قمة شنغهاي للتعاون 2025.. هل تنجح الصين في تشكيل نظام عالمي جديد؟
ما الذي أرادت بكين قوله من تيانجين؟
في كلمته الافتتاحية، أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى تصاعد تحديات تتراوح بين التنافس الجيوسياسي ومخاطر “التنمر” الاقتصادي، مؤكدًا أن العالم دخل “مرحلة جديدة من الاضطراب”. دعا شي إلى إطار حوكمة أكثر عدلًا وتوازنًا، وهو خطاب ينسجم مع مسعى الصين لإبراز قمة شنغهاي للتعاون 2025 كوعاء تعاوني يتجاوز الاستقطاب الثنائي التقليدي بين الشرق والغرب.
هذا الخطاب لا ينفصل عن التطورات التجارية والتكنولوجية خلال السنوات الماضية. فالصين تتعامل مع تقييدات على سلاسل التوريد والتكنولوجيا المتقدمة، وفي المقابل تحاول هندسة شبكات تمويل وتجارة تُخفف من قابلية التعرض للصدمات، وتُعطي للدول النامية هامش مناورة أوسع.
تحسُّن حذر في علاقات الهند والصين
عقد شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أول لقاء بينهما داخل الصين منذ سبع سنوات. الرسالة المُعلنة كانت الانتقال من منطق “المنافسة” إلى “الشراكة”، مع تعهّد بالعمل على معالجة النزاع الحدودي الطويل بين البلدين. هذه خطوة رمزية تعني الكثير داخل فضاء منظمة شنغهاي، لكنها في الوقت نفسه لا تُنهي الحذر الهندي من تدفق الواردات الصينية الرخيصة أو تعقيد العلاقة المثلثة التي تشمل باكستان.
إذا ترجم التقارب إلى خطوات عملية، فقد نشهد توسيع قنوات التنسيق في الطاقة واللوجستيات والتكنولوجيا القياسية. أما إذا بقي على المستوى البروتوكولي، فستظل المنافسة الصناعية وقضايا الأمن الحدودي عنصرَي كبح رئيسيين أمام أي تحول استراتيجي كبير.
لقاء شي ومودي وبوتين: صورة جماعية ورسائل متعددة
المشهد الذي جمع شي ومودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة حمل بعدًا رمزيًا واضحًا. واشنطن تتهم نيودلهي وبكين بدعم موسكو في حربها على أوكرانيا، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى استمالة الهند كقوة موازنة للصين. في المقابل، ترى موسكو في منظمة شنغهاي منصة نادرة تُخرجها من زاوية الدفاع، وتؤكد استمرار علاقاتها مع شركاء آسيويين نافذين رغم العقوبات.
إشارة مودي إلى أن الهند وروسيا “وقفتا جنبًا إلى جنب حتى في الأوقات الصعبة”، وتبادل المجاملات مع بوتين، تُظهر أن قمة شنغهاي للتعاون 2025 أتاحت للهند مساحة براغماتية للموازنة بين شراكاتها الغربية ومصالحها الشرقية. بالنسبة للصين، فإن تجمع القادة الثلاثة يُعزز صورتها كـ“شريك بديل” قادر على جمع خصوم الأمس في إطار نفعي جديد.
خارطة طريق للذكاء الاصطناعي: من المبادئ إلى التطبيقات
تضمّن إعلان تيانجين التزامًا بتعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي مع التأكيد على “حقوق متساوية لجميع الدول في تطويره واستخدامه”. سبق ذلك طرح رئيس الوزراء لي تشيانغ في مؤتمر شنغهاي فكرة تأسيس منظمة تُنسق الجهود العالمية لتنظيم التكنولوجيا المتسارعة. وأكدت وثائق القمة التعاون لتقليل المخاطر وتعزيز أمن الذكاء الاصطناعي ومساءلته، وتنفيذ خارطة طريق للتطوير المشترك.
تطمح بكين إلى بناء مركز تعاون لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع دعم النماذج مفتوحة المصدر وتبادل التقنيات. النجاح هنا سيتوقف على معايير حوكمة تتسق مع الخصوصيات الوطنية للدول الأعضاء، وعلى قدرة المنظومة على تجنب “تجزئة معيارية” تجعل الحلول التقنية غير قابلة للتشغيل البيني عبر الحدود.
بنك تنمية جديد وتقليل الاعتماد على الدولار
اتفق بعض الأعضاء على المضي في إنشاء بنك تنمية للمنظمة كخطوة نحو نظام دفع بديل يُخفّض الاعتماد على الدولار. تمتلك الصين خبرة تشغيلية في بنوك متعددة الأطراف مثل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي، وتعرض في الوقت نفسه حزم دعم مالي للدول الأعضاء تتوزع بين منح وقروض ميسّرة.
