وسط تباطؤ طفيف في التضخم وتأثيرات الإغلاق الحكومي الأميركي على البيانات الاقتصادية.
أما بنك اليابان، فرغم تحسن المعنويات في الأسواق المحلية، إلا أنه من المرجح أن يبقي أسعار الفائدة دون تغيير مع مراقبة تأثير الاتفاق التجاري على الصادرات. في حين يُتوقع أن يتبنى البنك المركزي الأوروبي لهجة حذرة في ظل استمرار تباطؤ النمو في منطقة اليورو.
أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى: الاختبار القادم
على الجانب الأميركي، يبدأ هذا الأسبوع أكثر مراحل موسم الأرباح ازدحامًا، مع إعلان نتائج “العمالقة السبعة” أو ما يُعرف بـ Magnificent Seven والتي تضم: مايكروسوفت، آبل، ألفابت (غوغل)، أمازون، ميتا، تسلا، وإنفيديا. وتشير التوقعات إلى نتائج قوية نسبيًا رغم تراجع هوامش الربح مقارنة بالفترات السابقة.
ويُعد هذا الأسبوع حاسمًا في تحديد ما إذا كان الزخم الذي قاد الأسواق الأميركية إلى قمم جديدة خلال عام 2025 سيستمر، أم أن التباطؤ الاقتصادي سيبدأ في الظهور داخل التقارير المالية لتلك الشركات. وتعوّل الأسواق على أن تبقي الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية على أداء قوي للقطاع.
الذكاء الاصطناعي كمحرّك رئيسي للأسواق
ما زال قطاع الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في توجيه حركة الأسواق العالمية. إذ بات يُنظر إليه كعنصر أساسي في استمرار ارتفاع الأسهم الأميركية والآسيوية على حد سواء، بفضل الطلب المتزايد على الرقائق والأنظمة الحاسوبية الفائقة. وقد ساهمت هذه الطفرة التقنية في تعويض أثر تباطؤ التجارة التقليدية خلال العامين الماضيين.
رؤية تحليلية: ما وراء التفاؤل الحالي
من الناحية التحليلية، يرى خبراء أن موجة الارتفاع الراهنة في الأسواق الآسيوية ليست فقط انعكاسًا لتفاؤل مؤقت، بل أيضًا نتيجة لتراكم عوامل اقتصادية إيجابية على مدار الأشهر الماضية. فقد شهدت المنطقة انتعاشًا تدريجيًا في الاستثمارات الصناعية، وتحسنًا في الإنفاق الاستهلاكي، وتراجعًا في تكاليف التمويل.
لكن في المقابل، يحذر محللون من أن أي انتكاسة في المفاوضات التجارية قد تؤدي إلى تصحيح حاد في الأسعار، خصوصًا وأن المؤشرات تجاوزت مستويات تقييم مرتفعة تاريخيًا. كما أن استمرار ضعف الطلب في الصين على المدى الطويل قد يحد من استدامة الزخم الحالي.
توقعات المرحلة المقبلة
يتوقع محللو “فورتريس للاستشارات” أن تظل الأسواق الآسيوية مدعومة خلال الربع الرابع من 2025، في حال ثبوت جدية الاتفاق التجاري واستمرار توجه البنوك المركزية نحو السياسات التيسيرية. كما من المرجح أن يشهد الين الياباني والدولار الأسترالي تحركات قوية مرتبطة بمستوى المخاطرة العالمي.
ويُرجّح أن ينعكس أي تحسّن في العلاقات الأميركية-الصينية على الأسواق الخليجية والعربية، خاصة في قطاعات الطاقة والمعادن والصناعات التحويلية التي تعتمد على الطلب الآسيوي. هذا الترابط يجعل من آسيا مؤشراً متقدماً لاتجاهات الاقتصاد العالمي خلال العام المقبل.
خلاصة
يمكن القول إن آسيا دخلت مرحلة جديدة من الثقة، حيث تبدو الأسواق مستعدة لتحويل التفاؤل إلى فرص استثمارية واقعية. لكن المتعاملين يدركون أن أي تراجع في الالتزام السياسي أو تباطؤ في وتيرة الإصلاحات قد يعيد الأسواق إلى مربع الحذر.
وبينما تبقى الأنظار مركّزة على ما سيصدر عن البنوك المركزية الكبرى ونتائج شركات التكنولوجيا العملاقة، فإن الرسالة الواضحة من هذا الأسبوع هي أن آسيا أصبحت مجددًا مركز الزخم المالي العالمي.
ما أبرز أسباب صعود الأسهم الآسيوية؟
الارتفاع جاء نتيجة تفاؤل المستثمرين بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين، مما خفف المخاوف بشأن الركود ودعم الطلب العالمي على الأصول الخطرة.
كيف تأثرت أسعار الذهب والعملات؟
انخفض الذهب مع تراجع الطلب على الملاذات الآمنة، بينما ارتفع الدولار الأسترالي واليَن الياباني مع تحسن شهية المخاطرة في الأسواق.
ما أبرز الأحداث المنتظرة هذا الأسبوع؟
ينتظر المستثمرون اجتماعات البنوك المركزية في أميركا وأوروبا واليابان، بالإضافة إلى نتائج أرباح شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.






















