العيون على الفدرالي الأميركي اليوم.. خفض جديد للفائدة أم تثبيت مفاجئ؟
تاريخ سريع لمسار الفائدة منذ 2022
منذ اندلاع موجة التضخم في أعقاب جائحة «كوفيد-19»، خاض الفدرالي الأميركي أكبر دورة رفع للفائدة منذ ثمانينيات القرن الماضي. فبين عامي 2022 و2023، رفع البنك الفائدة تدريجيًا لتصل إلى ذروة تراوحت بين 5.25% و5.50%، في محاولة لكبح ارتفاع الأسعار الذي تجاوز 9% منتصف 2022. وقد بدأ الفدرالي في أواخر 2024 مسارًا عكسيًا، مع أول خفض تدريجي للفائدة بعد أن أظهرت البيانات تباطؤًا في النمو واستقرارًا نسبيًا للأسعار.
لكن مع دخول عام 2025، عادت النقاشات إلى الواجهة حول وتيرة التيسير النقدي. ففي اجتماع سبتمبر الماضي، خفّض الفدرالي الفائدة من 4.25%-4.50% إلى 4.00%-4.25%، وأشار رئيسه جيروم باول حينها إلى أن المخاطر باتت «أكثر توازنًا» بين التضخم والتوظيف، مؤكداً أن التراجع في قوة سوق العمل أصبح مقلقًا.
الفدرالي الأميركي
القرار المنتظر اليوم: خفض شبه محسوم أم تثبيت مفاجئ؟
الأسواق المالية تكاد تكون حسمت الأمر سلفًا. إذ تُظهر بيانات CME FedWatch Tool أن احتمال خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس يقارب 97%، ليهبط النطاق المستهدف إلى 3.75%-4.00%. ورغم ذلك، يرى بعض المحللين أن الفدرالي قد يفاجئ الأسواق بالتثبيت، إذا أراد اختبار أثر خفض سبتمبر أولًا، أو خفضًا أكبر بمقدار 50 نقطة أساس استجابةً لمخاوف التباطؤ.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدوره صعّد انتقاداته مجددًا، متهمًا الفدرالي بأنه «يتحرك ببطء شديد» وأنه يتسبب في «خنق النشاط الاقتصادي» من خلال الإبقاء على معدلات مرتفعة نسبيًا. هذه التصريحات تضيف بعدًا سياسيًا إضافيًا إلى قرار اليوم، في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط من البيت الأبيض لدعم النمو قبيل موسم الانتخابات المقبلة.
الفدرالي الأميركي
عوامل تدفع نحو مزيد من التيسير النقدي
هناك عاملان رئيسيان يقودان التوقعات نحو الخفض:
1. تباطؤ سوق العمل
شهدت بيانات سبتمبر انخفاضًا في وتيرة نمو الوظائف وارتفاع معدل البطالة إلى 4.2%، وهو أعلى مستوى في 16 شهرًا. كما تباطأ نمو الأجور الشهرية، ما يشير إلى تراجع الضغوط التضخمية المرتبطة بالأجور. هذه المؤشرات تُعزز رؤية الفدرالي بأن «الاقتصاد الأميركي يتباطأ تدريجيًا نحو توازن أكثر استدامة».
2. تراجع التضخم دون تسارع جديد
رغم أن معدل التضخم لا يزال عند 3% على أساس سنوي، إلا أن القراءة الأساسية (باستثناء الغذاء والطاقة) بقيت مستقرة دون اتجاه صعودي. هذه البيئة تمنح الفدرالي مساحة للتحرك دون المخاطرة بفقدان السيطرة على الأسعار.
انعكاسات القرار على الأسواق المالية
يترقب المستثمرون بعناية ردّ فعل الأسواق عقب القرار، إذ تعتبر الفائدة المنخفضة محركًا رئيسيًا لأسعار الأصول.
1. الأسهم الأميركية
من المتوقع أن تدعم سياسة الخفض القطاعات الحساسة للفائدة مثل العقارات، والبنوك الإقليمية، والتجزئة، وشركات التمويل الاستهلاكي. أما قطاع التكنولوجيا فقد يستفيد من تحسن السيولة وانخفاض تكلفة الاقتراض، ما قد يعزز أداء أسهم مثل مايكروسوفت وإنفيديا وأمازون التي تشكل العمود الفقري لمؤشرات «ناسداك» و«إس أند بي 500».
