سعر الذهب يواصل الارتفاع إلى مستويات قياسية وسط توقعات خفض الفائدة وتصاعد التوتر التجاري
وفي تمام الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش، ارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.7% ليصل إلى 4238.22 دولارًا للأونصة، بعد أن لامس أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4241.99 دولارًا في وقت سابق من الجلسة. كما صعدت العقود الآجلة الأميركية للذهب بنسبة 1.2% لتبلغ 4250.56 دولارًا للأونصة، لتواصل بذلك موجة المكاسب التي بدأت مطلع أكتوبر.
توقعات خفض الفائدة تدعم استمرار ارتفاع سعر الذهب
تأتي هذه الارتفاعات المتتالية في وقت يتزايد فيه رهان المستثمرين على أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيُقدم على خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه في أكتوبر، مع خفض آخر محتمل في ديسمبر. وجاءت هذه التوقعات عقب تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول، الذي أشار إلى تحول في النبرة نحو موقف أكثر مرونة لدعم النمو الاقتصادي.
وأظهر تقرير البيج بوك الصادر عن الفيدرالي أمس أن النشاط الاقتصادي الأميركي ظل مستقرًا خلال الأسابيع الأخيرة، مع تباطؤ الطلب في عدد من القطاعات واستمرار الضغوط على تكاليف التشغيل. كما أشار التقرير إلى بوادر أولية على تباطؤ سوق العمل، مما يعزز القناعة بأن البنك المركزي سيضطر إلى دعم الاقتصاد عبر تخفيف السياسة النقدية.
ويرى محللون أن هذه المعطيات تدعم التوجه نحو الاستثمار في الذهب، إذ يؤدي خفض الفائدة عادةً إلى تراجع عوائد السندات الأميركية، مما يجعل المعدن الأصفر أكثر جاذبية مقارنة بالأصول ذات العائد الثابت.
التوتر التجاري بين واشنطن وبكين يعزز الطلب على الذهب
إلى جانب العوامل النقدية، ساهمت التطورات الجيوسياسية في تعزيز مكاسب سعر الذهب. فقد تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين مجددًا بعد تهديد واشنطن بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية، وردّ بكين بتوسيع القيود المفروضة على تصدير المواد النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية.
هذا التصعيد المتجدد بين أكبر اقتصادين في العالم أثار مخاوف المستثمرين من دخول العلاقات التجارية في مرحلة جديدة من المواجهة، مما دفع العديد منهم إلى التحوّط عبر الذهب تحسبًا لأي اضطرابات محتملة في الأسواق المالية وسلاسل الإمداد العالمية.
كما زادت حالة الإغلاق الحكومي الأميركي، التي دخلت أسبوعها الثالث، من الغموض المحيط بالمشهد الاقتصادي، حيث أدى تعطل البيانات الرسمية إلى تعقيد تقييم الأوضاع الاقتصادية، وزاد المخاوف من حالة الجمود السياسي في واشنطن.
المؤسسات المالية ترفع توقعاتها لسعر الذهب
في هذا السياق، أكد محللو بنك ING أن الذهب والفضة يعدّان من أبرز السلع أداءً منذ بداية العام، إذ ارتفعت أسعارهما بأكثر من 55% و80% على التوالي منذ مطلع 2025، مدعومة بمشتريات البنوك المركزية وتدفقات الصناديق الاستثمارية المتجهة نحو الأصول الآمنة.
وقال محللو البنك في مذكرة بحثية: “إن الطلب على الملاذات الآمنة ظل قويًا بفعل استمرار التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والشكوك المحيطة باستقلالية الفيدرالي، بالإضافة إلى الإغلاق الحكومي المطوّل، وهي جميعها عوامل ترفع من جاذبية الذهب كأداة للتحوّط.”
أما بنك ANZ، فقد رفع توقعاته لسعر الذهب، مشيرًا إلى أنه قد يصل إلى 4400 دولار للأونصة بنهاية عام 2025، مع إمكانية بلوغه 4600 دولار بحلول منتصف 2026 قبل أن يتراجع تدريجيًا في النصف الثاني من ذلك العام.
وأضاف محللو البنك: “رغم المقارنات التي تُجرى مع موجة الصعود التاريخية في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن العوامل المحركة الحالية للذهب أكثر عمقًا واستدامة، إذ ترتكز على محركات هيكلية مثل ضعف الدولار، وزيادة المشتريات الرسمية من البنوك المركزية، وارتفاع الطلب الصناعي على المعادن الثمينة.”
الفضة والبلاتين يرتفعان.. والنحاس يتراجع
لم تقتصر المكاسب على الذهب وحده، إذ ارتفعت أيضًا أسعار المعادن النفيسة الأخرى. فقد صعدت أسعار الفضة بنسبة 1.4% إلى 52.09 دولارًا للأونصة، مقتربة من أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 53.60 دولارًا الذي لامسته مطلع الأسبوع.
