تراجع الدولار لأدنى مستوى في أسبوع مع شلل حكومي أميركي يربك الأسواق
شهد الدولار الأميركي تراجعاً ملحوظاً إلى أدنى مستوى في أسبوع يوم الأربعاء، بعدما دخلت الولايات المتحدة في حالة إغلاق حكومي جزئي أعادت حالة عدم اليقين إلى الأسواق المالية العالمية. هذا التراجع انعكس فوراً على تداولات العملات والسلع، حيث ارتفعت الملاذات الآمنة مثل الذهب والين الياباني والفرنك السويسري، فيما بقيت أعين المستثمرين مركزة على بيانات الوظائف المنتظرة وسياسات البنوك المركزية خلال الأسابيع المقبلة.
إغلاق حكومي يعمّق القلق في الأسواق
بدأ الإغلاق الحكومي الأميركي بعد رفض مجلس الشيوخ تمرير مشروع إنفاق مؤقت، الأمر الذي أدى إلى تعطيل بعض أنشطة الوزارات والهيئات الفيدرالية. وجاء هذا التعطيل في وقت حساس، إذ حذرت وزارة العمل ووزارة التجارة من توقف إصدار البيانات الاقتصادية، وعلى رأسها تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP) المقرر يوم الجمعة.
هذا التطور أثار مخاوف المستثمرين من أن يؤثر غياب البيانات الحيوية على قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، وهو ما دفع المتعاملين لخفض مراكزهم على الدولار لصالح عملات وسلع تعتبر أقل خطورة.
أداء الدولار أمام العملات الرئيسية
انخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.2% مسجلاً أضعف مستوى في أسبوع. وتراجع الدولار أمام الين الياباني بنحو 0.5% مقترباً من أدنى مستوى في أسبوعين، كما خسر 0.2% أمام الفرنك السويسري، فيما ظل اليورو مستقراً على ارتفاع طفيف قرب 1.1763 دولار.
المحللون رأوا أن هذا الأداء يعكس تحوّل المستثمرين نحو عملات الملاذ الآمن في وقت تتصاعد فيه المخاطر السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، خاصة مع تحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن الإغلاق قد يقود إلى “إجراءات لا رجعة فيها”.
الملاذات الآمنة في صدارة المشهد
حافظ الذهب على مكاسبه مع صعود العقود الفورية بنسبة 0.8%، بينما ارتفعت العقود الآجلة بأكثر من 1.1%. ويعزو المحللون هذا الأداء إلى اندفاع المستثمرين لتأمين أصولهم في ظل الضبابية السياسية والاقتصادية.
الين الياباني والفرنك السويسري أيضاً برزا كأكثر المستفيدين من حالة التوتر، حيث عززت التوقعات بزيادة الطلب عليهما باعتبارهما وجهة مضمونة خلال فترات الأزمات.
تأثير الإغلاق على البيانات الاقتصادية
التوقف المحتمل لنشر البيانات الرسمية، وخاصة تقرير الوظائف غير الزراعية، قد يربك الأسواق بشكل كبير. فهذه البيانات عادة ما تشكل أحد أهم المؤشرات التي يعتمد عليها الفيدرالي لتقييم توجهات سوق العمل وتحديد خطوات السياسة النقدية.
وفي ظل غياب البيانات الرسمية، يتحول تركيز المتداولين إلى تقارير القطاع الخاص مثل تقرير ADP للتوظيف، بالإضافة إلى استطلاعات الأعمال والمؤشرات القيادية الأخرى التي قد تمنح إشارات بديلة حول وضع سوق العمل الأميركي.
الفيدرالي بين خفض الفائدة والانتظار
يتوقع المتعاملون بنسبة 95% أن يقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية في اجتماعه المقبل في 29 أكتوبر، بحسب بيانات LSEG. ويرى المستثمرون أن استمرار الضبابية السياسية والضغوط على الاقتصاد الأميركي سيجبر الفيدرالي على التدخل لتخفيف المخاطر ودعم النمو.
في المقابل، يتساءل بعض المحللين إن كان غياب البيانات الرسمية سيؤثر على دقة قرارات الفيدرالي، حيث قد يعتمد البنك المركزي بشكل أكبر على التقديرات والنماذج الداخلية في تقييم حالة الاقتصاد.
اليابان تتحرك بعكس التيار
في الوقت الذي يترقب فيه المستثمرون خفضاً جديداً للفائدة الأميركية، تشير التوقعات إلى أن بنك اليابان قد يتجه لرفع أسعار الفائدة خلال هذا الشهر، مع احتمال يبلغ 40%. وجاء ذلك مدفوعاً بتحسن ثقة الشركات اليابانية وفقاً لمسح “تكان” ربع السنوي، إضافة إلى تصريحات أعضاء في مجلس إدارة البنك أبدوا فيها ميلاً أكثر وضوحاً للتشديد النقدي.
هذا التباين بين سياسات الفيدرالي الأميركي وبنك اليابان يفسر جزءاً من قوة الين الأخيرة، إذ يراهن المستثمرون على أن أي خطوة تشديدية من طوكيو ستوسع الفجوة مع الدولار.
اليورو يتجاهل ضعف التصنيع الأوروبي
رغم البيانات السلبية التي أظهرت تراجع النشاط الصناعي في منطقة اليورو وانكماش الطلبات الجديدة بأسرع وتيرة في ستة أشهر، فإن اليورو واصل صعوده بنسبة 0.25%، مستفيداً من ضعف الدولار الأميركي. وقد حقق اليورو ارتفاعاً بنسبة 0.2% في سبتمبر، ويظل مرتفعاً بنحو 13.5% منذ بداية العام.
ويشير محللون إلى أن حركة اليورو الأخيرة تعكس ديناميكية السوق أكثر من أساسيات الاقتصاد الأوروبي، حيث يبقى المستثمرون في حالة بحث دائم عن بدائل للدولار.
نظرة مستقبلية: ما الذي ينتظر الدولار؟
المشهد الحالي يضع الدولار في موقف هش، إذ يعتمد مساره على مدى طول فترة الإغلاق الحكومي وتبعاته على نشر البيانات الاقتصادية. كما أن قرارات الفيدرالي خلال اجتماعه أواخر أكتوبر ستحدد اتجاه العملة الأميركية للمرحلة المقبلة.
في حال استمرار الإغلاق وتوقف صدور البيانات الرسمية لفترة طويلة، فإن الأسواق قد تشهد مزيداً من الضغوط على الدولار مع استمرار صعود الذهب والملاذات الآمنة. أما إذا تم التوصل إلى حل سريع، فقد يستعيد الدولار جزءاً من خسائره مع عودة التركيز إلى أساسيات الاقتصاد الأميركي.
الخلاصة
تراجع الدولار إلى أدنى مستوى في أسبوع يعكس حجم القلق الذي يعيشه المستثمرون جراء الإغلاق الحكومي الأميركي والضبابية بشأن قرارات الفيدرالي. وبينما تواصل الملاذات الآمنة جذب السيولة، تظل الصورة النهائية رهناً بمدى طول الأزمة السياسية في واشنطن ومدى سرعة عودة البيانات الاقتصادية الأساسية.
تنويه: منصة جولد إيجلز غير مسؤولة عن أي قرارات استثمارية ناتجة عن هذا المحتوى، وينبغي على القراء الاعتماد على تحليلاتهم الخاصة واستشارة خبراء قبل اتخاذ أي خطوات مالية.





















