سعر الذهب يندفع إلى مستويات قياسية فوق 4000 دولار: المخاوف العالمية تشعل موجة صعود غير مسبوقة
كل محركات الذهب تعمل في وقت واحد
المعتاد تاريخيًا أن يتولى عامل أو عاملان دفع السعر، لكن المشهد الراهن مختلف؛ سعر الذهب ارتفع هذا العام بأكثر من 50%، وقفز بنحو 12% خلال سبتمبر وحده، مع انتقال الزخم بين محركات متعددة: تصاعد التوترات في بؤر عدة، شراء قوي من البنوك المركزية، تسارع التدفقات إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب، وعودة الاهتمام بالسبائك والعملات مع بحث المستثمرين عن أصول ذات موثوقية سيادية منخفضة المخاطر الائتمانية.
جيوسياسة مأزومة.. وتجارة عالمية قلقة
تؤجّج النزاعات الممتدة—من الحرب الروسية الأوكرانية، إلى القتال في غزة وتداعياته الإقليمية التي طالت إيران واليمن وممرات الشحن—حالة عدم اليقين وتزيد علاوات المخاطر. يترجم ذلك مباشرة إلى طلب أعلى على الذهب باعتباره مخزنًا للقيمة في أوقات الارتباك، وهو ما انعكس سريعًا على سعر الذهب الذي قفز فوق حواجز نفسية متتالية وصولًا إلى الأرقام القياسية.
السياسة الأميركية والقلق النقدي.. الوجه الآخر للصعود
على الضفة الاقتصادية، لا تزال الأسواق تتعامل مع أثر الرسوم الأميركية الجديدة واتساع دوامة الحمائية على التجارة وسلاسل التوريد. يضاف إلى ذلك قلق من قوة الدولار، وتساؤلات حول وتيرة السياسة النقدية واستقلالية الفيدرالي، فضلًا عن تضخم لزج ونمو أوروبي بارد. هذا المزيج قلّص شهية المخاطرة في السندات الطويلة الأجل ودفع مستثمري الدخل الثابت إلى إعادة توزيع جزء من المحافظ نحو الذهب، ما دعم سعر الذهب في صعوده.
عوائد السندات وتآكل جاذبية الملاذ التقليدي
في الظروف العادية، تُعد السندات الأميركية ملاذًا تقليديًا. لكن تذبذب العوائد الطويلة وعدم اليقين حول مسار الديون والسياسة المالية جعلا بعض المستثمرين يترددون في زيادة انكشافهم على سندات الخزانة. النتيجة: تزايد الإقبال على الذهب كبديل تحوطي، ما وفّر رياحًا خلفية إضافية لدفع سعر الذهب إلى الأعلى.
البنوك المركزية تُثبّت الأرضية
مشتريات البنوك المركزية شكلت ركيزة أساسية للسوق خلال السنوات الأخيرة. وتُقدّر جهات بحثية أن وتيرة الشراء في 2025 تسير نحو حاجز الألف طن للمرة الرابعة في غضون سنوات قليلة، في إطار تنويع احتياطيات النقد الأجنبي وتقليص الاعتماد على الأصول الدولارية. هذا الطلب الرسمي “غير الحسّاس للسعر” نسبيًا يوفّر قاعدة صلبة تحت سعر الذهب ويحدّ من عمق أي تصحيحات.
تدفقات صناديق المؤشرات.. عودة شهية المستثمر الغربي
بعد فترة من الفتور، عادت التدفقات إلى الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب، بالتوازي مع مشتريات الأفراد للسبائك والعملات. هذه التدفقات تسرّع الحركة السعرية لأنها تضيف طلبًا فوريًا على المعدن المادي أو عقوده، فتدفع سعر الذهب إلى اختراق مستويات نفسية وفنية تباعًا، وتستدعي متابعة لصيقة لعوامل الزخم والسلوك السعري.
زخم فني استثنائي.. لكنه “مُكلف”
مؤشرات الزخم تميل إلى منطقة “التشبع الشرائي”، وهو إنذار تقني مألوف في موجات الصعود الكبيرة. تاريخيًا، لا يمنع ذلك استمرار الاتجاه، لكنه يرفع احتمالات التقلبات الحادة وجني الأرباح السريع. مع ذلك، يرى كثير من المحللين أن اختراق 4000 دولار فتح نافذة لاستهداف نطاقات أعلى في حال تواصل الزخم ودامت بيئة المخاطر الحالية.
ماذا عن الفضة والبلاتين والبلاديوم؟
ارتفعت المعادن البيضاء على خطى الذهب؛ الفضة بدعم مزدوج من السرد التحوطي والطلب الصناعي، والبلاتين والبلاديوم مع حساسية أكبر لدورة التصنيع والسيارات. لكن تبقى “القصة” الاستثمارية الأكثر نقاءً لدى الذهب، ما يجعل تحركات سعر الذهب مرجعًا لبقية المركب.
