الأسواق الآسيوية تنتعش والدولار يتراجع مع رهانات خفض الفائدة الأمريكية
تعافت الأسواق الآسيوية صباح الأربعاء بعد موجة خسائر حادة، مستفيدة من تصريحات حذرة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، الذي ألمح إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة قريباً، ما أعاد الثقة للمستثمرين ودفع الدولار إلى التراجع أمام سلة من العملات العالمية.
باول يفتح الباب أمام خفض الفائدة
قال جيروم باول خلال كلمته مساء الثلاثاء إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يقترب من إنهاء مرحلة تشديد السياسة النقدية وتقليص الميزانية العمومية، مشيراً إلى أن «نهاية دورة التشديد قد تكون قريبة». وقد فُسرت تصريحاته على نطاق واسع بأنها إشارة إلى تحول السياسة النقدية نحو التيسير خلال الأشهر المقبلة.
ووفقاً لبيانات الأسواق، تسعّر العقود الآجلة حالياً نحو 48 نقطة أساس من خفض الفائدة بحلول ديسمبر، وهو ما يعزز التوقعات بأن الفيدرالي سيعلن خفضاً مقداره 25 نقطة أساس في اجتماعي أكتوبر وديسمبر على التوالي.
وقال توم كيني، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ANZ، إن «الفيدرالي الأميركي يبدو مستعداً لإنهاء سياسة التشديد في أقرب وقت، وربما يعلن عن ذلك رسمياً في الاجتماع القادم، مما سيدعم السيولة ويحفّز الأسواق الناشئة».
أداء إيجابي في الأسواق الآسيوية
ارتفع مؤشر MSCI لأسهم آسيا والمحيط الهادئ خارج اليابان بنسبة 0.45%، مدعوماً بمكاسب في أسواق الصين وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية. كما صعد مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 0.8% بعد تراجعه الحاد في الجلسة السابقة بنسبة 2.6%، ليعكس جزءاً من خسائره وسط تحسّن المزاج العام في الأسواق العالمية.
وجاء الانتعاش الآسيوي بدعم من نتائج إيجابية لأرباح البنوك الأميركية الكبرى، إضافة إلى رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2025، وهو ما ساعد في تهدئة المخاوف التي أثارها تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
تأثير التوتر التجاري ما زال قائماً
ورغم التحسّن النسبي، ظلت حالة الحذر مسيطرة على المستثمرين، بعدما صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن واشنطن تدرس إنهاء بعض العلاقات التجارية مع بكين، بما في ذلك واردات الزيوت النباتية، في إشارة إلى أن التصعيد التجاري لم يصل إلى نهايته بعد.
كما فرضت كل من الولايات المتحدة والصين رسوماً إضافية على شركات النقل البحري التي تنقل السلع بين البلدين، في تصعيد جديد للنزاع التجاري المستمر منذ أكثر من عام. وقد أدى ذلك إلى تراجع شهية المخاطرة، خصوصاً في أسواق السلع.
وقال توني سيكامور، المحلل لدى IG، إن «الأسواق بدأت تدرك أن الوصول إلى هدنة تجارية دائمة سيكون صعباً، إذ تميل واشنطن إلى إطلاق التهديدات قبل أن تتراجع عنها، مما يزيد من تقلبات السوق على المدى القصير».
تحركات العملات العالمية
انخفض الدولار الأميركي أمام الين بنسبة 0.25% ليسجل 151.42 ين، وتراجع أمام الفرنك السويسري إلى 0.8009، في حين ارتفع اليورو بشكل طفيف إلى 1.1611 دولار. ويرى محللون أن التراجع الطفيف للدولار يعكس زيادة ثقة المستثمرين في خفض الفائدة الأميركية القريب.
أما الين والفرنك السويسري فقد استفادا من تراجع شهية المخاطرة وعودة الطلب على الملاذات الآمنة، خاصة بعد أن أظهرت بيانات تباطؤاً في نمو الصادرات الصينية.