إذا أُطلق البنك بولاية واضحة وممارسات شفافة، فقد يكون أداة لتمويل مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود وربط الأسواق، مع توفير خيارات تحوّط مالي أمام تقلبات العملة الأميركية. لكن أي محاولة لتوسيع المقاصة بعملات محلية تتطلب بنية تسويات قوية، وإطارًا قانونيًا يحمي الدائنين والمستثمرين، وقدرًا من الثقة المتبادلة في استقرار السياسات الكلية.
هل تقترب الصين فعلًا من تشكيل نظام عالمي جديد؟
حتى مع الزخم السياسي الذي أظهرته قمة شنغهاي للتعاون 2025، يبقى الأمر رهين التنفيذ. بناء “نظام عالمي جديد” ليس حدثًا واحدًا بل عملية طويلة تقيسها الأسواق بميزان التفاصيل: هل ستتسع شبكة المدفوعات البديلة؟ هل ستنتقل مبادئ الذكاء الاصطناعي إلى معايير قابلة للتطبيق؟ وهل سيجري تحييد النزاعات الحدودية بما يسمح بتكامل اقتصادي أعمق؟
يُحسب لبكين أنها تربط بين روافع القوة الصلبة والناعمة: دبلوماسية القمم، تمويل البنية التحتية، حواضن التكنولوجيا، وخطاب حوكمة يستقطب الاقتصادات الناشئة. لكن العقبة الأهم تكمن في التفاوت بين مصالح الدول الأعضاء، وحرص كل عاصمة على عدم الارتهان لمحور واحد، إضافة إلى رد فعل القوى الغربية التي قد تُصعّد القيود التجارية أو التقنية.
انعكاسات اقتصادية محتملة على المدى القريب
على الأسواق الناشئة
إذا تحرك بنك التنمية المقترح سريعًا، قد نشهد تمويلًا لمشاريع لوجستية وطاقة ترفع كفاءة التجارة بين أعضاء المنظمة. ذلك قد يترجم إلى خفض تكاليف الشحن وزيادة موثوقية سلاسل الإمداد، مع تحسّن نسبي في تدفقات الاستثمار نحو دول “الهامش اللوجستي”.
على سلاسل التوريد التقنية
خارطة طريق الذكاء الاصطناعي تُشير إلى إمكانات تعاون في المكونات والبيانات والمعايير. غير أن حساسيات الأمن السيبراني وحماية البيانات قد تُبطئ الانتقال من مذكرات التفاهم إلى منصّات إنتاج فعلية، ما لم تُعالج فجوات الثقة عبر أطر رقابية شفافة.
على النظام النقدي
تقليل الاعتماد على الدولار هدف جذاب للدول التي تتأثر دوراتها المالية بتقلبات السياسة النقدية الأميركية. لكن استدامة أي مسار بديل تتطلب عمقًا في أسواق السندات المحلية، ومصداقية سياسات سعر الصرف، وتوافر أدوات تحوّط متطورة. دون ذلك، قد يبقى الاستخدام العابر للعملات المحلية محدودًا جغرافيًا وقطاعيًا.
الهند بين براغماتية مزدوجة وضغوط صناعية
نيودلهي تُوازن بين شراكاتها الغربية وحاجتها إلى أسواق ومشاريع تمويل آسيوية. انفتاحها الحذر تجاه بكين يُغذّيه واقع صناعي حساس: حماية سلاسل القيمة المحلية من الواردات الرخيصة، وتوسيع قاعدة التكنولوجيا الوطنية دون الوقوع في فخ الاعتماد التقني. لذا قد تنتهج الهند “تعاونًا انتقائيًا” يتقدم في البنية التحتية والطاقات النظيفة، ويتريّث في الملفات الأكثر سيادية.
الصين ورسالة “الشراكة البديلة”
من خلال صور المصافحات والبيانات المشتركة، سعت بكين إلى تثبيت سردية مفادها أن ثمة مسارًا واقعيًا خارج الاستقطاب، وأن قمة شنغهاي للتعاون 2025 ليست تكتلًا ضد أحد بقدر ما هي منصّة لإدارة المصالح المشتركة. نجاح هذه السردية يعتمد على أن يرى الشركاء مكاسب ملموسة تتجاوز البيان الختامي: تمويل يصل في الوقت المناسب، ومشاريع تُنجز ضمن الجداول، ومعايير تقنية لا تُقصي أحدًا.
ماذا نراقب في الأسابيع المقبلة؟
أولًا، أي إعلان تفصيلي حول الإطار القانوني والحوكمي لبنك التنمية المقترح، ومسارات تسوية المدفوعات بين الأعضاء. ثانيًا، جدول زمني لتنفيذ خارطة طريق الذكاء الاصطناعي، مع تحديد آليات مشاركة البيانات والاختبارات المعيارية وأُطر المساءلة. ثالثًا، أي إجراءات عملية تخفف التوتر الحدودي بين الهند والصين وتُوسّع قنوات التعاون العملي في التجارة والاستثمار.






















