الأسواق العالمية تستعيد توازنها رغم الضبابية السياسية وتفاؤل المستثمرين بخفض الفائدة الأمريكية
استعادت الأسهم والسندات العالمية بعض استقرارها خلال تعاملات الثلاثاء، بعدما هزّت الاضطرابات السياسية في فرنسا واليابان والولايات المتحدة ثقة المستثمرين مؤقتًا، من دون أن تُعكّر تفاؤل الأسواق حيال خفض محتمل لأسعار الفائدة الأمريكية في الأشهر المقبلة.
ضبابية سياسية تعكّر صفو الأسواق الأوروبية
في أوروبا، واصل اليورو تراجعه للجلسة الثانية على التوالي، بينما شهدت البورصات الأوروبية انخفاضات محدودة وسط حالة ترقب للأزمة السياسية في فرنسا بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو يوم الاثنين، والتي دفعت ثاني أكبر اقتصاد في القارة إلى حالة من الغموض السياسي العميق.
سجّل مؤشر ستوكس 600 الأوروبي تراجعًا بنحو 0.2% بعد أن كان قد بلغ مستويات قياسية الأسبوع الماضي، بينما انخفض مؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 0.3%، مواصلًا خسائره التي كانت الأكبر منذ نهاية أغسطس الماضي. أما العائد على السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات فقد ارتفع بنحو 2.4 نقطة أساس إلى 3.59%، ما يعكس زيادة في المخاطر السياسية التي تواجهها باريس.
ويُجري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشاورات أخيرة مع قادة الأحزاب السياسية سعيًا لتجنب فراغ حكومي جديد، في وقت تشير فيه التقديرات إلى احتمال تشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة لتفادي أزمة ثقة برلمانية.
الين الياباني تحت الضغط رغم عودة الاستقرار إلى السندات
في آسيا، أبدى المستثمرون اهتمامًا قويًا بسندات الحكومة اليابانية خلال مزاد اليوم، في مؤشر على تراجع حالة التوتر التي سادت الأسواق عقب انتخاب ساناي تاكايشي زعيمة جديدة للحزب الحاكم، والتي تُعرف بدعمها لسياسات الإنفاق الحكومي الواسعة.
تراجع الين الياباني مجددًا إلى أضعف مستوياته في شهرين قرب 150 ينًا للدولار، ما دفع وزير المالية كاتسونوبو كاتو إلى التحذير من “تقلبات مفرطة في سوق العملات”. وقال في تصريح مقتضب: «نراقب تحركات العملة عن كثب وسنتخذ الإجراءات اللازمة إذا لزم الأمر».
ويرى المحللون أن التحول السياسي في اليابان يعزز التوقعات باستمرار السياسة النقدية التيسيرية، مما يقلل احتمالات أي رفع قريب للفائدة من جانب بنك اليابان. وقال طارق هورشاني، رئيس قسم الوساطة في Maybank Securities، إن “التحول السياسي عزز التوقعات بأن الأولوية ستكون للتحفيز المالي لا للتشديد النقدي، وهو ما يضعف الين أكثر”.
تفاؤل عالمي مدعوم بصفقة AMD وOpenAI
على الرغم من هذه الاضطرابات، بقيت مؤشرات الأسهم العالمية بالقرب من مستوياتها القياسية. فقد دعم تفاؤل المستثمرين بشأن تخفيضات محتملة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي شهية المخاطرة، إلى جانب موجة جديدة من الحماس تجاه أسهم الذكاء الاصطناعي بعد صفقة ضخمة بين شركتي AMD وOpenAI بقيمة مليارات الدولارات لتوريد الرقائق عالية الأداء.
وقال الاقتصادي في Daiwa Capital كريس سيسكلونا إن “الرواية الأساسية في الأسواق ما زالت تتمحور حول خفض الفائدة الأمريكية، وهو اتجاه سيستمر على الأرجح حتى نهاية العام وربما يمتد إلى العام المقبل”. وأضاف: “عندما نضيف إلى ذلك الطفرة في قطاع الذكاء الاصطناعي، فإننا أمام مزيج يضمن استمرار الطلب على الأصول عالية المخاطر رغم الضجيج السياسي”.
