سعر الذهب يواصل الصعود قرب مستويات قياسية وسط تصاعد التوتر التجاري بين أميركا والصين
لماذا يرتفع سعر الذهب الآن؟
تقترن موجة الصعود الحالية بثلاثة محفّزات بارزة. أولًا، عودة المخاطر الجيوسياسية والتجارية إلى الواجهة مع شدّ الحبال بين واشنطن وبكين، ما يدفع المتعاملين إلى التحوّط عبر الأصول الدفاعية. ثانيًا، تزايد إشارات مجلس الاحتياطي الفدرالي نحو دورة تيسير نقدي ممتدة نسبيًا، مع لهجة حذرة تربط قرارات الفائدة ببيانات كل اجتماع على حدة. ثالثًا، استمرار البنوك المركزية—لا سيما في الاقتصادات الناشئة—في تنويع احتياطاتها باتجاه الذهب، بما يضيف طلبًا هيكليًا داعمًا للأسعار.
تصريحات الفدرالي الأميركي وتوازن «التضخم–الوظائف»
أشار رئيس الفدرالي جيروم باول إلى أن سوق العمل لا تزال ضعيفة نسبيًا، مع بقاء التضخم فوق المستهدف. هذه الإشارات تُفهم سوقيًا على أنها تبرّر مساحة إضافية لخفض الفائدة، خصوصًا إذا استمرت التحدّيات الدورية وتباطأ النمو. عمليًا، كل خفض بمقدار 25 نقطة أساس يُعيد تسعير الأصول الحسّاسة لسعر الخصم، ويعظّم جاذبية الذهب الذي لا يدرّ عائدًا لكنه يستفيد من كلفة تمويل أقل ومن تراجع العوائد الحقيقية.
الدولار والعوائد الحقيقية: محركان لا يمكن تجاهلهما
عادةً ما يتحرّك سعر الذهب عكسيًا مع قوة الدولار والعوائد الحقيقية للسندات. تراجع الدولار يجعل الذهب أرخص لحائزي العملات الأخرى، فيما تُخفض العوائد الحقيقية المنخفضة تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن. ومع تزايد الرهان على خفض الفائدة وتهدئة مسار التقليص الكمي، يصبح مسار العوائد الحقيقية أكثر ميلًا للهبوط، وهو ما ينعكس دعمًا مستمرًا للأسعار.
التوتر التجاري الأميركي–الصيني وتداعيات «الملاذية»
تصاعد لهجة التوتر بين أكبر اقتصادين عالميين—بما في ذلك بحث واشنطن تقليص بعض العلاقات التجارية وبدء فرض رسوم موانئ متبادلة—يزيد من احتمالات اضطراب سلاسل التوريد، ويضغط على شهية المخاطرة. في هكذا بيئة، تبرز الملاذية بوصفها سلوكًا جماعيًا منطقيًا، حيث ترتفع حصة الذهب في المحافظ متوسطة المخاطر، وتتعزّز التدفقات نحو صناديقه المتداولة.
مشتريات البنوك المركزية: الطلب «الذي لا يلين»
واصلت البنوك المركزية خلال العام الجاري إضافة الذهب إلى احتياطاتها بوتيرة لافتة، مستفيدةً من سيولته العميقة واستقلاليته عن مخاطر الطرف المقابل. هذا الطلب الرسمي، إلى جانب الطلب الاستثماري، يُشكّل قاعدة دعم هيكلية ويُحدّ من حِدّة جني الأرباح عند كل قمة جديدة.
تدفّقات الصناديق المتداولة (ETFs) وديناميات السوق
شهدت صناديق الذهب المتداولة موجات اشتراك صافية في الأسابيع الأخيرة مع تسارع الأخبار السلبية تجاريًا، ما ساعد على تثبيت السعر فوق مناطق اختراق مفصلية. هذه التدفقات تميل إلى «تضخيم» الاتجاه، إذ إن كل موجة شراء تضغط على السيولة الفورية وتغذّي حلقة القمم المتعاقبة.
سعر الذهب الفوري مقابل العقود الآجلة: أيهما يعكس الاتجاه؟
يعبّر السعر الفوري عن مزاج السوق اللحظي وحالة السيولة، فيما تعكس العقود الآجلة توقعات المشاركين لمسار السعر حتى موعد الاستحقاق، مضافًا إليها فروق التكاليف والتمويل. في الحالات الاعتيادية، يُتداول الذهب الآجل بعلاوة طفيفة (كونتانغو) نتيجة تكاليف التخزين والتمويل، لكن الاضطرابات قد تُحدث تشوّهات مؤقتة بين السوقين.
المضارب قصير الأجل والمستثمر متوسط الأجل: سلوكان مختلفان
المضاربون يعتمدون بدرجة أكبر على مستويات الدعم والمقاومة وحجم التداول والزوايا الفنية (مثل مناطق 4,150–4,200 كحزام تذبذب قريب)، بينما ينظر المستثمر متوسط الأجل إلى عوامل مثل وتيرة خفض الفائدة، وتطوّر النزاع التجاري، ومسار الدولار، ومؤشرات الطلب الرسمي. التقاء العوامل الأساسية مع الاختراقات الفنية غالبًا ما ينتج عنه موجات تسارع سريعة.
