النفط الإيراني: مبيعات إيران للصين ستستمر رغم تهديد «سناب-باك» عقوبات الأمم المتحدة
ما هي آلية «السناب-باك» ولماذا تعني الكثير لسوق النفط؟
«السناب-باك» هي آلية تُعيد تلقائياً عقوبات الأمم المتحدة إذا اعتُبر أن أحد الأطراف لا يلتزم بتعهّداته النووية. عملياً، إعادة تفعيلها تشكّل مظلة دولية تُعقّد عمليات الشحن، التأمين، التمويل، والتغطية القانونية المرتبطة ببيع النفط الإيراني حول العالم. ورغم أن شبكات التجارة قد طوّرت على مدار سنوات أدوات التفاف تقنية وتجارية، فإن عودة عقوبات بمشروعية أممية تزيد من درجة المخاطر المتصوّرة لدى شركات الشحن والملاحة والبنوك وشركات التأمين البحري.
بالنسبة للأسواق، أي تهديد بتقلص الإمدادات من الشرق الأوسط—ولو تدريجياً—يكفي لرفع علاوة المخاطر على خامات القياس، ويزيد من حساسية الأسعار للأخبار الجيوسياسية. لكن الجانب الآخر من المعادلة هو مرونة الطلب الآسيوي، ولا سيما الصيني، وقدرة طهران على المواءمة في التسعير، وشروط التسليم، واستخدام ترتيبات تسوية بديلة.
لماذا تؤكد طهران أن «لا جديد» في العقوبات الأممية؟
ترى إيران أن كثافة القيود الأميركية الأحادية في السنوات الماضية دفعتها لتطوير منظومة بديلة واسعة تشمل: ناقلات تحت أعلام مختلفة، تبديل الوجهات و«تعتيم» بيانات الرحلات أحياناً، ترتيبات تمويل وتسوية خارج القنوات التقليدية، وتقديم خصومات تسعيرية انتقائية لتعويض المخاطر. هذه الأدوات، وفق المنظور الإيراني، تجعل أي عقوبات أممية «تحسيناً شكلياً» للقيود القائمة أكثر من كونها تغييراً نوعياً لقواعد اللعبة.
إضافةً إلى ذلك، تنطلق الرهانات الإيرانية من فرضية أساسية: أن الطلب الآسيوي—الصيني خصوصاً—يملك دوافع هيكلية للاقتراب من خامات الشرق الأوسط، سواء لأسباب التكلفة والتكرير أو تنويع مصادر الإمداد. لذلك يكتسب تصريح «ستستمر، لا مشكلة لدينا» وزناً؛ لأنه يستند إلى شبكة علاقات تجارية تراكمت في ظل أسوأ السيناريوهات.
الصين في قلب المعادلة: احتياجات تكريرية وحسابات استراتيجية
تعتمد الصورة على ثلاثة محاور:
- الاحتياجات التكريرية: بعض درجات الخام الإيراني—بخصائص الكبريت والكثافة—تناسب أنواعا معينة من المصافي، ما يخلق «ملاءمة تقنية» لا تُعوَّض بسهولة.
- التكلفة والتسعير: الحسومات المرتبطة بالمخاطر القانونية واللوجستية تجعل خام إيران منافساً، خاصة إذا استمرت تقلبات الأسعار العالمية.
- التنوّع الجغرافي: الحفاظ على سلة واسعة من الموردين يقلّص المخاطر الاستراتيجية ويمنح المشترين مرونة تفاوضية أكبر.
بناءً على ذلك، تبدو بكين أقل حساسية لعودة عقوبات أممية إذا كانت ترتيبات الشحن والتأمين والدفع قابلة للتكيّف. ومع ذلك، يبقى هامش المناورة مرتبطاً بمدى تشدد تطبيق العقوبات من جانب أطراف الخدمات المساندة في الأسواق الدولية.
تحركات أوروبية قبل 27 سبتمبر: ما المطلوب من إيران؟
انخرطت «الترويكا الأوروبية» في مشاورات مكثفة مع طهران، بمشاركة مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لإيجاد مسار يجنّب العودة للعقوبات. الطلبات الأوروبية واضحة: إعادة فتح المنشآت النووية الأكثر حساسية أمام مفتشي الأمم المتحدة بلا عراقيل؛ معالجة التساؤلات حول مستويات التخصيب والمخزون؛ واستئناف مسار تفاوضي مع واشنطن يُعيد ضبط الالتزامات المتبادلة.