توقعات 2026.. سيناريوهات مفتوحة
بعض بيوت الاستثمار رفعت توقعاتها للأمد المتوسط، متوقعةً أن يبلغ سعر الذهب قرابة 4900 دولار للأونصة بحلول ديسمبر 2026 إذا استمرت عوامل الطلب الرسمي وتدفقت أموال المحافظ بوتيرة أعلى من المألوف. لكن مسار الأسعار سيبقى رهينة عاملين: أولًا، ما إذا كانت الموجة الحالية ستصطدم بتشدّد نقدي مفاجئ يرفع العوائد الحقيقية ويضغط على الذهب؛ وثانيًا، شكل التسوية السياسية/التجارية العالمية خلال الأشهر المقبلة.
هل لا يزال الذهب تحوّطًا ضد التضخم؟
الإجابة المختصرة: نعم، لكن ليس بالخط المستقيم الذي يتخيّله البعض. أداء الذهب يتفاعل عادةً مع “العوائد الحقيقية” (العائد الاسمي مطروحًا منه التضخم)، ومع الدولار والمخاطر. حين ترتفع العوائد الحقيقية سريعًا، يميل الذهب للتراجع؛ أما حين تنخفض أو تتذبذب على وقع المخاطر، تتحسّن جاذبيته، ويصعد سعر الذهب.
ما الذي قد يوقف ال rally؟
انعطافة مفاجئة في السياسات (انحسار الرسوم والحمائية، انفراج جيوسياسي واسع، ضبط مالي يخفّض علاوة المخاطر السيادية) قد تُعيد الشهية إلى السندات والأسهم وتقلّص الطلب التحوطي، بما يهدّئ سعر الذهب. كذلك، قد يقود تشدّد نقدي يفوق التوقعات إلى ضغط عبر ارتفاع العوائد الحقيقية.
المخاطر المقابلة: لماذا قد يستمر الصعود؟
استمرار عدم اليقين السياسي والتجاري، وتثبيت الفائدة لفترة أطول أو العودة لخفضها في مواجهة تباطؤ النمو، وتواصل مشتريات البنوك المركزية، واتساع قاعدة المستثمرين عبر صناديق المؤشرات—كلها عناصر ترجّح بقاء سعر الذهب مدعومًا بنبرة صعودية، ولو على وقع تذبذبات أشد.
نحن بصدد بيئة “متعددة المخاطر” تدفع المستثمرين إلى الملاذات، وفي مقدمتها الذهب. طالما أن محركات الخطر والسيولة الرسمية/المؤسسية قائمة، سيظل سعر الذهب مرتفع الحساسية لأي أنباء تضيف وقودًا للسرد التحوطي. ومع أن مؤشرات التشبّع الشرائي تحذّر من مطبّات قصيرة المدى، فإن الاتجاه العام يبقى صاعدًا ما لم تتبدّل الفرضيات الكلية جذريًا.
1) لماذا ارتفع سعر الذهب إلى مستويات قياسية الآن؟
السبب مزيج من التوترات الجيوسياسية، والرسوم/الحمائية التجارية، والقلق حول العوائد الحقيقية والدولار، إلى جانب مشتريات قوية من البنوك المركزية وتدفقات في صناديق المؤشرات—كلها رفعت سعر الذهب إلى قمم تاريخية.
2) هل ما زال الذهب ملاذًا آمنًا فعالًا؟
نعم. في فترات عدم اليقين، يزداد الإقبال عليه كمخزن للقيمة وتنويع للمحافظ. هذا الدعم يتجلى في سلوك سعر الذهب خلال 2025.
3) ما المخاطر التي قد تضغط على سعر الذهب؟
تشدد نقدي يرفع العوائد الحقيقية، انفراجات سياسية وتجارية تقلل علاوات المخاطر، أو جني أرباح مكثف عقب موجة صعود طويلة؛ جميعها قد تفرض تصحيحًا على سعر الذهب.
4) هل يُتوقع استمرار الصعود في 2026؟
إذا استمرت محركات المخاطر والطلب الرسمي والمؤسسي، فقد يظل سعر الذهب مدعومًا. بعض التقديرات تضع أهدافًا أعلى لعام 2026، لكن المسار سيعتمد على البيانات والسياسات.
5) كيف يتأثر سعر الذهب بالدولار والعوائد؟
عادةً ما يتحرك الذهب عكسيًا مع قوة الدولار، ويتأثر بالعوائد الحقيقية: انخفاض الأخيرة يُحسّن جاذبية الذهب ويعزز سعر الذهب، والعكس صحيح.






















