الدولار الأميركي يغيّر اتجاهه؟ قراءة معمّقة في رؤية «باركليز» وفرص المتداولين
مختصر النقاط الرئيسية
- «باركليز» يرى أن انعكاس تداول الدولار الأميركي قد يمتد، بدعم عوامل أوروبية ويابانية وأميركية.
- اليورو كسر متوسط 100 يوم، ما قد يفعّل بيعًا منهجيًا إضافيًا ويعزّز مؤشر الدولار.
- إعادة تسعير الين بعد فوز «تاكائيشي» تضغط على توقعات قوة الين، لصالح الدولار.
- تمركزات بيعية مفرطة على الدولار قد تُسرّع أي موجة تغطية مراكز قصيرة.
- تحسّن متوقع في النمو الأميركي مع «باي أميركا/الذكاء الاصطناعي» قد يدعم تدفقات لصالح العملة.
- قوة الدولار لم تؤذِ الأصول الخطرة بعد، لكنها قد تدفع سلوكًا دفاعيًا إذا اشتدت.
لماذا يتحدّث «باركليز» عن انعطافة محتملة في الدولار الأميركي؟
بحسب مذكرة صادرة يوم الجمعة، يشير «باركليز» إلى أن «التحوّل الأخير في الدولار الأميركي قد يمتلك زخمًا كافيًا للاستمرار». يأتي ذلك بعد عام شهد تراجع العملة الخضراء بنحو 12% من ذُرى يناير، وسط تصاعد مخاوف السوق بشأن «ترمبونومكس» وما تعنيه من أسئلة حول الانضباط المالي، وسياسات التعرفة الجمركية، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، يرى البنك أن توازن القوى تغيّر تدريجيًا منذ الصيف؛ إذ خفّ وهج البيع القائم على السرد السياسي، في حين ارتفع زخم العوامل المتعدّدة الداعمة للدولار.
هذا التحوّل لا يعني اندفاعة صعودية جامحة بقدر ما يعني تقليص فجوة الأداء بين الدولار من جهة، والأسهم الأميركية والسندات من جهة أخرى. فبينما عادت مؤشرات الأسهم القيادية للصعود، وبدا عائد الخزانة الأميركي أكثر تماسكًا، ظل الدولار في مسار تعافٍ خافت. هنا يلفت «باركليز» النظر إلى عنصرين أساسيين: تمركزات مفرطة بالبيع على الدولار، وعودة المخاطر الخارجية التي تحد من قدرة العملات المنافسة—وعلى رأسها اليورو والين—على تحقيق تفوق مستدام.
اليورو تحت الضغط: كسر تقني وإشارات بيع منهجي
يشير التقرير إلى أن اليورو كسر هذا الأسبوع متوسط 100 يوم، وهو مستوى تقني يُراقبه المتداولون الخوارزميون ومديرو الأنظمة المتّبعة للاتجاه. تاريخيًا، يُعد هذا النوع من الكسور بمثابة إشارة لإضافة مراكز بيع منهجية، خاصة عندما يتزامن مع اهتزاز في الأساسيات. ومن ناحية الأساسيات، يبرز «باركليز» مخاطر سياسية متجدّدة في فرنسا، فضلًا عن «مخاوف التنفيذ» المحيطة بالحزمة التحفيزية الألمانية. هذه المزيج يعيد إنتاج عائق معروف أمام ارتفاع اليورو: تباين زخم النمو والسياسة المالية بين أوروبا والولايات المتحدة.
من الناحية العملية، يعني الضغط التقني والأساسي على اليورو أنّ أي ارتداد قصير قد يُقابل بعروض بيع جديدة، ما يخلق بيئة مواتية نسبيًا للدولار. وبالنسبة للمتداولين، يصير مراقبة سلوك السعر قرب مستويات استرداد فيبوناتشي، أو قيعان تأكيدية حديثة، جزءًا أساسيًا من خطة إدارة المخاطر، لا سيما مع حساسية الأزواج الرئيسة—مثل اليورو/الدولار—للتدفّقات الميكانيكية في استراتيجيات «الترند فولونغ».
