الذهب يهبط لأقل من 3900 دولاراً للأونصة وسط تفاؤل بشأن مفاوضات أميركا والصين
الذهب يتراجع بفعل التفاؤل التجاري بين واشنطن وبكين
تراجعت أسعار الذهب بأكثر من 2% في تعاملات الثلاثاء لتصل إلى 3890.09 دولاراً للأونصة، في ظل تفاؤل المستثمرين بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين خلال الأيام المقبلة. كما انخفضت العقود الأميركية الآجلة تسليم ديسمبر بنسبة 2.6% إلى 3912.20 دولاراً للأونصة.
يأتي هذا التراجع بعد جلسة سابقة سجل فيها المعدن النفيس خسائر بأكثر من 3%، ليهبط إلى أدنى مستوى له منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، ما يعكس انتقال المستثمرين نحو الأصول ذات المخاطر العالية، مدفوعين بتحسن المعنويات الاقتصادية.
تفاؤل أميركي-صيني يضعف الطلب على الملاذات الآمنة
شهدت الأسواق موجة من الارتياح بعد أن ناقش كبار المسؤولين الاقتصاديين من الجانبين الأميركي والصيني إطار اتفاق تجاري جديد يُعرض على الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة مرتقبة في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وقال ترامب إن «الاتفاق سيكون عادلاً ويخدم مصالح الجانبين»، مشيراً إلى توقيع سلسلة من الصفقات المتعلقة بالتجارة والمعادن الاستراتيجية مع دول في جنوب شرق آسيا، في خطوة عززت شهية المستثمرين للمخاطرة وأضعفت الطلب على الذهب.
تراجع الذهب يعكس تحوّل المزاج العالمي
يرى محللون أن موجة الهبوط الأخيرة في أسعار الذهب تشير إلى تبدّل في المزاج العام للسوق، حيث عاد التفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي، خاصةً بعد مؤشرات إيجابية من آسيا وأوروبا تدل على تباطؤ الضغوط التضخمية واستقرار سلاسل الإمداد.
ويرى الخبير الاقتصادي في «فورتريس للاستشارات» أن «الأسواق بدأت تسعّر سيناريو عودة النمو التدريجي، مما يخفف الحاجة إلى التحوّط بالذهب في المدى القصير، لكنه لا يلغي الاتجاه الصاعد الطويل الأمد للمعدن النفيس».
ترقب لاجتماعات البنوك المركزية الكبرى
تتجه الأنظار الآن إلى اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يُختتم يوم الأربعاء، والمتوقع أن يسفر عن خفض جديد لسعر الفائدة ضمن دورة التيسير النقدي التي بدأت منتصف العام الجاري. كما يترقب المستثمرون تصريحات رئيس المجلس جيروم باول بحثاً عن إشارات تخص وتيرة الخفض المقبلة.
وفي الوقت نفسه، من المنتظر أن يُبقي كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان على أسعار الفائدة دون تغيير، وسط ضغوط تضخمية محدودة ومخاوف من ضعف الطلب العالمي. وتشير الأسواق إلى أن أي تلميح من هذه المؤسسات قد يدفع تقلبات إضافية في سوق الذهب.
نظرة على أداء الذهب منذ بداية العام
على الرغم من التراجع الأخير، فإن المعدن الأصفر لا يزال مرتفعاً بنحو 51% منذ بداية عام 2025، بعدما بلغ ذروته التاريخية عند 4381.21 دولاراً للأونصة في 20 أكتوبر/تشرين الأول، مدعوماً بحالة عدم اليقين الجيوسياسي وتزايد رهانات خفض الفائدة عالمياً.
ويرى محللون أن هذه المكاسب الضخمة تجعل التراجع الحالي أقرب إلى «تصحيح فني مؤقت» ضمن مسار صاعد طويل الأمد، خاصة مع استمرار البنوك المركزية في تعزيز احتياطياتها من الذهب كمخزون استراتيجي لمواجهة ضعف العملات الورقية.
مشتريات البنوك المركزية واستمرار الطلب الاستثماري
تؤكد بيانات «مجلس الذهب العالمي» أن مشتريات البنوك المركزية ظلت قوية طوال العام، حيث تجاوزت 550 طناً في الربع الثالث وحده، مع زيادة واضحة من جانب الصين وتركيا والهند ودول مجلس التعاون الخليجي.
