الاحتياطي الفيدرالي يعود إلى الواجهة مجدداً وسط تراجع الدولار وارتفاع الذهب
تشهد الأسواق العالمية حالة من الارتياح الحذر صباح الأربعاء، بعدما عادت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول لتتصدر المشهد المالي، مع إشارته إلى أن المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة لا تزال مطروحة هذا العام، في وقت يتراجع فيه الدولار مجددًا ويواصل الذهب صعوده القياسي.
وبينما تستمر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في خلق تقلبات حادة بالأسواق، يبدو أن المتعاملين اختاروا هذه المرة التركيز على إشارات التيسير النقدي القادمة من الفيدرالي، ما منح الأسهم العالمية دفعة قوية بعد جلسات عصيبة شهدت موجات بيع متكررة.
الفيدرالي يخفف نبرة التشديد النقدي
قال باول في تصريحاته يوم الثلاثاء إن البنك المركزي الأمريكي مستعد لتقليص وتيرة سحب السيولة من ميزانيته العمومية في وقت قريب، مشيرًا إلى أن دورة التشديد النقدي قد وصلت إلى نهايتها. وأضاف أن الفيدرالي يتابع البيانات الاقتصادية بعناية، وأن أي تباطؤ إضافي في سوق العمل أو ضعف في الإنفاق الاستهلاكي سيقابل بسياسات دعم إضافية.
هذه الإشارات عززت توقعات الأسواق بخفض أسعار الفائدة بما يقارب 48 نقطة أساس بحلول ديسمبر المقبل، وفقًا لبيانات عقود المقايضات. كما أدت إلى هبوط الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية، بينما واصل الذهب تسجيل أرقام قياسية جديدة فوق مستويات 4,050 دولارًا للأوقية، وسط إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة.
الذهب يواصل الصعود والدولار يتراجع
ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 1.15% في التعاملات الفورية، بينما زادت العقود الآجلة بنحو 1.08%، مستفيدة من ضعف العملة الأمريكية وتراجع عوائد السندات الأمريكية. ويُنظر إلى تراجع الدولار كعامل دعم رئيسي للمعدن الأصفر، خاصة في ظل عودة الحديث عن خفض الفائدة.
في المقابل، تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.4% إلى أدنى مستوى له في أسبوعين، متأثرًا بتوقعات السياسة النقدية الجديدة. كما انخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات إلى 3.76%، وهو أدنى مستوى لها منذ سبتمبر، ما عزز الإقبال على الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب والفضة.
التوترات التجارية بين أميركا والصين لا تزال حاضرة
ورغم التفاؤل المؤقت في الأسواق، لا تزال المخاوف قائمة بشأن مستقبل العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين. فقد حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إمكانية إنهاء بعض العلاقات التجارية مع الصين، بما في ذلك واردات الزيوت النباتية، في حال لم تُظهر بكين استعدادًا لتقديم تنازلات في ملف المعادن الحيوية.
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت الأسبوع الماضي عن نيتها فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة اعتبارًا من الأول من نوفمبر، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا جديدًا في الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر عالميًا.
وقال الممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير إن تطبيق هذه الرسوم يعتمد على «سلوك الصين» في الأسابيع المقبلة، مؤكدًا أن واشنطن مستعدة لتأجيلها إذا أظهرت بكين جدية في المفاوضات، لكنه أقر بأن «من الصعب على الصين إيجاد مخرج سياسي سريع» من الأزمة الحالية.
الأسواق الأوروبية تترقب بتفاؤل حذر
تشير العقود الآجلة للأسهم الأوروبية إلى افتتاح مرتفع بنحو 1% في تعاملات الأربعاء، مدعومة بتصريحات باول وبأداء إيجابي في الأسواق الآسيوية. كما ساهم تراجع عوائد السندات الأمريكية في تحسين شهية المخاطرة لدى المستثمرين في أوروبا، وسط توقعات بارتفاع مؤشرات مثل ستوكس 600 وداكس الألماني.
ويرى محللون أن الأسواق الأوروبية ستظل حساسة تجاه تطورات الفيدرالي الأمريكي، خاصة مع اقتراب صدور البيج بوك — التقرير الدوري لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يقدّم صورة شاملة عن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة — والمقرر نشره في وقت لاحق اليوم.