الين وإعادة التسعير بعد فوز «تاكائيشي»: زاوية جديدة لصالح الدولار
تُضيف الساحة اليابانية طبقة أخرى لصورة العملة الأميركية. فوز «تاكائيشي» فاجأ الأسواق ودفع إلى إعادة تسعير لتوقعات الين، ما يعني—في قراءة باركليز—تراجع سرعة سيناريو «قوة الين» الذي كان يستند جزئيًا إلى احتمالات تشديد أسرع أو تغير في تواصل السياسة. إذا أصبحت توقّعات تشديد السياسة أكثر تدرّجًا، يتبدد جزء من أطروحة الين القوي، وتستعيد أزواج مثل الدولار/ين قدرة على التماسك أو الارتفاع، خاصة إذا تزامن ذلك مع استقرار نسبي في عوائد الخزانة الأميركية الحقيقية.
علاوة على ذلك، فإن تحسّن شهية المخاطرة العالمية—لو حدث—لا يضمن بالضرورة قوة الين كما في دورات سابقة؛ إذ تلعب فروقات العوائد بعد تعديلات التضخم دورًا حاسمًا، وكذلك تدفقات محافظ عالمية تبحث عن أرباح موزونة بالمخاطر، وقد تجدها في أدوات أمريكية معززة بزخم نمو ونفقات رأسمالية المرتبطة بـاقتصاد الذكاء الاصطناعي.
تمركزات السوق والذهب: لماذا يهمّ شكل الرهانات؟
تُشير المذكرة إلى أن تمركزات المستثمرين على الدولار ما تزال شديدة القِصر—أي أن كثيرين يراهنون على ضعف الدولار—وهو ما يزيد حساسية السوق لأي مفاجآت داعمة للعملة. في مثل هذه الحالات، لا يحتاج الأمر إلى «أخبار عظيمة» بقدر ما يحتاج إلى «غياب أخبار سيئة» لكي تنطلق موجة تغطية المراكز القصيرة. هذا ما يفسّر أحيانًا ارتدادات سريعة في مؤشر الدولار دون تغيّر جوهري في «الستوري» الكلي.
على الجانب المقابل، يستمر الذهب في لعب دور الميزان. فقد قفز المعدن الأصفر بقوة هذا العام مدفوعًا بمزيج المخاطر الجيوسياسية، واستراتيجيات التحوّط المؤسساتي، والطلب الرسمي. ارتفاع الذهب غالبًا ما يُقرأ كتصويت بعدم اليقين، لكنه لا يمنع في الوقت نفسه من تحسّن الدولار إذا كانت دوافع شراء الذهب «غير مرتبطة مباشرة بضعف الدولار»، كأن تكون مرتبطة بملاذية بحتة أو بهياكل تمويلية جديدة في قطاع الذكاء الاصطناعي والطاقة. النتيجة: قد نرى فترات يتعايش فيها صعود الذهب مع تماسك الدولار، قبل أن يميل أحدهما لجرّ الآخر بحسب دفقات الأخبار.
«باي أميركا» وذروة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي: قناة تدفقات لصالح الدولار الأميركي
ينبّه «باركليز» إلى أنّ المحرّك البنيوي الأهم ربما يكون الموجة الاستثمارية في الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، واصطلاح «باي أميركا» الذي يحفّز سلاسل توريد محلية وتمويلات عملاقة للبنى التحتية الرقمية. تؤدي هذه الموجة إلى تدفقات رأسمالية—مباشرة وغير مباشرة—تدعم الأصول المقوّمة بالدولار، وتزيد الطلب على العملة بغرض التمويل والتحوّط. إذا ترافق ذلك مع تيسير الأوضاع المالية داخليًا وتحوّلٍ طفيف في الدورة الائتمانية، فسيكون لدينا محور دعم إضافي للدولار في 2026/2025 حتى لو ظلّت السياسة النقدية في مسار خفض تدريجي للفائدة.