إذا تم التوصل إلى تفاهمات ملموسة في اللحظة الأخيرة، فقد يتأجل «السناب-باك» أو يُعاد توصيفه سياسياً. أمّا إذا تعذّر ذلك، فتعود العقوبات تلقائياً بنهاية فترة الثلاثين يوماً، ما يضع الشركات والبنوك أمام اختبار امتثال أكثر صرامة.
سلسلة الإمداد: الشحن، التأمين، والتمويل تحت المجهر
القيد الحقيقي أمام النفط الإيراني ليس فقط «من يشتري؟» بل «كيف يُشحن ويُؤمَّن ويُموَّل؟». عودة عقوبات أممية قد تؤثر على:
- شركات الشحن: تزايد كلفة المخاطر واحتمال إعادة تسعير أقساط الرحلات، أو إحجام بعض الناقلين عن سحب شحنات من موانئ معينة.
- التأمين البحري: قيود على تغطيات P&I وتشدّد في بنود الاستثناءات المتعلقة بالعقوبات، وهو ما ينعكس على سلاسة الرسوّ والدخول إلى ممرات رئيسية.
- التمويل والتسوية: ميل البنوك الدولية لتشديد الفلاتر على الاعتمادات المستندية والتحويلات، ودفع الأطراف إلى ترتيبات بديلة خارج النظام المالي التقليدي.
مع ذلك، طورت طهران وبعض شركائها ترتيبات مرنة بأشكال «مقايضة» أو عملات محلية أو حلول تسوية مؤجلة. نجاح هذه الأدوات يظل رهناً بدرجة التنسيق الدولي على إنفاذ العقوبات، وهو عامل متغير سياسياً.
أثر محتمل على الأسعار: سيناريوهات الأسواق في المدى القريب
تاريخياً، تميل أسعار النفط إلى تسعير المخاطر الجيوسياسية قبل تحققها الكامل. ومع اقتراب الموعد النهائي، قد تتّسع علاوة المخاطر على خام برنت وغرب تكساس إذا ارتفعت احتمالات اضطراب إمدادات النفط الإيراني، أو إذا أظهرت بيانات الشحن مؤشرات على تباطؤ التدفقات. في المقابل، بقاء الصادرات إلى الصين بوتيرة قريبة من المعتاد—كما تؤكد طهران—قد يخفّف من حدّة الصدمة السعرية.
العوامل الكابحة تشمل: تباطؤ نمو الطلب العالمي، طاقة فائضة لدى بعض المنتجين يمكن تفعيلها تدريجياً، وتوازنات «أوبك+» التي قد تعيد توزيع الأعباء للحفاظ على استقرار السوق. لكن أي حادث ملاحي، أو تشدد مفاجئ في التأمين، قد يغير المشهد سريعاً.
سياسة داخلية ورسائل خارجية: كيف تقرأ طهران المشهد؟
تتعامل الحكومة الإيرانية مع الملف على جبهتين: داخلياً، تأكيد استمرارية الإيرادات النفطية وحماية مصادر العملة الصعبة؛ وخارجياً، إرسال إشارة إلى الشركاء—خصوصاً في آسيا—بأن طهران قادرة على احترام عقودها التجارية رغم تصاعد الضغوط. تصريح الوزير بأن «العقوبات الأممية لن تضيف فعلياً شيئاً جديداً» يحمل رسالة طمأنة للسوق بقدر ما يحمل تحدياً سياسياً للطرف المقابل.
ردود فعل محتملة: بين تشدد الامتثال ومقاربة «إدارة المخاطر»
على مستوى الشركات العالمية، ستتفاوت الاستجابات. بعض شركات الشحن والتأمين والبنوك التي تتعرض لنفوذ قضائي واسع قد تختار «الحذر الزائد» والانسحاب من أي معاملات يُحتمل أن تُصنَّف عالية المخاطر. على الجانب الآخر، قد ترى شركات إقليمية أو كيانات خاصة فرصاً تسعيرية جذابة تعوّض المخاطر القانونية عبر رسوم إضافية وهياكل دفع جديدة.
