صندوق النقد الدولي: المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي العالمي لا تزال مرتفعة رغم هدوء الأسواق
يحذّر صندوق النقد الدولي من أن الاستقرار المالي العالمي ظاهريّ أكثر منه حقيقي، إذ ما تزال المخاطر مرتفعة تحت السطح: تقييمات أصول فوق قيمها الأساسية، عجز مالي متزايد، وضغوط هيكلية في أسواق العملات، مع ترابط متعمّق بين البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية.
ملخص التقرير: «أرض متحركة تحت سطح هادئ»
يرصد التقرير نصف السنوي للاستقرار المالي العالمي ثلاث طبقات مترابطة من المخاطر: أولاً، تضخم أسعار الأصول الخطرة فوق الأسس الاقتصادية؛ ثانيًا، اتساع فجوات العجز والدين العام وما يصاحبه من ارتفاع تكاليف الاقتراض؛ وثالثًا، نمو المؤسسات المالية غير المصرفية وتغلغلها في شبكات التمويل عبر الحدود بما يزيد مخاطر العدوى.
تقييمات الأصول: أين تبدأ الهشاشة؟
تدل مقاييس السعر-إلى-الأرباح المعدلة دوريًا، وهوامش الائتمان في السندات عالية العائد، ومؤشرات أسعار العقار في المدن الكبرى على أن شهية المخاطر تجاوزت ما تسمح به الأسس الاقتصادية في عدة أسواق. هذا الارتفاع يُبنى على توقعات تخفيف نقدي مطوّل وتدفّقات سيولة وفيرة، لكنه يجعل مسار الأسعار هشًا أمام مفاجآت في التضخم أو المسار المستقبلي للفائدة.
لماذا «الهدوء» خادع؟
في فترات التقلب المنخفض، تميل النماذج إلى تسعير المخاطر بشكل أقل من واقعها، ما يخفّض هوامش الأمان. أي صدمة—مثل تشديد مفاجئ للأوضاع المالية أو تصاعد جيوسياسي—قد تدفع المستثمرين إلى إعادة تسعير سريعة، فتتسع الفوارق الائتمانية وتتعرض الأسهم والعقارات لضغوط بيع متزامنة.
الديون السيادية وأسواق السندات: العائد «سلاح ذو حدّين»
مع بلوغ الدين العام مستويات تاريخية في اقتصادات كبرى، يتزايد اعتماد الموازنات على أسواق الدين لتدوير الاستحقاقات وتمويل العجز. ارتفاع العوائد يحسّن جاذبية السندات للمستثمرين، لكنه يرفع فاتورة خدمة الدين ويضغط على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، ما قد يضعف آفاق النمو ويزيد حساسية المالية العامة للدورات الاقتصادية.
انعكاسات على القطاع الخاص
ارتفاع العوائد الأساسية ينتقل إلى الشركات والأسر عبر قنوات سعر الفائدة والائتمان، فيرتفع هامش التمويل وتتقلص شهية المخاطرة المصرفية. الشركات ذات الرفع المالي المرتفع واستحقاقات الدين القريبة أكثر عرضة لإعادة التسعير، وقد تُضطر لتقليص الاستثمار أو بيع أصول.
أسواق الصرف الأجنبي: ضغوط هيكلية تتجاوز السيولة
رغم أن أسواق العملات الأضخم والأكثر سيولة، إلا أن التقرير يشير إلى مواطن ضعف: تركّز السيولة في ساعات محددة ومنصّات بعينها، تفاوت عمق دفتر الأوامر في الأزواج الثانوية، وتزايد الاعتماد على تمويل قصير الأجل بالدولار. هذه العوامل قد تؤدي إلى اتساع هوامش التسعير النقدوارتفاع تكاليف التحوّط، ما ينعكس على باقي فئات الأصول وتشديد الأوضاع المالية عبر القنوات العالمية.
ماذا عن الدولار والعملات الآسيوية؟
أي تبدّل حاد في تكلفة التمويل بالدولار أو في توقعات الفائدة الأميركية يحرّك تدفقات واسعة عبر العملات، خصوصًا في الاقتصادات التي تعتمد شركاتها على ديون مقومة بالدولار. هذا يزيد المخاطر على الميزانيات العمومية مع ارتفاع سعر الصرف المحلي للالتزامات الخارجية.
