ارتفاع عوائد السندات البريطانية والفرنسية لأعلى مستوى في عقد والذهب يسجّل قمة تاريخية
ملخّص: واصلت عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل في بريطانيا وفرنسا الصعود إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عقد، مع ازدياد حساسية المستثمرين لمخاطر المالية العامة وعبء الديون، بينما صعد الذهب إلى قمة تاريخية جديدة مدعوماً بتدفّقات الملاذات الآمنة. جاء الزخم في جلسة الثلاثاء وسط ما وصفه محلّلون بـ«صدمة العودة إلى المدارس»، مع بداية موسم الخريف وعودة السيولة، وتراجع الين الياباني على خلفية تطوّر سياسي داخلي هناك، في وقت يترقّب فيه المتعاملون بيانات أميركية مهمة لنشاط الأعمال خلال الأسبوع.
ما الذي حدث؟ الأرقام تُلخّص المشهد
قفز عائد السند البريطاني لأجل 30 عاماً بنحو 6 نقاط أساس ليقترب من 5.697%، وهو مستوى لم يُسجَّل منذ أواخر التسعينيات. بالتوازي، زاد عائد السند الفرنسي لأجل 30 عاماً إلى حوالَي 4.513%، وهو الأعلى منذ 2009. في الخلفية، دفع تصاعد القلق حول أوضاع المالية العامة عالمياً المستثمرين إلى إعادة تسعير مسارات الفائدة والمخاطر السيادية على المدى الطويل. في المقابل، صعد الذهب إلى مستوى قياسي جديد مع تنامي الطلب الدفاعي، بينما شهدت سوق العملات ضعفاً في الين بعد أنباء سياسية محلية في اليابان.
تتماهى هذه التحركات مع إعادة فتح شهية المخاطرة والحذر معاً بعد الإجازات، حيث تبدأ المحافظ الكبيرة في إعادة التوازن لتعرّضها عبر السندات، الأسهم، والسلع، ما يضخّم أثر أي خبر سياسي أو مالي في «الأسبوع الأول» من سبتمبر.
لماذا ترتفع عوائد السندات طويلة الأجل؟
يعكس ارتفاع عوائد السندات البريطانية والفرنسية ثلاث طبقات من المخاطر والتوقعات. أولاً، مخاطر المالية العامة: اتساع العجز وارتفاع تكاليف خدمة الدين مع معدلات فائدة مرتفعة نسبياً يرفعان علاوة المخاطر المطلوبة من المستثمرين، خصوصاً على الآجال الطويلة. ثانياً، ثبات التضخم الأساسي في مستويات أعلى من المستهدف في الاقتصادات المتقدّمة يبقي توقعات الفائدة «أعلى لفترة أطول» في أذهان المتعاملين، حتى لو كان المسار الرسمي نحو التيسير بدأ يتشكّل تدريجياً. ثالثاً، العرض الكبير من الإصدارات الحكومية المقرّر تمويلها في الأشهر المقبلة، ما يعني منافسة أشد على السيولة.
تاريخياً، عندما يقتنع السوق بأن منحنى العائد سيظل مرتفعاً لفترة ممتدة، ترتفع حساسية العوائد الطويلة لأي صدمة مالية أو سياسية، فيتحوّل نطاق التداول إلى مستويات جديدة بسرعة.
الذهب عند قمة قياسية: كيف نفسّر المفارقة؟
عادةً ما يضغط ارتفاع العوائد الحقيقية على الذهب، لكن في لحظات القلق المالي، يتفوّق عامل الملاذ الآمن وتتنشّط الطلبات التحوّطية. في جلسة الثلاثاء، بدا أن مخاطر الديون والعجز — إلى جانب الضبابية السياسية — تُنعش الطلب على الأصول الصلبة، فتقابل قوة الدولار الجزئية بتدفّقات إلى الذهب. كما أن تزايد مشتريات البنوك المركزية خلال العامين الماضيين خلق قاعاً هيكلياً للطلب، ما يجعل أي موجة شراء تكتيكية أكثر قدرة على دفع الأسعار نحو قمم جديدة.
من زاوية إدارة المحافظ، هذا السلوك ليس تناقضاً بقدر ما هو إشارة إلى تسعير سيناريوهات الإجهاد (Stress Scenarios): إذا طالت دورة العجز المرتفع، قد يصبح الذهب والأسهم الدفاعية أدوات توازن، حتى مع عوائد سندات أعلى.
العملات تحت المجهر: ضعف الين وتذبذب الإسترليني واليورو
تأثّر الين الياباني سلباً بتطوّر سياسي داخلي زاد الضبابية القصيرة الأجل، ما حفّز تحرّكاً سريعاً في أزواج الين. بالنسبة إلى الإسترليني واليورو، فإن ارتفاع عوائد السندات البريطانية والفرنسية يدعم العملتين عبر فارق العائد نظرياً، لكن تأثير القلق المالي قد يحدّ من المكاسب، إذ ينظر المستثمرون إلى القدرة على تمويل العجز وضبط المسار المالي على المدى المتوسط.