وأوضح محللو ANZ أن المستثمرين الذين فاتتهم موجة ارتفاع الذهب بدأوا بتحويل أنظارهم نحو الفضة باعتبارها فرصة بديلة للاستفادة من الاتجاه الصعودي في قطاع المعادن الثمينة.
في المقابل، ارتفعت عقود البلاتين بنسبة 1.5% لتصل إلى 1713.15 دولارًا للأونصة، بينما تراجعت أسعار النحاس بنسبة 0.9% في بورصة لندن لتسجّل 10529 دولارًا للطن، وانخفضت العقود الأميركية للنحاس بنسبة 1.1% إلى 4.95 دولار للرطل، متأثرة بمخاوف تراجع الطلب الصناعي في الصين.
التحليل الفني: مقاومة جديدة عند 4250 دولارًا للأونصة
من الناحية الفنية، يشير المحللون إلى أن مستوى 4250 دولارًا يشكل حاليًا منطقة مقاومة رئيسية أمام الذهب، حيث قد تشهد الأسعار بعض التذبذب حول هذا المستوى قبل محاولة تسجيل قفزة جديدة نحو 4300 دولار. أما في حال حدوث تصحيح هابط، فإن مستوى الدعم الأقرب يُقدّر عند 4180 دولارًا، يليه مستوى 4100 دولار.
ويؤكد المحللون أن استمرار ضعف مؤشر الدولار الأميركي وتراجع العائد على السندات سيظل داعمًا رئيسيًا للمعدن النفيس، مع توقعات باستمرار موجة الشراء من الصناديق الكبرى والبنوك المركزية حتى نهاية العام.
توقعات المحللين: الذهب في طريقه لتجاوز 4500 دولار
يرى العديد من المحللين أن اتجاه الذهب الحالي لا يزال صاعدًا على المدى المتوسط، مدعومًا بمزيج من العوامل النقدية والجيوسياسية. ويشير بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في UBS، إلى أن الأسواق بدأت تسعّر دورة تخفيف طويلة للفائدة الأميركية، وهو ما قد يدفع الذهب لتجاوز حاجز 4500 دولار خلال الأشهر المقبلة.
كما أوضح محللو “ستاندرد تشارترد” أن استمرار ضعف البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة، إلى جانب المخاطر السياسية المرتبطة بالانتخابات، قد يوفّر مزيدًا من الزخم للمعدن الأصفر خلال الربع الأخير من 2025.
نظرة مستقبلية: هل يمكن أن يتراجع سعر الذهب لاحقًا؟
ورغم التوقعات الإيجابية، يحذر بعض المحللين من احتمالية حدوث تصحيحات قصيرة الأجل في الأسعار مع جني الأرباح من قبل المستثمرين. إلا أنهم يؤكدون أن أي تراجع سيكون مؤقتًا، ما دام التضخم العالمي دون السيطرة الكاملة، والفيدرالي يتجه نحو التيسير النقدي.
ويُرجّح أن تستمر البنوك المركزية، خاصة في الصين والهند وتركيا، في زيادة احتياطياتها من الذهب لدعم استقرار عملاتها وتخفيف اعتمادها على الدولار الأميركي، وهو ما سيُبقي الأسعار في مستويات مرتفعة تاريخيًا.
ما السبب الرئيسي وراء ارتفاع سعر الذهب مؤخرًا؟
السبب الأبرز هو تزايد توقعات خفض الفائدة الأميركية، ما يقلل من جاذبية الأصول ذات العائد الثابت ويزيد الطلب على الذهب، إضافة إلى تصاعد التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
هل يستمر ارتفاع سعر الذهب في الأشهر المقبلة؟
يرجّح الخبراء أن يستمر الاتجاه الصعودي طالما بقيت العوامل المحفزة قائمة، خصوصًا ضعف الدولار وتزايد الطلب المؤسسي على المعدن النفيس.
هل يُعد الوقت مناسبًا للاستثمار في الذهب الآن؟
يعتبر العديد من المحللين أن الذهب ما زال خيارًا استراتيجيًا للتحوط، خاصة مع التقلبات في الأسواق العالمية، لكن يُنصح بالاستثمار التدريجي لتفادي الشراء عند قمم الأسعار.
إلى أي مستوى قد يصل سعر الذهب بنهاية عام 2025؟
يتوقع محللو ANZ أن يصل سعر الذهب إلى نحو 4400 دولار للأونصة بنهاية 2025، مع احتمال بلوغ 4600 دولار في منتصف 2026 قبل التراجع تدريجيًا.






















