الطلب العالمي على الفضة يسجل نموًا متسارعًا حتى نهاية 2025 وسط ثورة صناعية وطاقوية
تشير بيانات الأسواق الحديثة إلى أن الطلب العالمي على الفضة يشهد تحولًا جذريًا في مساره، مع توقعات بتحقيق نمو يتجاوز 15% بحلول نهاية عام 2025 مقارنة بمستويات عام 2016. هذا النمو لم يأتِ من فراغ، بل يعكس توسّعًا هائلًا في استخدامات الفضة في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة، إلى جانب تجدد الاهتمام بالفضة كأصل استثماري قابل للارتفاع في ظل الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية.
ويأتي هذا التحول الاستراتيجي في توقيت بالغ الحساسية، حيث يعاني السوق من عجز في المعروض، وسط تراجع الإنتاج من المناجم التقليدية، الأمر الذي يُنذر بإعادة رسم خريطة العرض والطلب في سوق الفضة العالمي على المدى المتوسط والطويل.
الصناعات النظيفة تقود طفرة استهلاك الفضة
تشير تقديرات معهد الفضة العالمي إلى أن أحد أهم محركات الطلب العالمي على الفضة هو الاستخدام الصناعي، الذي يشكل الآن أكثر من 50% من إجمالي الطلب. وقد شهد هذا الرقم ارتفاعًا متواصلًا خلال السنوات الأخيرة، مدعومًا بتوسع مشاريع الطاقة المتجددة، لا سيما في الصين والهند وألمانيا.
تُستخدم الفضة بكثافة في صناعة الألواح الشمسية والخلايا الكهروضوئية، نظرًا لقدرتها العالية على توصيل الكهرباء، بالإضافة إلى دورها الحيوي في الدوائر الإلكترونية الدقيقة والبطاريات. ومع تبنّي العالم أهداف الحياد الكربوني بحلول 2030–2050، تُعد الفضة عنصرًا أساسيًا في سلاسل الإمداد الخاصة بمصادر الطاقة النظيفة.
ثورة المركبات الكهربائية ترفع السقف
من العوامل المهمة التي تعزز نمو الطلب على الفضة هو توسع سوق السيارات الكهربائية، حيث تُستخدم الفضة في أنظمة الشحن، وأجهزة الاستشعار، والبطاريات. وتُشير توقعات المؤسسات البحثية إلى أن كل سيارة كهربائية جديدة تحتوي على نحو 25–50 غرامًا من الفضة، وهو ما يفتح شهية السوق لهذا المعدن الصناعي الحيوي.
وقد أعلنت شركات مثل Tesla وBYD وVolkswagen عن خطط لإنتاج ملايين المركبات سنويًا، مما يعني أن الطلب على الفضة في هذا القطاع وحده مرشح للارتفاع بنسبة 30% خلال السنوات الثلاث المقبلة.
الطلب الاستثماري يعود بقوة وسط الأزمات
على الرغم من الطابع الصناعي المتزايد للفضة، إلا أن الطلب الاستثماري لا يزال يحتفظ بدور مهم. فمع تصاعد المخاوف بشأن استقرار الاقتصاد العالمي، وعودة الحديث عن التيسير الكمي في عدد من الاقتصادات الكبرى، يعاود المستثمرون التوجه إلى المعادن الثمينة كوسيلة للتحوّط ضد التضخم وتدهور العملات.
وقد أظهرت تقارير من بورصات المعادن أن صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) المدعومة بالفضة قد شهدت تدفقات نقدية داخلة بنسبة 12% خلال النصف الأول من عام 2025، ما يعكس رغبة متزايدة في تنويع الأصول داخل المحافظ الاستثمارية.
المعروض لا يواكب الارتفاع في الطلب
الجانب الأكثر إثارة للقلق في معادلة العرض والطلب هو أن المعروض العالمي من الفضة لا ينمو بنفس وتيرة الطلب. فعدد من المناجم الكبرى في أمريكا اللاتينية واجهت صعوبات إنتاجية، منها:
- تراجع جودة الخام المُستخرج.
- تشديد اللوائح البيئية والتنظيمية.
- نقص الاستثمارات في مشاريع تطوير جديدة.
وفقًا لتقرير صادر عن Silver Institute، فإن سوق الفضة قد يشهد عجزًا عالميًا يزيد عن 3,300 طن متري بنهاية 2025، وهو العجز السنوي الرابع على التوالي، ما يعني أن المخزونات التجارية قد تبدأ بالنفاد تدريجيًا إذا لم يتم تدارك الوضع.
تأثير السوق على الأسعار
من الطبيعي أن يقود هذا التفاوت بين العرض والطلب إلى ارتفاع في الأسعار، وهو ما بدأ يظهر تدريجيًا خلال الأشهر الماضية. فقد استقرت أسعار الفضة عند مستويات فوق 36 دولارًا للأونصة، ويتوقع بعض المحللين أنها قد تكسر حاجز 40 دولارًا في حال استمر الاتجاه التصاعدي للطلب.
وتشير التوقعات الفنية إلى أن كسر مستوى 37.25 دولارًا سيكون بوابة لموجة صعود جديدة قد تمتد حتى 42 دولارًا، خاصة إذا تراجعت قيمة الدولار الأمريكي أو فاجأت البيانات الاقتصادية الأسواق بمؤشرات ضعف إضافية.
نظرة استراتيجية: الفضة ليست ذهب الفقراء بعد اليوم
لطالما اعتُبرت الفضة “ذهب الفقراء”، لكنها اليوم تحوّلت إلى معدن استراتيجي عالمي لا يقل أهمية عن الليثيوم أو النحاس في الصناعات التكنولوجية. ويبدو أن التحولات الجيوسياسية والاقتصادية تدفع الحكومات والشركات إلى إدراك هذه الحقيقة، والبدء في تأمين سلاسل توريد الفضة مثلما تفعل مع المعادن الأخرى.
وقد دخلت بعض الدول مثل الهند وروسيا في سباق لتأمين احتياطيات إضافية من الفضة، سواء من خلال عقود طويلة الأمد مع دول منتجة أو عبر تشجيع الاستثمار المحلي في التعدين.






















