سعر الذهب اليوم يقفز فوق 4000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ
في المعاملات الفورية، ارتفع الذهب بنسبة 0.8% إلى 4017.89 دولاراً للأونصة، بينما صعدت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر/ كانون الأول 0.5% إلى نحو 4025 دولاراً. وبذلك يكون المعدن الأصفر قد سجّل منذ بداية عام 2025 مكاسب تُقدّر بحوالي 52%، بعد قفزة بلغت 27% في عام 2024، ما يعكس انتقالاً واضحاً في سلوك المستثمرين نحو التحوّط من عدم اليقين الاقتصادي والمالي.
ما الذي يدفع سعر الذهب اليوم إلى هذه القمة التاريخية؟
تتكامل عدة محركات أساسية لصنع هذا الاختراق. في المقدمة يأتي تنامي الطلب الرسمي من البنوك المركزية، حيث تستمر المؤسسات النقدية—لا سيما في الاقتصادات الناشئة—في تنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار عبر شراء الذهب. يرافق ذلك عودة قوية لتدفّقات صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs)، ما يضاعف تأثير السيولة الداخلة على الأسعار.
إلى جانب ذلك، يدعم ضعف العملة الأميركية نسبياً مسار الصعود، عبر تخفيض الكلفة المقومة بالدولار على حائزي العملات الأخرى، ويعزّز جاذبية الذهب كمخزن للقيمة في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن الديون العالمية والتباطؤ الاقتصادي.
الفائدة الأميركية.. محور السردية الصعودية
تتعلّق الحلقة الأكثر حساسية في حكاية سعر الذهب اليوم بتوقعات السياسة النقدية الأميركية. إذ يسعّر السوق خفضاً بواقع 25 نقطة أساس في اجتماع هذا الشهر، مع ترجيح خفضٍ مماثل في ديسمبر/ كانون الأول. انخفاض العوائد الحقيقية يُقلّص كلفة الفرصة البديلة لحيازة أصلٍ لا يدرّ عائداً كالمعدن النفيس، ويجعل الاحتفاظ بالذهب خياراً أكثر إغراءً للمستثمرين المؤسسيين والأفراد على حدٍ سواء.
الضبابية الجيوسياسية تدفع إلى الملاذات الآمنة
على الجبهة السياسية، تستمر الاضطرابات في أوروبا وآسيا في تغذية شهية الملاذات. التحديات السياسية في فرنسا واليابان، إلى جانب حالة الشدّ والجذب في عدة بؤر توتر حول العالم، تزيد الحاجة إلى أصول يمكن الاحتماء بها عند ارتفاع منسوب المخاطر. وقد أدّى الإغلاق الحكومي الأميركي الذي دخل يومه السابع أمس الثلاثاء إلى تعطيل صدور بيانات اقتصادية رئيسية، ما دفع المستثمرين للاعتماد على مؤشرات بديلة وتكثيف الرهانات على مسار تيسيري للفيدرالي.
أصوات من السوق: 5000 دولار هدفٌ يُتداول علناً
يلخّص المتعامل المستقل في المعادن تاي وونغ المزاج السائد بقوله إن «الثقة كبيرة حالياً في هذا الاتجاه لدرجة أن السوق تترقّب الهدف الكبير التالي عند مستوى 5000 دولار، في ظل ترجيح استمرار الفدرالي الأميركي في خفض معدلات الفائدة». ويضيف أن التوصل إلى هدنة دائمة في الشرق الأوسط أو أوكرانيا قد يخلق عقبات مؤقتة، «لكن من غير المرجّح أن تتغيّر العوامل الأساسية التي تقود السوق مثل تضخم الديون، وتنويع الاحتياطيات، وضعف الدولار على المدى المتوسط».
ويتوافق هذا التقييم مع رؤية محللين لدى بنوك عالمية، من بينهم جيوفاني ستونوفو في «يو بي إس»، الذي يرى أن «المستثمرين يشترون الذهب رغم ارتفاع سعره، مما يزيد من قوة الاتجاه الصعودي».
الذهب ضمن محفظة المستثمر: كيف نقرأ الاختراق؟
تاريخياً، عندما يخترق الذهب قمماً جديدة، تتزايد ظاهرة «الخوف من تفويت الفرصة» (FOMO)، فتسحب معها شرائح عريضة من المستثمرين نحو الشراء المتأخر. ومع أن هذا السلوك يُعزّز الزخم، إلا أنه يرفع أيضاً مخاطر التقلّبات قصيرة الأجل. لذا ينصح خبراء إدارة المخاطر بتحديد نسب انكشاف محسوبة على الذهب ضمن المحفظة—سواء عبر السبائك والعملات، أو عبر الصناديق المتداولة—مع استخدام مستويات وقف خسارة ديناميكية لحماية الأرباح.
