الأسهم المصرفية العالمية تهتز مع تصاعد المخاطر الائتمانية في الولايات المتحدة
شهدت الأسهم المصرفية العالمية يوم الجمعة تراجعًا حادًا بعدما أثارت المخاوف بشأن جودة الائتمان لدى البنوك الإقليمية الأميركية موجة قلق واسعة في الأسواق، لتعيد للأذهان أزمة الثقة التي هزّت النظام المالي العالمي قبل أكثر من عامين.
موجة بيع عالمية تضرب القطاع المالي
بدأت الموجة من الولايات المتحدة بعد أن كشفت تقارير عن خسائر مفاجئة في بعض البنوك الإقليمية، ما دفع المستثمرين إلى بيع الأسهم المصرفية بكثافة، ليمتد التأثير سريعًا إلى آسيا وأوروبا. وتراجعت أسهم كبرى البنوك الأميركية مثل سيتي بنك وبنك أوف أميركا بنحو 3.5% لكل منهما، فيما انخفضت أسهم زينز بنك بنسبة تتجاوز 13% بعد إعلان خسائر غير متوقعة في قروض تجارية.
وفي أوروبا، تراجعت أسهم باركليز البريطانية ودويتشه بنك الألماني بأكثر من 6%، في حين فقدت أسهم سوسيتيه جنرال الفرنسية نحو 4.6%، وسط مخاوف من انتقال العدوى الائتمانية إلى النظام المصرفي الأوروبي.
المخاطر الائتمانية الأميركية في الواجهة من جديد
تزامنت موجة الهبوط مع مخاوف متزايدة بشأن ديون الشركات الأميركية، خصوصًا بعد إعلان إفلاس شركتي فيرست براندز وتريكولور، ما أعاد إلى الواجهة الحديث عن هشاشة سوق الائتمان الخاصة في الولايات المتحدة. وتعرضت البنوك الإقليمية التي تموّل هذه الشركات لضغوط كبيرة بعد تكبّدها خسائر في قروضها.
وقال محللون إن هذه التطورات تعيد للأذهان ما حدث عقب انهيار بنك «سيليكون فالي» عام 2023، حين أدت الخسائر في السندات إلى أزمة سيولة هزّت ثقة المستثمرين. واليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف السياق، حيث تأتي الأزمة المحتملة في وقت تشهد فيه الأسواق طفرة في أسهم الذكاء الاصطناعي وتفاؤلًا مفرطًا بتخفيضات الفائدة الأميركية.
تصريحات تحذيرية من خبراء الأسواق
قال راسل مولد، مدير الاستثمار في شركة AJ Bell، إن «جيوبًا محددة في القطاع المصرفي الأميركي تثير القلق، خصوصًا تلك التي تتعامل مع قروض الشركات الصغيرة والمتوسطة»، مؤكدًا أن الأسواق باتت «تسعّر الآن احتمال حدوث أزمة ثقة جديدة».
أما جيمس روسيتر، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في TD Securities، فأشار إلى أن «ما يحدث في وول ستريت لا يبقى هناك، بل يمتد تأثيره إلى آسيا وأوروبا بسرعة». وأضاف: «رأينا الأسهم الأميركية تهبط أولاً، ثم تبعتها الأسواق الأوروبية والآسيوية في سلسلة من ردود الفعل المتسلسلة».
الذهب يلمع وسط العاصفة
وفي ظل تراجع الثقة بالقطاع المالي، لجأ المستثمرون إلى الملاذات الآمنة، فارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة، مسجّلة أفضل أسبوع لها منذ أكثر من 17 عامًا. وزاد الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليتجاوز 4180 دولارًا للأونصة، معزّزًا مكاسبه الأخيرة التي دعمتها التوقعات بخفض الفائدة الأميركية في وقت لاحق من العام.
ويرى محللون أن هذا الارتفاع يعكس رغبة المستثمرين في التحوّط من التقلبات المحتملة في أسواق الأسهم والائتمان، خصوصًا في ظل المخاوف المتزايدة من فقاعة مالية في أسهم الذكاء الاصطناعي.
أرباح البنوك الكبرى لم تمنع الهبوط
جاءت موجة البيع رغم تحقيق البنوك الأميركية الكبرى نتائج قوية في الربع الثالث من 2025، حيث أعلنت مؤسسات مثل جي بي مورغان وغولدمان ساكس ومورغان ستانلي عن أرباح تفوق التوقعات. لكن هذه النتائج لم تكن كافية لتهدئة مخاوف السوق من أن تكون المشاكل في البنوك الإقليمية مؤشرًا مبكرًا على ضعف أعمق في النظام المالي الأميركي.
وقال ديرين ناثان، رئيس أبحاث الأسهم في هارغريفز لانسداون، إن «التركيز بدأ يتحول من أرباح البنوك إلى جودة القروض، وهو ما يضغط على المعنويات ويثير التساؤلات حول مدى صلابة الاقتصاد الأميركي بعد عامين من التشديد النقدي».
انكشاف الأسواق الخاصة وارتفاع الديون الهامشية
يشير تقرير صادر عن RBC BlueBay Asset Management إلى أن معدلات التخلف عن السداد في سوق الدين الخاص الأميركي ارتفعت إلى 5.5% في الربع الثاني من العام، مع ضعف الحماية القانونية للمستثمرين في تلك القروض. وقال كبير مسؤولي الاستثمار مارك دودينغ إن «تدهور معايير الإقراض وغياب الضمانات الكافية يؤديان إلى خسائر أكبر عند التعثر مقارنة بالماضي».