خلفية: العلاقة بين سعر الذهب والسياسات النقدية الأميركية
تاريخيًا، تتعزّز مكاسب الذهب عندما يخفّض الفدرالي الفائدة أو يرسّخ توقّعات التيسير. يحدث ذلك عبر قناتين: الأولى، خفض العوائد الحقيقية والتكلفة الافتراضية لحيازة أصل لا يوزّع أرباحًا؛ والثانية، أثر تراجُع الدولار على التسعير العالمي للذهب. بالمقابل، تُقابَل دورات التشديد النقدي عادةً بتراجعات مرحلية أو أداء أقل لمعانًا للمعدن، إذا رافقها ارتفاع حاد في العوائد الحقيقية.
مخاطر مقابلة: جني الأرباح وتحوّلات السرد
رغم البيئة الداعمة، تبقى احتمالات جني الأرباح قائمة عند مناطق القمم القياسية، خصوصًا إذا هدأت حدّة الأخبار السلبية تجاريًا أو فاجأت بيانات التضخم صعودًا بما يعيد تشديد السياسة مؤقتًا. كذلك، قد تُحدث إشارات «أكثر تشددًا» من الفدرالي انعطافة قصيرة الأجل في سعر الذهب، قبل أن تتضح الاتجاهات الأساسية مجددًا.
كيف يقرأ المتعاملون جدول الفيدرالي المنتظر؟
تُسعّر الأسواق على نطاق واسع خفضًا بواقع 25 نقطة أساس في الاجتماع القادم، مع احتمالية خفض مماثل في ديسمبر/كانون الأول. كل تثبيت أو تغيير في المسار يتردّد فورًا في منحنى العوائد، وينعكس بدوره على الذهب. لذا تبقى بيانات الوظائف والتضخم ومؤشرات النشاط موضع متابعة دقيقة لأنها تغيّر موازين الاحتمالات سريعًا.
الدول الناشئة وتحييد مخاطر العملة
لدى العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة حافز لتعزيز الذهب في الاحتياطي بهدف تحييد مخاطر العملة وتمتين الثقة. هذا السلوك الهيكلي يُسهم في إطالة أمد الاتجاه الصاعد كلما اشتدّت تقلبات الأسواق الدولية، ويحدّ من حدّة الهبوط متى ما ظهرت موجات تصحيح.
ماذا تعني المستويات الحالية للمستهلك النهائي؟
تترجم القمم التاريخية عادةً في أسواق التجزئة إلى فارق أسعار ملحوظ بين السبائك والمصنّعية في المشغولات، مع اتساع هوامش المحلّات نتيجة الطلب المرتفع وتكاليف الاستيراد والتمويل. لذلك يميل المستهلكون إلى المفاضلة بين الادخار بالسبائك المعيارية ذات الهامش الأقل وبين المجوهرات ذات الكلفة الإضافية المرتبطة بالتصميم والمصنعية.
نظرة على السيولة والتذبذب
بقاء سعر الذهب فوق مناطق اختراق محورية يدعم استمرار الميل الصاعد، لكن تزايد التذبذب حول الأخبار العاجلة يستدعي انتباهًا لإدارة المخاطر، خاصة بالنسبة للمراكز المموّلة بالهامش. الهوامش المعيارية المرتفعة لدى بعض الوسطاء تعكس هذا الواقع.
يبقى سعر الذهب مدعومًا بمزيج من التوتر التجاري الأميركي–الصيني، وتوقعات خفض الفائدة الأميركية، واستمرار الطلب الرسمي والمؤسسي. أي تبدّل مفاجئ في مسار الفائدة أو انحسار سريع في حدّة التوترات قد يطلق موجات تذبذب وجني أرباح، لكن الصورة العامة تظل إيجابية طالما بقيت العوائد الحقيقية والدولار في مسارات غير ضاغطة على المعدن.
ما أبرز العوامل التي تدفع سعر الذهب للارتفاع حاليًا؟
تصاعد التوتر التجاري بين أميركا والصين، وتزايد توقعات خفض الفائدة الأميركية، وتراجع العوائد الحقيقية، واستمرار مشتريات البنوك المركزية وتدفّقات الصناديق المتداولة.
كيف يؤثر الدولار الأميركي على سعر الذهب؟
يتحرك الذهب عادةً عكسيًا مع قوة الدولار؛ ضعف العملة الأميركية يجعل الذهب أرخص نسبيًا لحائزي العملات الأخرى ويعزّز الطلب العالمي.
ما الفرق بين الذهب الفوري وعقود الذهب الآجلة؟
السعر الفوري يعكس التداول اللحظي والسيولة، أما العقود الآجلة فتعكس توقعات السعر في تاريخ محدد مع تضمين تكاليف التمويل والتخزين، وقد يظهر فرق سعري بينهما.
هل تؤثر قرارات الفائدة الأميركية مباشرةً على الذهب؟
نعم، خفض الفائدة يقلّص العوائد الحقيقية ويزيد جاذبية الذهب، بينما رفعها يضغط عليه عادةً عبر رفع تكلفة الفرصة البديلة.
هل يمكن أن يواصل الذهب تسجيل قمم جديدة؟
يعتمد ذلك على مسار الفائدة والدولار وشهية المخاطرة. استمرار التوترات وتيسير السياسة يدعمان الاتجاه الصاعد، لكن جني الأرباح وارد عند القمم.
ما دور البنوك المركزية في تسعير الذهب؟
تشكل مشتريات البنوك المركزية طلبًا هيكليًا مستمرًا يضيف قاعدة دعم طويلة الأجل لسعر الذهب ويخفف من حدة التصحيحات.






















