الذهب يهبط دون 4000 دولار والأسواق العالمية تتباطأ قبل قرار الفدرالي الأميركي
الذهب يتراجع دون 4000 دولار للأونصة وسط تراجع الطلب على الملاذات الآمنة
تواصل أسعار الذهب تراجعها في تعاملات الثلاثاء، إذ هبط المعدن النفيس بأكثر من 2% ليستقر عند نحو 3890 دولاراً للأونصة، في تراجع هو الأعمق منذ منتصف الشهر، بعدما قلّص المستثمرون رهاناتهم على استمرار الطلب على الملاذات الآمنة. وجاء هذا الهبوط متزامنًا مع موجة تفاؤل جديدة بشأن الاتفاق التجاري المحتمل بين الولايات المتحدة والصين، الأمر الذي دفع المتعاملين نحو الأسهم والأصول عالية المخاطر.
ويُظهر تراجع الذهب بنسبة تفوق 10% عن قمّته الشهرية الأخيرة أن السوق يشهد تحولاً جذريًا في التوقعات، خاصة مع تراجع المخاوف الجيوسياسية مؤقتًا وعودة شهية المخاطرة في الأسهم العالمية. ورغم أن الأسعار لا تزال مرتفعة تاريخيًا، فإن فقدان مستوى 4000 دولار للأونصة أثار موجة بيع سريعة من صناديق التحوّط والمتداولين في العقود الآجلة.
الأسواق الأميركية تتباطأ بعد موجة صعود قياسية
تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية خلال جلسة الاثنين بعد مكاسب قوية أوصلتها إلى مستويات قياسية، حيث أغلق مؤشر S&P 500 على ارتفاع طفيف بنسبة 0.05%، بينما استقرت العقود الآجلة للمؤشرات الرئيسية في تعاملات الثلاثاء بانتظار قرار الفدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة.
وجاء التباطؤ بعد ارتفاعات حادة قادتها أسهم التكنولوجيا، وخاصة بعد إعلان شركة كوالكوم (Qualcomm) عن قفزة تجاوزت 13% عقب الكشف عن رقائق ذكاء اصطناعي جديدة موجهة لمراكز البيانات، تنافس بها إنفيديا (Nvidia) في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. كما شهدت أسهم «أمازون» و«ميتا» و«غوغل» و«مايكروسوفت» أداءً متباينًا قبل إعلان نتائجها الفصلية المنتظرة هذا الأسبوع.
ترقب لقرار الفدرالي الأميركي بشأن خفض الفائدة وإنهاء سياسة التشديد
يركز المستثمرون على اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي (FOMC) الممتد على مدى يومين، والذي من المقرر أن يُعلن قراره غدًا الأربعاء. وتشير التوقعات إلى خفض محتمل للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مع احتمال إعلان نهاية برنامج تقليص الميزانية العمومية أو ما يُعرف بسياسة «التشديد الكمي» (Quantitative Tightening).
ويرى محللون في «فورتريس للاستشارات» أن إنهاء الفدرالي لسياسة التشديد الكمي سيكون إشارة ضمنية على اقتراب دورة التيسير النقدي الكاملة، ما قد يمنح الأسواق دفعة قصيرة الأجل. ومع ذلك، فإن ضعف السيولة في سوق السندات وغياب البيانات الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي الجزئي في واشنطن قد يحد من وضوح الرؤية لدى المستثمرين.
تراجع العائد على السندات الأميركية وانخفاض تقلبات الأسواق
شهدت عوائد سندات الخزانة الأميركية انخفاضًا متجددًا عقب مزادات لم تحقق نتائج قوية، لكن التراجع في بيانات التضخم ساهم في دعم التفاؤل. فقد انخفضت التوقعات قصيرة الأجل للتضخم مع هدوء واضح في مؤشرات التقلب، إذ تراجع مؤشر MOVE لقياس تقلبات سوق السندات إلى أدنى مستوى له منذ نحو أربع سنوات، كما تراجع مؤشر VIX للأسهم إلى أدنى مستوى في شهر.
ويرى خبراء أن هذا الانخفاض في التقلبات يعكس ثقة نسبية في مسار السياسة النقدية الأميركية، لكنه أيضًا يشير إلى احتمالية مفاجآت لاحقة في حال جاءت بيانات التضخم المقبلة أعلى من المتوقع. وحتى الآن، تبقى الأسواق في حالة «هدوء ما قبل العاصفة» في انتظار ما سيقوله رئيس الفدرالي جيروم باول غدًا.
تحركات العملات: الين يرتفع واليوان الصيني عند أعلى مستوياته في شهر
على صعيد العملات، ارتفع الين الياباني بأكثر من 0.8% أمام الدولار، مدعومًا بتصريحات وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الذي دعا إلى «سياسة نقدية أكثر توازنًا» خلال لقائه نظيره الياباني، وهو ما اعتُبر تلميحًا إلى بطء بنك اليابان في رفع الفائدة.