هذه البيانات، بحسب الخبراء، تزيد من حساسية الأسواق تجاه أي أخبار سلبية، وتدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية بعيدًا عن القطاع المصرفي نحو الأصول الدفاعية.
تحذيرات من “صرصور آخر في الغرفة”
وكان الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، جيمي ديمون، قد صرّح مطلع الأسبوع قائلًا: «عندما ترى صرصورًا واحدًا، فهناك بالتأكيد المزيد». في إشارة إلى أن المشكلات الائتمانية التي ظهرت ربما تكون مجرد بداية لموجة أوسع من التعثرات في السوق الأميركية.
تأثير واسع على أسواق آسيا وأوروبا
في آسيا، تراجعت أسهم البنوك اليابانية وشركات التأمين بأكثر من 3%، فيما انخفض مؤشر نيكاي بنسبة 1.2%. وفي أوروبا، خسر مؤشر ستوكس 600 ما يقرب من 3%، متأثرًا بالقطاع المالي. وتراجعت أسهم البنوك السويسرية والإسبانية أيضًا، مع ارتفاع الطلب على السندات الحكومية الألمانية والفرنسية كملاذ آمن.
ويرى محللون أن هذه الموجة من التراجع العالمي تؤكد هشاشة الثقة في القطاع المالي، رغم السيولة الكبيرة المتوفرة لدى البنوك المركزية. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة يضعف جودة الائتمان ويزيد من الضغوط على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
هل الأزمة مؤقتة أم بداية لتصحيح واسع؟
يرى عدد من الخبراء أن التراجع الحالي قد يكون تصحيحًا طبيعيًا بعد الارتفاعات القياسية التي شهدتها الأسهم المصرفية العالمية خلال العام الجاري، حيث قفزت بنحو 40% مدعومة بتفاؤل المستثمرين بالذكاء الاصطناعي وتحسّن هوامش الأرباح.
لكن محللين آخرين يحذرون من أن موجة التفاؤل المفرط قد تنقلب إلى موجة بيع واسعة إذا تزايدت حالات التعثر الائتماني. ويقول آلان ديفلين، المحلل في إمباكس أسيت مانجمنت، إن «الأسواق تطلق النار أولًا ثم تسأل لاحقًا. هناك قلق متراكم من فقاعة محتملة في سوق الائتمان الخاص».
سيناريوهات محتملة للأسابيع المقبلة
إذا استمرت الخسائر في البنوك الإقليمية الأميركية، فقد تضطر السلطات المالية إلى التدخل عبر تسهيلات تمويلية جديدة لطمأنة الأسواق. كما أن استمرار تراجع الأسهم المصرفية قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تسريع خفض أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار النظام المالي.
من ناحية أخرى، يمكن أن تستغل البنوك الكبرى الوضع لتعزيز حصتها السوقية عبر الاستحواذ على أصول أو بنوك أضعف، كما حدث في أعقاب أزمة 2023. ويبدو أن المستثمرين سيتجهون إلى الحذر الشديد في الأسابيع المقبلة مع مراقبة البيانات الائتمانية عن كثب.
في المحصلة، فإن الأسهم المصرفية العالمية تواجه اختبارًا جديدًا لمرونتها في ظل تصاعد المخاطر الائتمانية الأميركية وتزايد القلق من فقاعة مالية محتملة في أسواق الذكاء الاصطناعي والائتمان الخاص. وبينما يحاول المستثمرون موازنة المخاطر، يبقى الذهب هو الرابح الأكبر في مشهد يزداد اضطرابًا يوماً بعد يوم.
ما السبب الرئيسي لتراجع الأسهم المصرفية العالمية؟
جاء التراجع نتيجة مخاوف من خسائر الائتمان في بعض البنوك الإقليمية الأميركية، خصوصًا بعد إفلاس شركات كبرى وتراجع جودة القروض التجارية.
هل يمكن أن تتطور الأزمة إلى انهيار مصرفي واسع؟
حتى الآن، يرى الخبراء أن الأزمة محدودة النطاق، لكنها قد تتفاقم إذا استمرت حالات التعثر وازداد الضغط على البنوك الصغيرة والمتوسطة.
كيف تأثرت الأسواق العالمية بهذه التطورات؟
الأسواق الآسيوية والأوروبية شهدت تراجعات حادة، فيما ارتفع الذهب كملاذ آمن، وانخفضت شهية المخاطرة بشكل عام.
هل هناك تدخل محتمل من الاحتياطي الفيدرالي؟
من الممكن أن يلجأ الفيدرالي الأميركي إلى إجراءات استقرار جديدة أو تسريع خفض الفائدة في حال تفاقمت الأزمة الائتمانية.
هل يشير ارتفاع الذهب إلى أزمة مالية جديدة؟
ارتفاع الذهب يعكس في الأساس حالة القلق في الأسواق، لكنه لا يعني بالضرورة اندلاع أزمة شاملة، بل سعي المستثمرين للتحوّط من المخاطر.






















