اقتصاد الصين: البنك الدولي يرفع توقعات النمو إلى 4.8% رغم التوترات التجارية
خلفية قرار الرفع: أين يقف اقتصاد الصين الآن؟
يؤكد خبراء البنك الدولي أن التحسّن لم يرتبط بعامل وحيد بقدر ما كان نتيجة مزيج من سياسات الدعم المالي والنقدي، وإعادة توجيه سلاسل التوريد، وتثبيت قنوات تصريف للسلع الصينية بعيداً عن مسارات شديدة الحساسية للرسوم الأمريكية. هذا المزيج وفّر مظلة مؤقتة مكّنت اقتصاد الصين من الحفاظ على معدل نمو قريب من هدف الحكومة البالغ نحو 5%، حتى مع استمرار نقاط الضعف في الطلب المحلي.
محفزات النمو في 2025: صادرات أقوى وتحفيز موجّه
الصادرات: إعادة التوازن جغرافيًا
منذ مطلع العام، واصلت الصادرات الصينية الأداء المتفوق نسبيًا، إذ عوّضت الزيادة إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا التراجع الحاد في الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة. كما أسهمت الطلبات الاستباقية من شركات عالمية — تسعى لتأمين المخزون قبل أي تصعيد جديد في الرسوم — في تعزيز أرقام الشحن لفترات متقطعة. هذا الدعم الخارجي كان عنصرًا حاسمًا في إبقاء اقتصاد الصين على مسار نمو أعلى مما كان متوقعاً في الربيع.
التحفيز: دعامات قصيرة الأجل بدقة أعلى
اعتمدت بكين برامج تحفيز تستهدف استبدال السلع الاستهلاكية وزيادة كفاءة الإنفاق العام بدلاً من ضخ سيولة واسعة بلا تمييز. ورغم أن الدعم الحكومي وفّر رافعة مهمة للنشاط، فإن البنك الدولي يلفت إلى أن وتيرة هذا الدعم قد تتراجع تدريجياً خلال 2026 مع تركيز السلطات على احتواء الدين العام والحفاظ على استقرار مالي طويل الأمد.
التوترات التجارية والرسوم: المخاطر قائمة والهدنة مؤقتة
تصاعدت التوترات في أبريل/ نيسان بعد رفع الرسوم الأمريكية على واردات صينية إلى مستويات تجاوزت 100%، قبل أن يتوصّل الطرفان إلى هدنة موقتة سارية حتى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني. تشير التقديرات الراهنة إلى أن متوسط الرسوم الأمريكية يقف حول 57.6%، أي أكثر من ضعف بدايات العام. صحيح أن مسار التصدير استطاع التكيّف جزئيًا عبر أسواق بديلة، لكن هشاشة الهدنة تجعل المخاطر التجارية حاضرة، خصوصًا إذا تراجعت مرونة سلاسل الإمداد أمام موجات تشديد جديدة.
الاستهلاك المحلي والعقارات: الحلقة الأضعف في اقتصاد الصين
البيع بالتجزئة: تعافٍ أقل من التوقع
ارتفعت مبيعات التجزئة في أغسطس/ آب بنسبة 3.4% على أساس سنوي، وهي وتيرة دون توقعات المحللين وتعكس حذرًا مستمرًا لدى الأسر. كما أن مؤشرات الإنفاق خلال «الأسبوع الذهبي» — رغم الزيادة في عدد الرحلات الداخلية بنسبة 5.4% بين 1 و5 أكتوبر/ تشرين الأول — لم تقنع الأسواق بأن التعافي الاستهلاكي بات راسخًا، خاصة مع تأثيرات موسمية مرتبطة بتزامن العطلات هذا العام.
العقارات: تصحيح طويل ومؤلم
يواصل قطاع العقار، وهو جزء محوري في اقتصاد الصين، تسجيل ضغوط واضحة. فقد تراجعت الاستثمارات في القطاع بنسبة 12.9% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، مقارنة بانخفاض 12% في الأشهر السبعة الأولى. وبينما تجنّبت السلطات إطلاق حزم إنقاذ واسعة قد تعيد الاختلال، فإن نهجها يركّز على احتواء العدوى وتحسين جودة الائتمان، ما يعني أن مسار التعافي سيكون تدريجيًا وبطيئًا.
سوق العمل والتحوّل الهيكلي: تحديات الشباب والابتكار
تظهر التقديرات أن شابًا واحدًا من كل سبعة في الصين يواجه البطالة، وهو تحدٍ يزيد الضغط على الاستهلاك ويستدعي سياسات أكثر فاعلية لخلق وظائف ذات قيمة مضافة. كما يشير البنك الدولي إلى أن الشركات الناشئة في الصين تزيد التوظيف بأربعة أضعاف فقط مقارنة بـسبعة أضعاف في الولايات المتحدة، ويرتبط ذلك جزئياً بدور أكبر للشركات المملوكة للدولة في هيكل اقتصاد الصين، ما يحدّ من ديناميكية الابتكار وريادة الأعمال.