الذهب يواصل الصعود القياسي
واصل الذهب ارتفاعه القياسي ليصل إلى مستوى 4,179.80 دولاراً للأونصة، مدعوماً بتزايد التوترات الجيوسياسية وضعف الدولار وتزايد الرهانات على خفض الفائدة الأميركية. ويعتبر الذهب الرابح الأكبر من التحولات في السياسة النقدية العالمية، حيث تتجه صناديق الاستثمار الكبرى لزيادة حيازاتها من المعدن الأصفر كتحوط ضد التضخم والتقلبات السياسية.
وقال محللون لدى «جيه بي مورغان» إن استمرار تراجع الدولار وتزايد احتمالات الخفض المزدوج للفائدة خلال 2025 قد يدفع الذهب لتسجيل مستوى 4,300 دولار للأونصة قبل نهاية العام.
أسعار النفط تتراجع بهدوء
في المقابل، تراجعت أسعار النفط بشكل طفيف مع تحسن المعروض العالمي. فقد انخفض خام برنت بنسبة 0.1% إلى 62.33 دولاراً للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 0.07% إلى 58.66 دولاراً للبرميل. ويُرجع المتعاملون هذا الضعف إلى تراجع الطلب الصناعي في الصين وارتفاع إنتاج أوبك+ خلال الأشهر الأخيرة.
السياسة الأوروبية توفر بعض الهدوء
في أوروبا، أعلنت الحكومة الفرنسية تعليق إصلاح نظام التقاعد حتى ما بعد انتخابات 2027، مما أعطى دفعة للأسواق الأوروبية وقلل من المخاوف السياسية في باريس. وارتفعت العقود الآجلة لمؤشر يورو ستوكس 50 بنسبة 0.8%، كما سجلت العقود الآجلة لمؤشري فايننشال تايمز البريطاني وداكس الألماني ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.3% لكل منهما.
تحليل ختامي: الأسواق الآسيوية بين التفاؤل والحذر
رغم الارتداد الإيجابي في الأسواق الآسيوية، إلا أن المحللين يرون أن مسار التعافي لا يزال هشاً. فبينما تدعم تصريحات الفيدرالي التوقعات بتخفيف السياسة النقدية، تبقى التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين هي العامل الحاسم في تحديد اتجاه الأسواق خلال الربع الأخير من 2025.
وفي ظل التقلّبات المستمرة في أسعار النفط والذهب، والتحديات الجيوسياسية الممتدة، يبدو أن المستثمرين سيواصلون البحث عن توازن بين العوائد والمخاطر، في وقت تتجه فيه السيولة نحو الأصول الآمنة بشكل متزايد.
ما أسباب تعافي الأسواق الآسيوية اليوم؟
التعافي جاء نتيجة لتصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التي أعادت الآمال بخفض الفائدة قريباً، إضافة إلى نتائج إيجابية لأرباح البنوك الأميركية ورفع صندوق النقد الدولي لتوقعاته للنمو العالمي.
هل سيخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة فعلاً قبل نهاية العام؟
وفقاً لتوقعات الأسواق، يُتوقع خفض الفائدة مرتين في أكتوبر وديسمبر 2025 بمقدار 25 نقطة أساس لكل منهما، استجابة لتباطؤ النمو واعتدال التضخم.
كيف تؤثر التوترات التجارية الأميركية الصينية على الأسواق الآسيوية؟
هذه التوترات تزيد من تقلبات السوق وتضعف ثقة المستثمرين، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والصناعة التي تعتمد على سلاسل توريد عابرة للحدود بين الصين والولايات المتحدة.
ما مستقبل أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة؟
يتوقع المحللون استمرار صعود أسعار الذهب مع ضعف الدولار وتزايد رهانات خفض الفائدة، وقد يتجاوز المعدن الأصفر حاجز 4,300 دولار للأونصة قبل نهاية 2025.
هل يمكن أن تتعرض الأسواق الآسيوية لتقلبات جديدة؟
نعم، فالعوامل الجيوسياسية، وأسعار الطاقة، وقرارات السياسة النقدية الأميركية جميعها قد تؤدي إلى موجات تذبذب جديدة في الأسواق الآسيوية خلال الأشهر المقبلة.






