بالنسبة للمستثمر العربي، فإن تعزيز الوزن النسبي للذهب يمكن أن يوفر تنويعاً فعالاً في مواجهة الدورات الاقتصادية العالمية وتقلبات العملات المحلية. غير أن التوقيت يبقى مفتاحاً رئيسياً: الشراء أثناء الاندفاعات الحادة قد يعرّض الداخلين الجدد لهزّات قصيرة الأجل؛ لذلك يُستحسن تقسيم الدخول على دفعات، أو انتظار تراجعات صحية لإعادة التمركز.
ماذا عن المعادن النفيسة الأخرى اليوم؟
امتدّت موجة الصعود إلى بقية المعادن: فقد ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية 0.5% إلى 48.03 دولاراً للأونصة، وصعد البلاتين 2.2% إلى 1653.21 دولاراً، كما زاد البلاديوم 1.3% إلى 1355.32 دولاراً. تاريخياً، تميل هذه المعادن إلى مفاقمة الاتجاه الذي يقوده الذهب إن استمرت رياح العوامل الكلية ذاتها—لا سيما توقعات الفائدة والدولار.
السيناريوهات المحتملة للمدى القريب
1) استمرار الزخم نحو 4200–4400 دولار
يتحقق هذا المسار إذا تأكد خفض الفائدة في الاجتماعين القادمين للفدرالي، مع استمرار تدفقات صناديق الذهب واتساع مشتريات البنوك المركزية. في هذا السياق، قد نشهد «ضيقاً في السيولة المعروضة» على جانب البائعين يدفع السعر لقمم تتابعية.
2) تهدئة فنية بين 3900–4000 دولار
تصحيحٌ «صحي» بعد اختراق تاريخي ليس مستبعداً، خاصة إذا تحسّنت شهية المخاطرة عالمياً مؤقتاً (مثلاً تقدّمٍ في ملفات جيوسياسية). في هذا السيناريو، تُختبر مناطق الدعم الجديدة بينما يحافظ الاتجاه طويل الأجل على ميلٍ صعودي.
3) مفاجآت هبوطية مؤقتة
تتضمن صدمة إيجابية غير متوقعة على صعيد النمو العالمي، أو انعكاساً مفاجئاً في مسار الدولار والعوائد الحقيقية. إلا أن مثل هذه المفاجآت تحتاج إلى «قوة دافعة مستدامة» لقلب الاتجاه الرئيسي، وهو ما لا تظهر مؤشراته حالياً بحسب المعطيات المتداولة.
مخاطر يجب مراقبتها
رغم قوة الاتجاه، لا يخلو المشهد من مخاطر: تحسّن مفاجئ في البيانات الأميركية قد يبطئ وتيرة خفض الفائدة، أو تطورات سياسية تُخفّف الطلب على الملاذات. كذلك، يبقى خطر الازدحام التداولي قائماً في صناديق الذهب، ما قد يضخّم تقلبات الأسعار إذا بدأ جني أرباح واسع.
سعر الذهب اليوم عند قمّة تاريخية فوق 4000 دولار/أونصة هو نتاج تفاعل نادر لعوامل داعمة: ميل نقدي تيسيري، ضعف الدولار نسبياً، طلب رسمي متزايد، وتوترات سياسية مستمرة. الهدف النفسي التالي الذي يتناقله المشاركون في السوق يتمحور حول 5000 دولار، لكن الطريق لن يخلو من استراحات فنية. إدارة المخاطر الذكية، وتنويع أدوات التعرض، وتبنّي نهج تدريجي في الدخول، تظلّ مفاتيح التعامل الرشيد مع مرحلة استثنائية في تاريخ المعدن النفيس.
هل ما زال الوقت مناسباً للدخول بعد تجاوز 4000 دولار؟
يعتمد ذلك على أفقك الزمني وتحملك للمخاطر. الاتجاه طويل الأجل داعم، لكن الاختراقات التاريخية تتبعها غالباً تصحيحات قصيرة. فكّر بالدخول على دفعات أو انتظر تراجعات فنية.
ما العلاقة بين خفض الفائدة وسعر الذهب اليوم؟
خفض الفائدة يُضعف العوائد الحقيقية ويقلّل كلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، ما يعزّز الطلب السعري على المعدن.
هل يُفضَّل التعرض عبر السبائك أم عبر صناديق متداولة؟
السبائك والعملات تمنحك ملكية مباشرة، بينما توفّر الصناديق المتداولة سيولة وسهولة تداول. المزج بين الطريقتين قد يوازن بين المرونة والحيازة الفعلية.
ما المخاطر الرئيسية في الأجل القصير؟
تحسّن مفاجئ في البيانات الاقتصادية أو تهدئة جيوسياسية قد يخفف طلب الملاذات مؤقتاً، إضافةً إلى جني الأرباح بعد الارتفاع الحاد.






