انعكاسات إقليمية: عندما يعطس اقتصاد الصين تصاب المنطقة بالبرد
وفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن تراجع نمو الصين بمقدار 1% يخصم نحو 0.3 نقطة مئوية من نمو بقية دول شرق آسيا والمحيط الهادئ النامية. والعكس صحيح: رفع توقعات نمو اقتصاد الصين ينعكس إيجابًا على تجارة المنطقة وسلاسل الإمداد وتدفقات الاستثمار. من هنا تبدو مراجعة البنك إلى 4.8% داعمة لتقدير نمو المنطقة عند المستوى نفسه هذا العام، صعودًا من 4% سابقًا.
المخاطر المحيطة: ثلاثة محاور للمتابعة
تجارية وسياسية
أي تصعيد جديد في الرسوم أو تباطؤ في المفاوضات بعد انتهاء الهدنة قد يضغط سريعًا على صادرات الصين وهوامش موردّيها، ويعيد رسم مسارات التوريد في الصناعة الثقيلة والإلكترونيات والسلع الوسيطة.
مالية وائتمانية
طول أمد التصحيح العقاري يزيد حساسيات النظام المالي لمخاطر جودة الأصول، ما يدفع السلطات إلى إبقاء أدوات دعم انتقائية ومنضبطة تجنبًا لأي موجات تعثّر واسعة.
ديموغرافية وتقنية
شيخوخة السكان والتحديات المرتبطة بزيادة الإنتاجية تمثل امتحانًا لقدرة اقتصاد الصين على الحفاظ على نمو يتجاوز 4% مع تحوّل نموذج النمو من الاستثمار المكثف إلى الابتكار والخدمات عالية القيمة.
ماذا يعني ذلك للمستثمرين؟
رفع التوقعات إلى 4.8% يمنح الأسواق سببًا وجيهًا لإعادة تسعير المخاطر في أسهم وسندات وشركات مرتبطة بالدورة الآسيوية. القطاعات المستفيدة قد تشمل معدات الطاقة المتجددة، والكيماويات المتخصصة، وسلاسل مكونات الإلكترونيات، وشركات الخدمات اللوجستية. في المقابل، تظل الشركات المعتمدة بشدة على سوق الإسكان المحلي عرضة للتقلّبات، وكذلك المؤسسات ذات الانكشاف الكبير على التمويل العقاري.
نظرة إلى 2026: تباطؤ محسوب لإعادة التوازن
يتوقّع البنك الدولي تباطؤ نمو اقتصاد الصين إلى 4.2% في 2026، مع انحسار دفعة الصادرات وتخفيف التحفيز الحكومي. هذه الوتيرة — رغم أنها أدنى من سنوات التوسّع السريع — قد تكون أكثر استدامة في ضوء التحوّل نحو نمو قائم على الكفاءة والتكنولوجيا، إذا ما تسارعت إصلاحات سوق العمل، وتحرير قطاعات الخدمات، وتمكين ريادة الأعمال.
الخلاصة: اقتصاد الصين بين مرونة الصادرات وامتحان الطلب المحلي
تشير مراجعة البنك الدولي إلى أن اقتصاد الصين لا يزال قادرًا على مفاجأة المتابعين إيجابًا حين تتضافر السياسة العامة مع مرونة القطاع الخاص. غير أن ترجمة هذه الدفعة المؤقتة إلى مسار نمو متين تتطلب معالجة جذرية لضعف الاستهلاك وإصلاحات أعمق في العقارات والتمويل؛ عندها فقط يمكن تثبيت النمو قرب 5% دون الحاجة إلى جرعات تحفيز متكررة.
ما دلالات رفع توقعات البنك الدولي على اقتصاد الصين في 2025؟
يعكس الرفع تحسّنًا في الصادرات وفعالية التحفيز الموجّه، لكنه لا ينفي استمرار تحديات داخلية مثل العقارات والاستهلاك، ما يبرّر نظرة أكثر تحفظًا لعام 2026.
كيف تؤثر التوترات التجارية الحالية على المسار الاقتصادي؟
تقلّص التوترات عبر هدنة مؤقتة ساعد في تهدئة المخاطر قصيرة الأجل، لكن متوسط الرسوم المرتفع يبقي مخاطر الإمداد والتسعير قائمة، خصوصًا عند انتهاء الهدنة.
هل تستفيد دول المنطقة من تحسّن اقتصاد الصين؟
نعم، إذ تنتعش سلاسل التوريد والتجارة البينية والاستثمار المباشر، وتُحسّن مراكز الدول المورّدة للسلع الوسيطة والخدمات اللوجستية.






