الأنظار تتجه إلى أرباح البنوك الأميركية
من المنتظر أن تعلن كل من بنك أوف أمريكا ومورغان ستانلي نتائجها الفصلية اليوم، بعد أن قدمت البنوك الكبرى مثل جيه بي مورغان وغولدمان ساكس نتائج قوية في اليوم السابق. ويتوقع المحللون أن تظهر الأرقام استمرار النمو في إيرادات الخدمات المصرفية الاستثمارية وتمويل الشركات، مدفوعة بنشاط قوي في أسواق الأسهم والائتمان.
وسجّلت أسهم بنك أوف أمريكا ارتفاعًا بنسبة 2.52% في جلسة الثلاثاء، بينما زاد سهم مورغان ستانلي بنسبة 0.14%، وسط تفاؤل بتعافي هوامش الربح مع انخفاض تكاليف التمويل المرتبطة بتوقعات خفض الفائدة.
سياسات متباينة في اليابان وفرنسا تزيد من ضبابية المشهد
في آسيا، قالت وسائل إعلام يابانية إن البرلمان لم يتوصل إلى اتفاق بشأن تحديد موعد التصويت لاختيار رئيس الوزراء الجديد في 21 أكتوبر، ما يزيد من حالة عدم اليقين السياسي. وتواجه المرشحة البارزة سناء تاكايتشي تحديات كبيرة في سعيها لأن تصبح أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ اليابان.
أما في أوروبا، فقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو تعليق إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل إلى ما بعد انتخابات 2027، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتهدئة الشارع الفرنسي بعد احتجاجات متواصلة منذ بداية العام.
نظرة شاملة: الأسواق بين تفاؤل نقدي ومخاطر جيوسياسية
يبدو أن المستثمرين يسيرون على حبل مشدود بين تفاؤلهم بعودة السياسة النقدية التيسيرية من جهة، وقلقهم من اشتداد المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين من جهة أخرى. ويقول محللون إن الأسواق قد تدخل مرحلة «التقلب المتوازن»، حيث تتحرك الأسعار ضمن نطاقات محدودة مع تفاعل سريع مع الأخبار الاقتصادية والسياسية.
ويشير مراقبون إلى أن تصريحات باول الأخيرة منحت الأسواق «نافذة أمل قصيرة»، لكنها لا تضمن استقرارًا طويل الأمد، خصوصًا أن التوترات الجيوسياسية ما زالت قادرة على قلب الاتجاهات في أي لحظة.
الخلاصة
يبدو أن الفيدرالي الأمريكي استعاد موقعه المركزي في توجيه دفة الأسواق، ولو مؤقتًا، في وقت يواصل فيه المستثمرون موازنة بين رهانات خفض الفائدة ومخاطر السياسة العالمية. ومع بقاء الذهب في مستويات قياسية وتراجع الدولار، يبقى السؤال الأهم: هل ينجح الاحتياطي الفيدرالي في إنقاذ الأسواق من صدمة الحرب التجارية؟
ما سبب ارتفاع أسعار الذهب رغم هدوء الأسواق؟
الذهب يرتفع بسبب تراجع الدولار وتوقعات خفض الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، ما يقلل من تكلفة الاحتفاظ بالمعدن الثمين ويزيد جاذبيته كملاذ آمن.
هل سيخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قريبًا؟
تتوقع الأسواق خفضًا تدريجيًا بمقدار 48 نقطة أساس بحلول ديسمبر، استنادًا إلى تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول التي أشارت إلى مرونة السياسة النقدية.
ما تأثير التوترات بين أميركا والصين على الأسواق؟
التوترات التجارية بين القوتين تظل عامل ضغط رئيسي على الأسواق، إذ تهدد بتقويض النمو العالمي ورفع مستويات التضخم، رغم التفاؤل المؤقت الحالي.
ما المتوقع من نتائج البنوك الأميركية الكبرى؟
يتوقع المحللون استمرار الأداء القوي في أرباح البنوك بدعم من ارتفاع نشاط الإقراض والتمويل الاستثماري، رغم الضغوط الناتجة عن تباطؤ النمو الاقتصادي.






