الأسواق الأمريكية بين الإغلاق الحكومي والتوقعات النقدية
في الولايات المتحدة، تواصل الإغلاق الحكومي للأسبوع الثاني على التوالي من دون مؤشرات واضحة على انفراج سياسي، إلا أن تأثيره على الأسواق المالية بدا محدودًا حتى الآن. فقد تراجعت العقود الآجلة لمؤشرات وول ستريت بنحو 0.1% فقط، بعد أن سجلت المؤشرات القياسية أعلى مستوياتها التاريخية يوم الاثنين.
ويتوقع المستثمرون أن تدفع حالة التباطؤ الاقتصادي الحكومة الأمريكية والبنك المركزي إلى اتخاذ خطوات تحفيزية إضافية خلال الربع الأخير من 2025، خصوصًا مع ارتفاع الرهانات على خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع ديسمبر المقبل.
تحركات العملات والسلع
ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 0.3% أمام سلة من العملات الرئيسية، مدعومًا بهبوط اليورو إلى 1.168 دولار وتراجع الين إلى مستويات قياسية منخفضة. في المقابل، شهدت العملات الرقمية استقرارًا نسبيًا، إذ ظل البيتكوين قريبًا من ذروته التاريخية عند 126,000 دولار، مرتفعًا بنسبة طفيفة بلغت 0.01%.
أما في أسواق السلع، فقد حافظت أسعار النفط على مكاسب طفيفة، إذ ارتفع خام برنت بنسبة 0.17% إلى 65.58 دولارًا للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط 0.16%. في المقابل، واصلت أسعار الذهب تسجيل مستويات قياسية جديدة عند 3,977.19 دولارًا للأونصة، مدعومة بمخاوف المستثمرين من المخاطر السياسية والاقتصادية العالمية.
البنك الدولي يرفع توقعات نمو الصين
أصدر البنك الدولي تقريره الجديد الذي رفع فيه توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني لعام 2025، مشيرًا إلى تحسن النشاط الصناعي والإنفاق الاستهلاكي. وأوضح التقرير أن الاقتصاد الصيني قد يسجل نموًا يتجاوز 4.8% العام المقبل، بفضل دعم السياسات الحكومية وتوسع الائتمان، لكنه حذر من تباطؤ محتمل في 2026 نتيجة ضعف الطلب الخارجي وتراجع وتيرة الاستثمار.
كما رفع البنك توقعاته للنمو في بقية دول آسيا والمحيط الهادئ، مؤكدًا أن المنطقة تظل محركًا رئيسيًا للنمو العالمي رغم الضغوط التضخمية وتحديات سلاسل الإمداد.
نظرة ختامية: التفاؤل يواجه ضوضاء السياسة
في المجمل، تعكس تحركات الأسواق العالمية خلال الأسبوع مزيجًا من الثقة والقلق، حيث لا تزال التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية تحافظ على نغمة التفاؤل السائدة، فيما تشكل الاضطرابات السياسية في أوروبا وآسيا مصدر قلق مؤقت أكثر منه تهديدًا طويل الأمد.
وبينما يتجه المستثمرون نحو نهاية العام، يبدو أن “الضوضاء السياسية” لن توقف زخم الأسواق الصاعدة طالما ظل الدعم النقدي قائماً والإنفاق العام في الاقتصادات الكبرى في ازدياد.
تنويه من جولد إيجلز
جميع التحليلات والبيانات الواردة في هذا المقال هي لأغراض إعلامية فقط ولا تشكّل نصيحة استثمارية مباشرة. «جولد إيجلز» لا تتحمل أي مسؤولية عن القرارات المالية أو التداولية التي يتخذها القرّاء بناءً على هذا المحتوى.






