أما اليوان الصيني فقد واصل مكاسبه ليتجاوز أقوى مستوياته منذ أكثر من شهر، مع اقتراب انعقاد قمة قادة أميركا والصين هذا الأسبوع في كوريا الجنوبية. ويرى متعاملون أن الأسواق تراهن على انفراجة في العلاقات التجارية بين البلدين بعد فترة من التوترات، وهو ما ينعكس إيجابًا على عملات آسيا وعلى مزاج المستثمرين العالميين.
الأسواق الأوروبية والإسبانية في صدارة الأداء
وفي أوروبا، سجل مؤشر IBEX 35 الإسباني مستوى قياسيًا جديدًا متجاوزًا قمته السابقة في نوفمبر 2007، مدعومًا من الأداء القوي للبنوك المحلية مثل سانتاندير الذي قفز سهمه بنحو 90% منذ بداية العام. ويُعزى هذا الأداء إلى تسارع النمو الاقتصادي الإسباني مقارنة بنظرائه في منطقة اليورو، إلى جانب استفادة القطاع المصرفي من ارتفاع أسعار الفائدة على القروض.
أما مؤشر ستوكس 600 الأوروبي فقد تراجع بشكل طفيف بنسبة 0.3% وسط حذر المستثمرين قبيل قرارات البنوك المركزية الكبرى، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان اللذان يُتوقع أن يثبّتا السياسة النقدية دون تغيير يُذكر.
النفط تحت ضغط العقوبات الأميركية على روسيا وقرارات “أوبك”
في أسواق الطاقة، بقيت أسعار النفط مستقرة نسبياً رغم ضغوط العرض والطلب المتقلبة. ويراقب المستثمرون تأثير العقوبات الأميركية الجديدة على شركتين روسيتين رئيسيتين، فيما تتجه الأنظار إلى اجتماع “أوبك+” القادم الذي قد يشهد مناقشة تخفيضات إضافية للإنتاج. وبرغم التوترات، فإن انخفاض أسعار الذهب والتراجع الطفيف في الدولار قد يدعمان أسعار الخام مؤقتًا.
قرارات مرتقبة وأسبوع مزدحم بالنتائج
إلى جانب قرارات السياسة النقدية، يترقب المستثمرون نتائج مجموعة من الشركات الأميركية الكبرى خلال الأسبوع، من بينها فيزا، ويونايتد هيلث، وبوكينغ، وأمازون، وميتا، وإينفيسكو، وأمريكان تاور، وريفليكس كورنينغ وغيرها. وتشكل هذه النتائج مجتمعة ما يزيد على ربع القيمة السوقية لمؤشر S&P 500، ما يجعلها عاملًا حاسمًا في تحديد اتجاه السوق للأيام المقبلة.
الأسواق بين حذر الذهب وتفاؤل التكنولوجيا
يبدو أن الذهب يتحمل عبء المرحلة الانتقالية للأسواق، إذ فقد بريقه أمام زخم الأسهم وهدوء السندات، لكن محللين يحذرون من أن هذا التراجع قد لا يستمر طويلاً إذا تراجعت وتيرة خفض الفائدة أو تجددت التوترات الجيوسياسية. أما على الجانب الآخر، فتواصل شركات الذكاء الاصطناعي تعزيز التفاؤل، مدفوعة بتوسع الاستثمارات في الرقائق والبنى التحتية الرقمية.
ومع اقتراب نهاية الشهر، يتضح أن الأسواق تسير على حبل دقيق بين التفاؤل التكنولوجي والقلق النقدي، وأن أي مفاجأة في قرار الفدرالي أو بيانات التضخم المقبلة قد تغيّر الاتجاه بسرعة. في الوقت ذاته، تبقى الأنظار معلّقة على ما إذا كان الذهب سيحافظ على مستوياته الحالية كحدٍّ نفسيٍّ للمستثمرين، أم أن دورة التصحيح ستتواصل نحو مستويات أدنى خلال الأسابيع المقبلة.
ما سبب تراجع أسعار الذهب هذا الأسبوع؟
الهبوط الحاد يعود إلى التفاؤل بشأن اتفاق تجاري بين أميركا والصين، وتراجع الطلب على الملاذات الآمنة، إلى جانب توقعات خفض الفائدة الأميركية مما يقلل جاذبية الذهب كأصل غير مدر للعائد.
هل يمكن أن يستعيد الذهب زخمه قريبًا؟
يعتمد ذلك على موقف الفدرالي الأميركي وبيانات التضخم القادمة. في حال استمر التيسير النقدي وعودة التوترات التجارية أو الجيوسياسية، قد يعاود الذهب الارتفاع فوق 4000 دولار مجددًا.
كيف تؤثر قرارات الفدرالي على الأسواق العالمية؟
قرارات الفدرالي بشأن الفائدة والسيولة تؤثر بشكل مباشر على الدولار، وأسعار السندات، وتدفقات الاستثمار نحو الأسهم والسلع. خفض الفائدة عادة ما يدعم الأسهم ويضغط على الذهب والدولار في المدى القصير.






















