سويسرا ترفض التصعيد ضد الرسوم الجمركية الأميركية وتراهن على الحوار الاقتصادي
في خطوة تعكس تمسكها بسياسة الحياد والحوار، أعلنت الحكومة السويسرية اليوم الخميس 7 أغسطس 2025 أنها لن تتخذ إجراءات مضادة للرد على الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضت مؤخرًا بنسبة تصل إلى 39% على صادراتها، والتي تؤثر على نحو 60% من المنتجات السويسرية المتجهة إلى السوق الأميركي.
وأكد المجلس الاتحادي السويسري أن بلاده ستتبنى نهجًا أكثر توازنًا يركز على دعم الشركات المتضررة داخليًا، عوضًا عن التصعيد أو الدخول في حرب تجارية مفتوحة مع واشنطن، في وقت يتصاعد فيه التوتر التجاري العالمي وتلوح تداعياته على اقتصادات أوروبا.
الحكومة السويسرية: الأولوية لحماية الاقتصاد لا التصعيد
قالت الحكومة الفدرالية السويسرية، في بيان رسمي، إنها ستعمل على تقديم حوافز جديدة للشركات المصدرة، إلى جانب فتح أسواق بديلة لتعويض الخسائر المحتملة من السوق الأميركي. وأكدت أن التصعيد لن يكون في مصلحة الاقتصاد السويسري، وأن الدبلوماسية تظل الخيار الأمثل في التعامل مع النزاعات التجارية.
وأضاف البيان: “سويسرا تؤمن بالتجارة الحرة والتفاوض المتبادل. سنتخذ خطوات عملية لحماية اقتصادنا من آثار الرسوم دون المساس بعلاقاتنا الاستراتيجية.”
صناعات استراتيجية في مهب الريح
الرسوم الجمركية الأميركية طالت قطاعات محورية في الاقتصاد السويسري، أبرزها صناعة الساعات، والآلات الدقيقة، والمعدات الطبية، وهي صناعات تشتهر بها سويسرا عالميًا وتشكل نسبة كبيرة من صادراتها السنوية.
ويخشى مراقبون أن تتأثر هذه الصناعات بتراجع تنافسيتها في السوق الأميركي، ما قد يؤدي إلى تقليص الإنتاج وتسريح العمالة في حال استمرار الوضع دون حلول قريبة.
الرئيسة السويسرية: لن نتراجع عن صفقات الدفاع رغم التوترات
من جانبها، أكدت الرئيسة السويسرية كارين كيلر-سوتر، في تصريح صحفي، أن بلادها لا تزال ملتزمة بصفقة شراء مقاتلات “إف-35” الأميركية ونظام الدفاع الجوي “باتريوت”، رغم القيود الجمركية المفروضة من واشنطن.
وقالت: “أكد المجلس الاتحادي مرارًا أن الدفاع الجوي ليس محل مساومة. تمسكنا بصفقة الـ F-35 نابع من مسؤوليتنا في حماية أمن البلاد، وليس مرتبطًا بالخلافات التجارية.”
وكانت كيلر-سوتر قد عادت مؤخرًا من زيارة رسمية للولايات المتحدة حاولت خلالها التفاوض على تخفيف الرسوم، لكنها لم تحقق نتائج ملموسة، ما دفع الحكومة للتركيز على الخيارات الداخلية لحماية الاقتصاد الوطني.
توقعات تباطؤ النمو وتحركات حكومية مرتقبة
توقعت الحكومة السويسرية أن يشهد الاقتصاد الوطني تباطؤًا واضحًا نتيجة القيود التجارية الأميركية، مرجحة أن ينخفض معدل النمو إلى 0.8% هذا العام، على أن يتراوح بين 0.5% و1% خلال 2026.
ورغم هذه المؤشرات، استبعدت الحكومة حدوث أزمة اقتصادية حادة أو انكماش يتجاوز 2% في الناتج المحلي، مؤكدة أن البلاد لا تزال في منطقة الأمان الاقتصادي، لكنها بحاجة لتدابير وقائية عاجلة.
الخبراء: الرسوم الجمركية الأميركية قد تُشعل موجة توترات أوروبية
أعرب خبراء اقتصاديون عن قلقهم من أن تؤدي هذه السياسات الحمائية إلى تصعيد أوسع بين الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، ما قد يُعقّد المشهد التجاري العالمي.
في المقابل، يرون أن موقف سويسرا يشكل نموذجًا دبلوماسيًا يُحتذى به، خاصة في ظل الدعوات المتزايدة للتهدئة وتغليب لغة المصالح المشتركة على المواجهة.
هل تصمد سويسرا أمام ضغوط الرسوم الأميركية؟
مع استمرار التوترات التجارية، تطرح الأوساط الاقتصادية تساؤلات جوهرية حول قدرة سويسرا على الصمود أمام الرسوم الجمركية الأميركية، خاصة مع اعتمادها الكبير على التصدير إلى السوق الأميركي.
يرى محللون أن الموقف السويسري الحالي يوازن بين الحكمة والواقعية، لكن استمرار الضغط قد يدفع الحكومة لاتخاذ إجراءات مضادة مستقبلًا، ولو بشكل انتقائي. كما يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة توجها لتوسيع الشراكات التجارية مع أسواق جديدة مثل آسيا والخليج لتعويض الاعتماد على السوق الأميركي.
وفي الوقت نفسه، يُتوقع أن تبدأ الحكومة في تنفيذ حزم دعم مباشرة، تشمل إعفاءات ضريبية، وتسهيلات تمويلية، وتحفيز الاستثمار الداخلي لتخفيف آثار النزاع التجاري.
أما من الناحية السياسية، فإن الرهان يبقى على نجاح الدبلوماسية السويسرية في إقناع الإدارة الأميركية بإعادة النظر في هذه الرسوم، خصوصًا في ظل العلاقات التاريخية المتينة بين البلدين.
وإن فشلت تلك المساعي، فإن خيارات الرد تبقى مطروحة، لكن بأسلوب “هادئ وانتقائي”، كما تصفه دوائر صنع القرار في برن، للحفاظ على مكانة سويسرا كشريك اقتصادي موثوق ومتزن.
تنويه: هذا المقال لأغراض إخبارية وتحليلية فقط. لا تتحمل شركة جولد إيجلز أي مسؤولية عن أي قرارات استثمارية أو اقتصادية تُتخذ بناءً على المعلومات الواردة فيه.






