كما ساهمت صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs) في تعزيز الطلب، إذ استقطبت تدفقات صافية تجاوزت 120 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، مدفوعة بتراجع العائدات الحقيقية على السندات الأميركية وتزايد التوترات في أسواق العملات.
هل ينهي الذهب موجة الصعود الطويلة؟
على الرغم من تصحيح الأسعار الحالي، يرى محللو «جيه بي مورغان» و«غولدمان ساكس» أن الذهب سيظل محتفظاً بجاذبيته خلال 2026، مع توقع متوسط سعر يتجاوز 4200 دولار للأونصة، مدفوعاً بتوقعات خفض الفائدة وازدياد شهية البنوك المركزية نحو المعدن.
لكنّ بعض بيوت الخبرة تحذر من أن العودة السريعة نحو مستويات قياسية قد تكون محدودة ما لم يظهر اضطراب مالي عالمي جديد أو تعثر مفاجئ في المفاوضات التجارية بين أميركا والصين.
تحركات المعادن النفيسة الأخرى
وفي أسواق المعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضة بنسبة 0.3% إلى 46.74 دولاراً للأونصة، بينما تراجع البلاتين 1.2% إلى 1571.85 دولاراً، وهبط البلاديوم 0.8% إلى 1391.15 دولاراً للأونصة. وتعكس هذه التحركات الأداء الضعيف للطلب الصناعي في ظل التباطؤ النسبي في التصنيع العالمي.
التحليل الفني: مستويات دعم ومقاومة رئيسية
فنياً، يكسر الذهب حالياً مستوى الدعم البالغ 3900 دولار، وهو حاجز نفسي مهم للمستثمرين. وإذا استمر الزخم البيعي، فقد يختبر المعدن منطقة 3850 دولاراً، بينما تظل المقاومة القريبة عند 3980 ثم 4050 دولاراً للأونصة.
ويشير المحللون إلى أن أي عودة فوق 4000 دولار ستعيد الزخم الصاعد، خاصة إذا رافقها ضعف جديد في الدولار الأميركي أو بيانات اقتصادية سلبية من الولايات المتحدة.
التوقعات المستقبلية
يبدو أن الذهب دخل مرحلة من إعادة التقييم بعد موجة صعود استثنائية. ومع أن التفاؤل بشأن المفاوضات الأميركية-الصينية أدى إلى تهدئة المخاوف العالمية مؤقتاً، فإن جذور عدم اليقين — من الديون السيادية إلى التحولات النقدية — ما زالت قائمة.
وفي حال واصل الفدرالي الأميركي سياسة الخفض، واستمرت البنوك المركزية الأخرى في التيسير النقدي، فمن المرجح أن يستعيد الذهب بريقه تدريجياً مع دخول عام 2026، مدعوماً بتضخم متصاعد ومعدلات فائدة حقيقية سلبية.
تحليل
هبوط الذهب دون 3900 دولار لا يعكس ضعفاً هيكلياً بقدر ما يمثل استراحة مؤقتة في مسار طويل من الصعود. ومع أن الأخبار الإيجابية بشأن التجارة خففت من شهية التحوّط، إلا أن التحديات المالية العالمية، واستمرار فقدان الثقة بالعملات الورقية، تجعل المعدن الأصفر مرشحاً للبقاء في دائرة الاهتمام الاستثماري على المدى المتوسط والطويل.
هل انتهى الاتجاه الصاعد للذهب؟
ليس بعد، فالتراجع الأخير يعد تصحيحاً طبيعياً بعد مكاسب قوية، بينما تبقى العوامل الداعمة — مثل خفض الفائدة والتوترات الجيوسياسية — قائمة.
ما هي العوامل التي قد تدفع الذهب للصعود مجدداً؟
ضعف الدولار الأميركي، واستمرار مشتريات البنوك المركزية، وتزايد توقعات الركود العالمي، جميعها قد تعيد الذهب إلى مستويات فوق 4000 دولار للأونصة.
هل المفاوضات التجارية بين أميركا والصين كافية لكبح الطلب على الذهب؟
قد تؤثر إيجابياً في المدى القصير، لكنها لا تنهي تماماً دوافع التحوّط طويلة الأمد، خاصة مع هشاشة النمو العالمي.






















