النفط يتجه لانخفاض للشهر الثالث مع صعود الدولار ووفرة المعروض
تراجعت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الجمعة، متجهة نحو تسجيل خسائر للشهر الثالث على التوالي، مع تأثير ارتفاع الدولار الأمريكي ووفرة المعروض من كبار المنتجين، في وقتٍ بدّد فيه هذا الفائض أثر العقوبات الغربية المفروضة على النفط الروسي.
هبوط خام برنت وغرب تكساس
وبحلول الساعة 00:27 بتوقيت غرينتش، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 33 سنتًا أو ما يعادل 0.51% إلى 64.67 دولارًا للبرميل، بينما تراجعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنحو 35 سنتًا أو 0.58% إلى 60.22 دولارًا للبرميل.
ويعكس هذا التراجع استمرار الضغوط السلبية على السوق النفطية، حيث يتجه كلا الخامين لتسجيل انخفاض شهري يقارب 3% في أكتوبر، بعد أداء ضعيف في أغسطس وسبتمبر. ويعزو المحللون ذلك إلى زيادة المعروض من منظمة أوبك+ ومنتجين كبار آخرين، إلى جانب تباطؤ الطلب العالمي.
قوة الدولار تضغط على السلع
وذكر محللو بنك “إيه إن زد” في مذكرة بحثية أن “صعود الدولار الأمريكي أثّر على شهية المستثمرين تجاه جميع السلع”، مشيرين إلى أن تصريحات رئيس الفدرالي الأميركي جيروم باول حول عدم التأكد من خفض الفائدة في ديسمبر دفعت العملة الأميركية للصعود مجددًا.
وقد زاد مؤشر الدولار بنسبة 0.4% خلال الأسبوع، ما جعل السلع المقوّمة بالدولار، ومنها النفط الخام، أقل جاذبية لحائزي العملات الأخرى. ويُعد هذا العامل من أبرز أسباب التراجع المستمر في أسعار النفط منذ أغسطس.
زيادة إنتاج أوبك+ تضغط على الأسعار
أفادت تقارير من داخل أوبك+ بأن التحالف يميل إلى زيادة متواضعة في الإنتاج خلال ديسمبر المقبل، بهدف الحفاظ على الحصة السوقية أمام المنافسين في أميركا وكندا والبرازيل.
وزادت ثماني دول من أوبك+ أهداف الإنتاج مجتمعة بأكثر من 2.7 مليون برميل يوميًا — أي ما يعادل نحو 2.5% من إجمالي المعروض العالمي. وتأتي هذه الزيادة ضمن سلسلة خطوات شهرية بدأت منذ يونيو الماضي، في ظل مساعٍ لتعويض انخفاض الطلب الآسيوي.
السعودية ترفع صادراتها إلى أعلى مستوى في 6 أشهر
وأظهرت بيانات مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي) الأسبوع الماضي أن الصادرات السعودية من النفط الخام بلغت أعلى مستوياتها في ستة أشهر عند 6.407 ملايين برميل يوميًا في أغسطس، ومن المرجّح أن تشهد مزيدًا من الارتفاع خلال الربع الرابع من العام.
في المقابل، أشار تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج الولايات المتحدة بلغ مستوى قياسيًا جديدًا عند 13.6 مليون برميل يوميًا الأسبوع الماضي — وهو رقم يعزز الفائض العالمي ويضغط على الأسعار.
العقوبات الغربية وتأثيرها المحدود على روسيا
ورغم العقوبات الغربية الصارمة المفروضة على صادرات روسيا النفطية، فإن الإمدادات الروسية ما زالت تتدفق نحو آسيا عبر قنوات بديلة، خصوصًا إلى الصين والهند. ويقول محللون إن هذه المرونة الروسية خففت كثيرًا من تأثير العقوبات على الأسواق العالمية.
ويضيف المحلل في “إس آند بي غلوبال”، جيمس هاريس، أن “المشترين الآسيويين يواصلون الاستفادة من الخصومات الكبيرة على النفط الروسي، مما يحد من أي نقص محتمل في المعروض”.
ترامب يتحدث عن صفقة طاقة جديدة مع الصين
في سياق آخر، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس أن الصين وافقت على البدء في شراء الطاقة الأميركية، مؤكدًا أن صفقة ضخمة قد تُبرم قريبًا تشمل واردات من النفط والغاز من ولاية ألاسكا.
غير أن المحللين شككوا في تأثير هذه الصفقة المحتملة على السوق العالمية، إذ قال مايكل ماكلين من بنك باركليز: “تنتج ألاسكا نحو 3% فقط من إجمالي إنتاج النفط الخام الأميركي، وهي نسبة غير كبيرة، كما أن مشتريات الصين من الغاز الطبيعي المسال ستكون مدفوعة بعوامل تجارية وليست سياسية.”
توقعات السوق للمرحلة المقبلة
تشير التقديرات إلى أن المعروض العالمي من النفط سيواصل التفوق على الطلب خلال الربع الأخير من 2025، مع استمرار ارتفاع الإنتاج في الولايات المتحدة وأوبك+، وتباطؤ الطلب الصناعي في الصين وأوروبا.
ويتوقع محللون لدى غولدمان ساكس أن تبقى أسعار خام برنت ضمن نطاق 63 إلى 68 دولارًا للبرميل حتى نهاية العام، مع احتمالات محدودة لعودة الأسعار فوق 70 دولارًا ما لم تظهر إشارات واضحة على تراجع المعروض.
الطلب الصيني والمخزونات الأميركية
من جانب آخر، تُظهر بيانات الجمارك الصينية أن واردات النفط في سبتمبر انخفضت بنسبة 2.8% على أساس سنوي، ما يعكس تباطؤًا في النشاط الصناعي والطلب المحلي. كما ارتفعت مخزونات النفط الخام الأميركية بمقدار 5.2 ملايين برميل الأسبوع الماضي، وهو ما يؤكد وفرة المعروض.
التحليل الفني: مستويات حرجة للأسعار
من الناحية الفنية، يرى خبراء الأسواق أن مستوى 64 دولارًا لخام برنت يمثل دعمًا رئيسيًا، بينما يشكّل مستوى 67.8 دولارًا مقاومة قوية. وفي حال كسر الدعم الحالي، قد تتجه الأسعار نحو مستوى 61 دولارًا خلال الأسابيع المقبلة.
ويرى المتداولون أن مسار أسعار النفط في نوفمبر سيعتمد بدرجة كبيرة على بيانات التضخم الأميركية وقرار الفدرالي المقبل بشأن الفائدة، إضافةً إلى نتائج اجتماع أوبك+ المنتظر الأحد القادم.
يبدو أن تراجع أسعار النفط أصبح نتيجة حتمية لتلاقي مجموعة من العوامل: صعود الدولار، زيادة الإنتاج، وتباطؤ الطلب العالمي. ورغم التطمينات من بعض المنتجين بأن السوق ستستقر قريبًا، إلا أن الاتجاه الهبوطي لا يزال يفرض نفسه بقوة في ظل غياب محفزات قوية على الطلب.
وبينما يستعد تحالف أوبك+ لاجتماعه الحاسم، يترقب المستثمرون ما إذا كانت المجموعة ستتخذ خطوات فعلية لضبط المعروض أو ستواصل سياسة التوسع للحفاظ على الحصة السوقية، ما يجعل نوفمبر شهرًا حاسمًا في مسار أسعار النفط.






