2. السندات والدولار
أي خفض للفائدة سيقود على الأرجح إلى تراجع العوائد على السندات الأميركية قصيرة الأجل، مع انحدار منحنى العائد، بينما قد يتراجع الدولار مقابل سلة العملات الرئيسية. وهذا السيناريو ينعكس إيجابًا على الأسواق الناشئة التي تعاني من قوة الدولار وتدفقات رؤوس الأموال الخارجة.
انعكاسات القرار على الذهب والنفط
الذهب
الذهب يبقى المستفيد الأكبر من أي خفض للفائدة، إذ يؤدي ضعف الدولار وانخفاض العوائد الحقيقية إلى رفع جاذبية المعدن النفيس كتحوط ضد التباطؤ الاقتصادي أو التضخم المستقبلي. وقد شهدت الأسعار هذا الأسبوع ارتفاعًا نحو 4,000 دولار للأونصة، مدعومة بتوقعات الفدرالي ومخاوف التوترات التجارية. وإذا لمح باول إلى سلسلة خفض متتالية، فقد نشهد موجة صعود جديدة قد تتجاوز حاجز 4,200 دولار.
النفط
أما أسعار النفط فتتحرك في اتجاه معاكس نسبيًا، إذ يعزز خفض الفائدة توقعات الطلب العالمي على الطاقة، ما يدعم الأسعار، خاصة في ظل العقوبات الأميركية الأخيرة على شركات روسية كبرى. وقد سجّل خام برنت هذا الأسبوع قفزة فوق 66 دولارًا للبرميل، مدفوعًا بمزيج من التفاؤل النقدي والتوتر الجيوسياسي.
نظرة مستقبلية: ما بعد قرار أكتوبر
تلمّح التقديرات الرسمية للفدرالي إلى احتمال خفضين إضافيين قبل نهاية 2025، ليصل معدل الفائدة المستهدف إلى نطاق 3.50%-3.75%. غير أن وتيرة هذه التخفيضات ستعتمد على مسار التضخم وسوق العمل في الربع الأخير من العام. فالفدرالي لا يريد أن يكرر خطأ 2021 حين تأخر في مواجهة التضخم، ولا أن يبالغ في التيسير بما يخلق فقاعة أصول جديدة.
تاريخيًا، تميل الأسواق إلى الصعود خلال الأشهر التي تلي أولى خطوات التيسير النقدي، قبل أن تعود للتذبذب مع ظهور إشارات على ضعف النمو الحقيقي. لذا فإن الحفاظ على توازن بين دعم الاقتصاد ومنع التضخم يظل التحدي الأكبر أمام باول ولجنته.
تحليل
في كل الأحوال، فإن قرار الفدرالي اليوم سيسطر فصلاً جديدًا في قصة السياسة النقدية الأميركية بعد عقد من التقلبات الحادة. فإذا جاء القرار متسقًا مع توقعات الأسواق، فسترحب المؤشرات بالخطوة، أما إن لجأ الفدرالي إلى التثبيت المفاجئ فستشهد الأسواق تصحيحًا واسعًا على المدى القصير. وبين هذا وذاك، تظل المعادلة الحساسة قائمة: خفض الفائدة لا يعني بالضرورة نهاية المخاطر، بل بداية اختبار جديد لقدرة الاقتصاد الأميركي على الصمود في بيئة نقدية متغيرة.
ما هو التوقع الأكثر ترجيحًا لقرار الفدرالي اليوم؟
يتوقع غالبية المحللين أن يقوم الفدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى نطاق 3.75%-4.00%.
كيف يؤثر خفض الفائدة على أسعار الذهب؟
يؤدي خفض الفائدة إلى تراجع الدولار والعوائد الحقيقية، مما يجعل الذهب أكثر جاذبية كملاذ آمن، وغالبًا ما يدفع الأسعار للصعود.
هل يمكن أن يختار الفدرالي تثبيت الفائدة؟
رغم ضعف الاحتمال (حوالي 3%)، قد يلجأ الفدرالي إلى التثبيت المؤقت لاختبار أثر الخفض السابق، خاصة إذا أراد تقييم البيانات الاقتصادية خلال نوفمبر.






