المؤسسات المالية غير المصرفية: نصف الأصول ونصف التداول
يشير الصندوق إلى أن صناديق الاستثمار وشركات التأمين وصناديق التحوّط باتت تستحوذ على نحو نصف الأصول المالية عالميًا وتشارك بنصف أحجام التداول اليومية في سوق الصرف الأجنبي. ورغم دورها في تنويع التمويل وتوزيع المخاطر، فإن الترابط الوثيق بينها وبين البنوك—عبر خطوط الائتمان، الضمانات، والمشتقات—يجعل النظام عرضة لانتقال الصدمات.
قناة العدوى إلى البنوك
انخفاض مفاجئ في تقييمات محافظ هذه المؤسسات أو خفض تصنيفاتها قد يفرض عليها بيع أصول سريع، ما يوسّع فروق الائتمان ويضغط على رسملة البنوك، خاصة الأوروبية ذات الانكشافات المتبادلة. لذلك يوصي الصندوق بتعزيز الإفصاح، اختبارات ضغط عابرة للقطاعات، وتحسين أدوات إدارة السيولة في الصناديق المفتوحة.
الأسواق الصاعدة: تفاوت المرونة ومخاطر العملة
بعض الاقتصادات الناشئة حسّن متانة أنظمته عبر تعميق أسواق الدين المحلية، توسيع قاعدة المستثمرين المحليين، وإطالة آجال الاستحقاق. بالمقابل، لا تزال اقتصادات أخرى تعتمد على تمويل خارجي قصير الأجل وديون مقومة بعملات أجنبية، ما يضاعف حساسيتها لصدمات الفائدة وتبدّلات ثقة المستثمرين.
سياسات لتقوية الصمود
يشمل ذلك تعزيز مصداقية الأطر النقدية، إدارة نشطة للدَّين العام، أدوات احترازية كلية تستهدف مواطن الرفع المالي، وبناء احتياطيات من العملات الأجنبية لتخفيف مخاطر التوقف المفاجئ في التدفقات.
التوصيات: استقلالية نقدية، انضباط مالي، ورقابة أوسع
يشدد صندوق النقد على الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية لخفض التضخم إلى المستهدفات دون ضغوط سياسية، وعلى مواءمة مسارات ضبط العجز لتفادي تشديد مالي يضر بالنمو. رقابيًا، يدعو إلى التنفيذ الكامل لمعايير بازل 3، تغطية فجوات الإطار التنظيمي للمؤسسات غير المصرفية، وتنظيم العملات الرقمية المستقرة وفق اختبارات متانة وسيولة صارمة.
التهديدات السيبرانية: خط دفاع رقمي
تزايد الاعتماد على البنية التحتية الرقمية يجعل الاستقرار المالي رهينة مرونة الأنظمة في مواجهة الهجمات. المطلوب استثمارات في الأمن السيبراني، خطط استمرارية الأعمال، وتمارين محاكاة مشتركة بين بنوك ومقاصّات ومنصات تداول.
- ما أبرز المخاطر التي أشار إليها صندوق النقد الدولي؟
- ارتفاع تقييمات الأصول، اتساع العجز المالي، الضغوط في أسواق العملات، وترابط المؤسسات غير المصرفية مع البنوك.
- لماذا يُعدّ هدوء الأسواق «خادعًا»؟
- لأنه يخفي هشاشة عميقة في التسعير والتمويل والرفع المالي، ما يزيد احتمال التصحيحات الحادة عند الصدمات.
- ما السياسات الموصى بها لتقليص المخاطر؟
- استقلالية البنوك المركزية، ضبط العجز، تنفيذ بازل 3، تنظيم العملات المستقرة، اختبارات ضغط عابرة للقطاعات، وتعزيز الأمن السيبراني.
- كيف تبدو مخاطر الأسواق الصاعدة؟
- متباينة: من دول عززت مرونتها بالتمويل المحلي، إلى أخرى معرضة لتقلبات الفائدة وتبدّل التدفقات بسبب الديون الأجنبية القصيرة الأجل.






