المحصلة المرجحة هي حالة «تجزؤ الامتثال»؛ أي أن السوق لن يتوقف، لكنه قد يصبح أقل شفافية وأكثر اعتماداً على شبكات متخصصة، بما يضيف طبقات كلفة غير مباشرة على سلسلة الإمداد.
الترويكا الأوروبية والنافذة الأخيرة: ما الذي يمكن إنقاذه؟
الوقت المتبقي قصير، لكن السياسة تعرف صفقات اللحظات الأخيرة. إذا تجاوبت طهران بخطوات تحقق «قابلية التحقق»—كالسماح الفوري بزيارات تفتيش غير معلنة في منشآت حساسة—فقد تملك أوروبا ما يكفي لتعليق «السناب-باك» أو إعادة صياغته. أما إذا ظلّ المسار الفني متعثراً، فإن العودة إلى عقوبات أممية قد تعيد توحيد إطار الامتثال عبر عواصم عدة، وتدفع الملف النووي إلى مربع تفاوضي أشد تعقيداً.
ماذا يعني ذلك للمستثمرين وصنّاع القرار؟
- لمراقبي الأسعار: متابعة مؤشرات الشحن الآسيوية، بيانات تتبّع الناقلات، واتجاهات أقساط التأمين البحري.
- للمصافي: تقييم مرونة السلة الخامية، وخيارات الإحلال إذا زادت كلفة الامتثال.
- لصنّاع السياسة: حسابات دقيقة بين استقرار الأسعار العالمي وفرض الانضباط على برامج الانتشار النووي.
- للمتعاملين الماليين: رصد علاوات المخاطر في المنحنى الآجل لبرنت وWTI، وحساسية أسهم شركات الشحن والتأمين للأخبار التنظيمية.
رسالة طهران واضحة: صادرات النفط الإيراني إلى الصين لن تتوقف حتى إذا فُعِّلت آلية «السناب-باك». لكن الأسواق لا تُدار بالتصريحات وحدها؛ فهي تقرأ أيضاً خطوط الشحن، وثائق التأمين، وتوقيعات البنوك. بين ثقة إيرانية بمرونة القنوات وصرامة محتملة في إنفاذ العقوبات، سيجري التسعير خطوة بخطوة إلى أن تتضح معالم ما بعد 27 سبتمبر.
- هل ستتوقف صادرات إيران النفطية إلى الصين إذا عادت عقوبات الأمم المتحدة؟
- وفقاً لتصريحات وزير النفط الإيراني، ستستمر الصادرات، مع الاعتماد على ترتيبات شحن وتمويل وتأمين بديلة تكيّفت معها السوق خلال سنوات العقوبات السابقة.
- ما الفارق بين العقوبات الأميركية الأحادية وعقوبات الأمم المتحدة؟
- العقوبات الأميركية الأحادية واسعة التأثير بفعل نفوذ النظام المالي الأميركي، لكن العقوبات الأممية تضيف «مظلّة شرعية دولية» تُشدد امتثال شركات الشحن والتأمين والبنوك في عواصم متعددة.
- كيف قد ينعكس «السناب-باك» على أسعار النفط؟
- قد تزداد علاوة المخاطر على خامات القياس إذا تراجعت التدفقات أو تشددت شروط التأمين والشحن، بينما استمرار الصادرات بوتيرة قريبة من المعتاد قد يحدّ من الارتفاعات.
- هل يمكن تفادي العقوبات قبل 27 سبتمبر؟
- نعم إذا قدّمت طهران خطوات ملموسة قابلة للتحقق—كالسماح بتفتيش معمّق للمنشآت الحساسة—قد تجد أوروبا مخرجاً لتعليق أو تأجيل المسار.
- ما المخاطر التشغيلية الأكبر على سلسلة الإمداد؟
- قيود التأمين البحري، إحجام بعض شركات الشحن، وتشدد البنوك في الاعتمادات والتحويلات. هذه العوامل ترفع الكلفة غير المباشرة حتى لو استمرت التجارة.
تنويه «جولد إيجلز»
هذه المادة لأغراض إعلامية فقط ولا تمثل نصيحة استثمارية. لا تتحمّل «جولد إيجلز» أي مسؤولية عن قرارات تداول تُتخذ بناءً على هذه المعلومات. الأسواق شديدة التقلب، ويُنصح بالرجوع إلى مستشار مالي مرخّص قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية.






















