ترامب يلوّح بتغيير رئيس الفيدرالي… فهل تُكتب بداية جديدة لسياسة الفيدرالي الأمريكي؟
في صمتٍ يسبق العاصفة، تتحرك الأسواق العالمية كما لو أنها تستشرف حدثًا سياسيًا عميق التأثير: نهاية عهد جيروم باول، وبداية فصل جديد قد يكتبه دونالد ترامب بنفسه على صفحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي. يترقب العالم تأثيرات سياسة الفيدرالي الأمريكي المحتملة.
لكن خلف لغة الأرقام، وجداول الفائدة، هناك قصة أوسع… قصة عن القوة، والتأثير، وصراع خفي على مستقبل الاقتصاد الأميركي والعالمي، وكيفية رسم سياسة الفيدرالي الأمريكي الجديدة في هذا السياق.
بين واشنطن ووول ستريت… من يقود من؟
قبل أيام، أعلنت لجنة السياسة النقدية في الفيدرالي الأميركي توقعاتها: ثلاث خفضات للفائدة حتى نهاية 2026. لكن السوق، بطبيعتها المترقبة، لم تقتنع.
الأسعار ارتفعت، والعوائد هبطت، والمتداولون راهنوا على خفضٍ أكبر – ليس فقط لأنهم يرون ضعفًا اقتصاديًا، بل لأنهم يترقبون حدثًا سياسيًا: ترامب سيغيّر قائد اللعبة، مما سيؤثر حتمًا على سياسة الفيدرالي الأمريكي.
جيروم باول، الذي عُيّن في عهد ترامب، تحول اليوم إلى “عقبة” في نظر الرئيس السابق، الذي عاد بمواقف أكثر حدّة، وأكثر وضوحًا: نريد رئيسًا للفيدرالي أكثر طواعية، أكثر مرونة، وربما… أكثر قربًا من البيت الأبيض.
أسعار النفط اليوم تتجه لأكبر خسارة أسبوعية
الأسواق لا تحب الفراغ… فماذا لو تحوّل التلميح إلى قرار؟
في التداولات الأخيرة، بدأت الأسواق تُسعّر المستقبل كأن القرار قد اتُخذ فعليًا. الاحتمالات تتجه نحو تعيين شخصية أكثر تقبلًا لفكرة خفض الفائدة، شخصية ترى في التضخم عارضًا لا هيكلًا، وفي النمو هدفًا أولًا ضمن سياسة الفيدرالي الأمريكي المُعدلة.
لكن في ظل هذا التفاؤل، تُطرح تساؤلات إنسانية لا يلتفت إليها كثيرون:
ماذا عن المواطن العادي؟
ماذا عن صاحب القرض العقاري الذي يخشى ارتفاع القسط؟
وماذا عن الاقتصاديات الصغيرة التي تتنفس تحت سقف الدولار، وتترقب كل خطوة من الفيدرالي كما لو كانت تصدر من عندها؟
الأسواق العالمية تنتعش من جديد
الفيدرالي ليس مجرد مؤسسة… إنه ميزان ثقة
ربما لا يعرف كثير من الناس كيف تعمل آلية تحديد الفائدة، ولا يفهمون خرائط “النقاط” التي يصدرها الفيدرالي، لكنهم يشعرون بنتائجها:
– في سعر البنزين
– في أقساط الجامعات
– في أسعار الطعام
– في سعر صرف عملاتهم الوطنية مقابل الدولار
وحين تبدأ الأسواق في الشعور بأن الفيدرالي فقد استقلاليته، فإن الأمر لا يتعلق بالسياسة فقط… بل بالثقة.
والثقة – كما يقول الاقتصاديون – تُبنى على مدى طويل، وتنهار في لحظة. تظل سياسة الفيدرالي الأمريكي محورًا مهما لهذه الثقة.
ترامب… والعودة بأسلوب أكثر صخبًا
ترامب لا يراوغ.
في تصريحاته الأخيرة، وصف باول بـ”الرهيب”، وأعلن أنه يدرس أسماء عدة لخلافته، وأن القرار قد يصدر قبل نهاية أكتوبر. خطوة تحمل في طياتها دلالة رمزية:
“أنا من يقرر مستقبل السياسة النقدية، وليس البنك المركزي”.
من بين الأسماء المطروحة، يبرز “كريستوفر والر” و”كيفن وورش”، وكلاهما يملك رؤية تفضّل التيسير النقدي. الأول لا يرى في الرسوم الجمركية خطرًا تضخميًا كبيرًا، والثاني ينتقد توجه الفيدرالي الحالي ويتبنى مسارًا داعمًا للخفض السريع.
لكن مهما كانت الشخصية القادمة، فإنها لن تملك العصا السحرية. فالفيدرالي ليس فردًا، بل لجنة. ولهذا السبب تحديدًا، ترى بعض الأصوات أن التعويل المفرط على تغيير القيادة قد يكون وهمًا أكثر منه واقعًا.
من يكتب السيناريو الآن؟ الأسواق أم السياسة؟
لا يمكن إنكار أن الأسواق اليوم تقود المشهد، وكأنها تكتب سيناريو المستقبل مسبقًا: خفض فائدة، مرونة نقدية، دعم للنمو.
لكن التاريخ يعلّمنا أن الرهانات الزائدة قد تكون خادعة، وأن السياسة – خصوصًا حين تتدخل في البنك المركزي – نادرًا ما تكون بلا ثمن.
وفي وسط هذا التوتر، هناك رسالة صامتة تُرسلها الأسواق إلى صانعي القرار:
“نحن نثق في الفيدرالي… فلا تجعلوه أداة سياسية”. سياسة الفيدرالي الأمريكي يجب أن تبقى مستقلة لضمان الثقة.
نهاية باول… أم بداية عهد جديد بالكامل؟
سواء أُعلن التغيير اليوم أم بعد شهور، فإن باول الذي قاد الفيدرالي خلال جائحة كورونا، وأمام أشرس موجات التضخم منذ الثمانينيات، يوشك أن يُغادر المشهد.
لكن السؤال الحقيقي ليس: من يأتي بعده؟
بل: هل من سيأتي سيحافظ على حياد الفيدرالي؟
أم أننا على أعتاب عهد تُكتب فيه السياسة النقدية من داخل الحملات الانتخابية، لا قاعات الاجتماعات الاقتصادية؟
في نهاية اليوم، سيظل المواطن الأميركي، والعربي، والعالمي، يراقب هذا التغيير بعين مترقبة.
لأن ما يحدث في مقر الفيدرالي الأميركي في واشنطن، لا يبقى في واشنطن… بل يعيد تشكيل الأسواق، والفرص، والأحلام… حول العالم، تحت تأثير سياسة الفيدرالي الأمريكي.






















