فضيحة البريد البريطاني هزّ تقرير رسمي حديث الرأي العام البريطاني، كاشفًا الستار عن واحدة من أكبر الفضائح القضائية والإدارية في تاريخ المملكة المتحدة، حيث انتحر 13 موظف بريد بريطانيا بعد إدانتهم ظلمًا استنادًا إلى بيانات خاطئة ناتجة عن خلل في نظام محاسبي إلكتروني يُعرف باسم “هورايزون”، والذي استخدمته شركة البريد الملكي على مدار سنوات طويلة.
استحواذ Royal Gold على Sandstorm Gold في صفقة تبادل أسهم بقيمة 3.5 مليار دولار
مأساة بشرية خلف أرقام تقنية
بين عامي 1999 و2015، واجه ما يقرب من 1,000 موظف في البريد البريطاني تهمًا جنائية تتعلق بالسرقة والاحتيال والمحاسبة الزائفة. هذه التهم بُنيت على بيانات خاطئة ولّدها نظام “هورايزون”، ما أدى إلى محاكمات وسجن بعض الموظفين، بينما خسر آخرون منازلهم ووظائفهم، واضطر بعضهم إلى الإفلاس.
ووفقًا لتقرير اللجنة العامة للتحقيق، والتي يترأسها القاضي المتقاعد وين ويليامز، فإن 13 من المدانين أقدموا على الانتحار نتيجة شعورهم العميق بالذنب والانهيار النفسي إثر الإدانة الجائرة. التقرير الذي صدر يوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 وصف ما جرى بأنه “إجهاض عدالة منهجي وكارثي“.
الخلل التقني: الجاني الحقيقي
المصدر الرئيسي لهذه الكارثة كان نظام Horizon، الذي طورته شركة Fujitsu اليابانية واعتمدته شركة البريد البريطاني لإدارة حسابات مكاتب البريد بشكل مركزي. لكن هذا النظام عانى من أخطاء مدمّرة في عرض البيانات، حيث كان يظهر عجزًا ماليًا وهميًا في حسابات بعض الفروع، مما أدى إلى اتهام الموظفين بالسرقة دون أدلة حقيقية.
سنوات من الإنكار والصمت المؤسسي
رغم ظهور شكاوى متكررة من مديري الفروع حول خلل في النظام المحاسبي، ظلت الإدارة المركزية للبريد البريطاني مصرة على صحة بيانات Horizon. بل قامت بملاحقة الموظفين قانونيًا بناءً على هذه البيانات، وتجاهلت التحذيرات والاعتراضات المتكررة، ما ساهم في ترسيخ معاناة إنسانية ونفسية عميقة طالت مئات العائلات.
الوعي العام بتفاصيل الكارثة لم يبدأ إلا بعد عرض مسلسل وثائقي درامي على التلفزيون البريطاني العام الماضي، كشف بأدلة حقيقية حجم الظلم الذي تعرّض له الموظفون، ما أثار حملة تضامن شعبية كبيرة وأعاد فتح التحقيقات بشكل رسمي.
شهادات مؤلمة وردود أفعال غاضبة
قالت جو هاميلتون، وهي إحدى المدانات سابقًا في القضية:
“لقد دمّروا حياتنا. قضينا سنوات نحاول إقناعهم بأننا أبرياء، لكنهم لم يسمعوا لنا. هذا التقرير هو بداية الاعتراف فقط، وليس نهاية الألم.”
من جانبه، اعترف نايجل رايلتون، رئيس مجلس إدارة البريد، بأن ما حدث كان خطأ جسيمًا، قائلًا:
“لم نصغِ لموظفينا، وتركناهم يواجهون الجحيم وحدهم… تأخّرنا كثيرًا في تبرئتهم وتعويضهم.”
الحكومة تتحرك بعد فوات الأوان
بعد تصاعد الضغط الشعبي والإعلامي، أقرّت الحكومة البريطانية قانونًا خاصًا يهدف إلى:
- إلغاء الإدانات الجماعية غير العادلة
- تقديم تعويضات مالية للمتضررين
- فتح تحقيقات جنائية محتملة ضد الأطراف المتسببة
ويُنتظر أن تصدر لجنة التحقيق تقارير تفصيلية إضافية في الأشهر المقبلة، خاصة وأن اللجنة باتت تملك صلاحيات قانونية موسعة للحصول على كافة الأدلة.
كارثة تتجاوز الأرقام
ما يجعل هذه القضية مروّعة بحق، ليس فقط عدد الضحايا، بل الطريقة التي تحوّلت بها الأنظمة التقنية من أدوات تسهيل إلى أدوات إدانة، حين غابت الرقابة، وغُيّبت أصوات الأبرياء، وسُحقت حياتهم تحت سلطة الخوارزميات والبيروقراطية.
ورغم محاولات التصحيح الجارية الآن، إلا أن جراح الأرواح المفقودة لن تندمل بالتعويضات وحدها، وستظل هذه الفضيحة نقطة سوداء في سجل العدالة البريطانية الحديث.
إخلاء مسؤولية
المحتوى أعلاه يُقدم لأغراض إعلامية فقط. لا تتحمل شركة جولد إيجلز أي مسؤولية عن أي قرارات قانونية أو سياسية يتم اتخاذها استنادًا إلى هذا التقرير.






