في هذه البيئة، يظل سعر الصرف لعبة فروقات: فروق العوائد الحقيقية، فروق النمو الآجل، وفروق الإنتاجية. ومع كون الولايات المتحدة في مركز ثقل دورة استثمارية كثيفة رأس المال، فإن توازن المخاطر قد يميل لصالح الدولار على المدى المتوسط، ولو مع تذبذب قصير الأمد.
هل يعود «قوّي جدًا»؟ السعة المتبقية قبل التأثير على الأصول الخطرة
يُقرّ «باركليز» بأن ارتفاع الدولار الأميركي حتى الآن لم يُشكّل «رأس ريح» واضحًا أمام الأصول الخطرة، لكن المزيد من القوة قد يدفع المستثمرين لاتخاذ وضعيات دفاعية. تاريخيًا، تتضرر الأسهم العالمية والأسواق الناشئة حين يشتد الدولار عبر ثلاث قنوات: تشديد الأوضاع المالية، وارتفاع تكلفة التمويل بالدولار، وتراجع شهية المخاطرة. المفاضلة هنا دقيقة: دولار قوي بسبب نمو أميركي أفضل قد لا يؤذي شهية المخاطرة فورًا، بينما دولار قوي بسبب صدمة مخاطر سيبدو أكثر إيذاءً للأسهم والسلع.
بالنسبة للنفط والمعادن الصناعية، قد يضغط الدولار الأقوى على الأسعار الاسمية، لكن يظل الميزان النهائي رهن ديناميكيات العرض/الطلب الأساسية، وسرعة استثمارات الطاقة والانتقال الأخضر، والإنفاق الرأسمالي في أشباه الموصلات و«الداتا سنترز».
دلالات عملية للمتداولين: إدارة المخاطر أولًا
1) اليورو/الدولار: احترام الإشارات التقنية
مع كسر متوسط 100 يوم، قد تُفعّل خوارزميات متابعة الاتجاه مزيدًا من البيع. استراتيجية تكتيكية محتملة: انتظار إعادة اختبار المستوى المكسور لتقييم فشل/نجاح الارتداد، مع وقف خسارة مُحكَم وتدرّج في بناء المراكز. مراقبة شهية المخاطرة الأوروبية، وعناوين السياسة الفرنسية/الألمانية، تبقى ضرورية.
2) الدولار/ين: القراءة عبر العوائد الحقيقية
أي تماسك في العوائد الحقيقية الأميركية مع إعادة تسعير الين قد يمنح الزوج زخمًا صعوديًا متقطعًا. متابعة مفاجآت البيانات اليابانية، ولغة بنك اليابان، ضرورية للفصل بين «تذبذب تكتيكي» و«تحوّل بنيوي».
3) الذهب مقابل الدولار: ليست علاقة صفرية دائمًا
صعود الاثنين معًا ليس مستحيلًا إذا جاءت دوافع الذهب «ملاذية/مؤسساتية» ودوافع الدولار «نمو/تدفّقات». لذلك، تُصبح الفواصل الزمنية مهمة: ما يحدث على أفق أسبوعي قد يختلف جذريًا عن أفق يومي. تقسيم الأطر وإدارة المخاطر بخطوات جزئية يبقى الخيار الأذكى.
4) الانكشاف على الأصول الخطرة
طالما أن قوة الدولار «نظيفة» مدفوعة بنمو أميركي، قد لا تتضرر الأصول الخطرة فورًا. لكن إن تسارع الدولار فوق مستويات مفصلية تاريخية، فربما يجدر تخفيف التعرض الدوري ورفع جودة المحافظ (Defensive Tilt) مرحليًا.
يضع «باركليز» إطارًا يقترح أن انعطافة الدولار الأميركي ليست مجرد ارتداد عابر، بل حركة مدعومة بمزيج من ضغط على منافسيه (اليورو/الين) وتحسّن نسبي في الأساسيات الأميركية والتدفقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. على المتداولين احترام إشارات المتوسطات الرئيسية، والتمييز بين زخم «نظيف» داعم للمخاطر، وزخم «انكفائي» يستدعي دفاعية أعلى.






