ماذا يعني ذلك للمستثمرين؟
أولاً، في الدخل الثابت، أصبح مخاطر المدة (Duration) أكثر حساسية للصدمات، ما يدعو إلى مزيج متوازن بين آجال قصيرة ومتوسطة مع تحوّط تكتيكي عند الآجال الطويلة. ثانياً، في الأسهم، قد تستفيد القطاعات الدفاعية والشركات ذات الميزانيات القوية من «تحوّط جودة»، بينما يبقى الضغط قائماً على الأسماء ذات الرافعة العالية. ثالثاً، في السلع، الذهب يستمد دعماً إضافياً من سردية المخاطر المالية إلى أن تتضح مسارات السياسات.
القاعدة العملية الآن: إدارة المخاطر قبل العوائد. توزيع الأوزان على مراحل بدلاً من «دفعة واحدة»، واستغلال الارتفاعات لبناء هوامش أمان في المحافظ.
ما الذي نراقبه هذا الأسبوع؟
بيانات نشاط الأعمال الأميركي المنتظرة لاحقاً اليوم تمثّل أولى محطات أسبوع مزدحم بالمؤشرات. أي مفاجأة «إيجابية بقوة» قد تعيد تسعير مسار الفائدة وتزيد ضغط العوائد، بينما القراءات «الأضعف» قد تمنح الأسواق هدنة قصيرة، وتدعم الذهب أكثر. كما ستظل الإصدارات السيادية في أوروبا والولايات المتحدة تحت الضوء لقياس شهية المستثمرين وأي تغيّر في علاوة الأجل.
قراءة تاريخية سريعة: لماذا مستويات 1998 و2009 مهمّة؟
يشير بلوغ السند البريطاني لأجل 30 عاماً مستوى هو الأعلى منذ 1998 إلى انتقال هيكلي في علاوة الأجل مقارنة بمرحلة «العوائد المنخفضة جداً» التي سادت بعد الأزمة المالية العالمية. وفي فرنسا، العودة إلى قمم لم تُر منذ 2009 تعكس أيضاً أن السردية الأوروبية انتقلت من مخاطر النمو الضعيف إلى مخاطر مالية أكثر وضوحاً في التسعير، حتى مع انحسار التضخم تدريجياً.
السيناريوهات الأقرب للمشهد
سيناريو الهبوط الناعم الممتد: نمو متباطئ لكن إيجابي، تضخم يتراجع ببطء، وفائدة أعلى لفترة أطول. في هذا السيناريو تبقى العوائد الطويلة مرتفعة نسبياً، ويواصل الذهب الاحتفاظ بجزء من مكاسبه.
سيناريو ضغوط مالية أوضح: إذا اتسعت فجوات العجز أو واجهت المزادات السيادية طلباً أضعف، قد ترتفع العوائد أكثر مع توسّع الفوارق، وفي المقابل تتعزّز حجة الذهب كتحوّط.
سيناريو تيسير أسرع من المتوقع: تباطؤ حاد في البيانات قد يدفع البنوك المركزية إلى تيسير أسرع، ما يخفّض العوائد ويخلق موجة ارتداد في السندات، فيما يستفيد الذهب من جانب الدولار ومزيج التيسير.
ما معنى ارتفاع عوائد السندات البريطانية والفرنسية لأجل 30 عاماً إلى قمم عقدية؟
يعني أن المستثمرين يطلبون عوائد أعلى للاحتفاظ بالديون الحكومية طويلة الأجل، سواء لتعويض مخاطر التضخم المستمر، أو العجز المرتفع، أو كثافة الإصدارات. هذا يرفع تكلفة الاقتراض للحكومات والشركات وقد يضغط على تقييمات الأصول طويلة الأجل.
كيف يمكن أن يؤثر ذلك على المستهلكين والشركات؟
ترتفع تكاليف التمويل للرهون العقارية طويلة الأجل والقروض الاستثمارية، ما قد يبطئ الاستثمار والإنفاق الرأسمالي. كما قد تتراجع شهية المخاطرة في الأسهم سلباً إذا استمر صعود العوائد.
لماذا صعد الذهب رغم العوائد المرتفعة؟
مع تنامي القلق المالي والسياسي، يتقدّم عامل الملاذ الآمن، وتتدفّق السيولة إلى الذهب حتى عندما ترتفع العوائد، خصوصاً إذا خشي المستثمرون من اتساع عجز أو تباطؤ نمو عالمي.
هل الوقت مناسب لزيادة الانكشاف على السندات الطويلة الآن؟
المخاطرة أعلى لأن الحساسية لأي صدمة كبيرة. يفضَّل النهج المرحلي مع تحوّط للمخاطر، وربما التركيز على آجال أقصر إلى متوسطة حتى تتضح الاتجاهات.
ما أهم البيانات التي قد تغيّر الصورة قريباً؟
قراءات نشاط الأعمال لهذا الأسبوع، إلى جانب أي إشارات من البنوك المركزية بشأن وتيرة التيسير وطبيعة برامج التمويل والإصدارات الحكومية.






















