ارتفاع الذهب والدولار اليوم وسط توتر سياسات الفيدرالي الأمريكي
الدولار
أسواق العملات
الفيدرالي الأمريكي
وتماسك العملة الأمريكية بعد موجة بيع استمرت خمسة أيام. يأتي ذلك فيما تتكثف رهانات المستثمرين على قرب بدء
دورة خفض الفائدة في الولايات المتحدة، مقابل تصاعد الجدل السياسي المرتبط باستقلال الاحتياطي الفيدرالي.
القراءة التالية ترصد خلفيات التحركات الأخيرة، وتفكك القوى الدافعة لها، وتستعرض سيناريوهات محتملة لمسار الأصول
خلال الأيام المقبلة.
الدولار يلتقط أنفاسه قبل عودة السيولة الأمريكية
بعد عطلة عيد العمال في الولايات المتحدة، عاد المتعاملون في آسيا ليرفعوا مؤشر الدولار بشكل طفيف بنحو
0.2% إلى قرابة 97.873 نقطة، وهو صعود جاء عقب ملامسته أدنى مستوى منذ أواخر يوليو.
هذا الارتداد المحدود يعكس مزيجًا من العوامل: إعادة تسعير لتوقعات الفائدة، وتمركز فني قصير الأجل، وتغطية
مراكز بيع قبل صدور بيانات أمريكية محورية. في المقابل، ظل المزاج العام حذرًا بعدما أشعلت التطورات السياسية
مخاوف على استقلال السياسة النقدية.
على الرغم من الضغط السياسي، يرى بعض مديري الأصول أن «الأموال الأجنبية لم تُظهر بعد نية واضحة للتخارج من
الأصول الأمريكية»، مستندين إلى متانة أرباح الشركات وتماسك الائتمان. هذا التباين بين الصورة السياسية
والواقع المالي يُبقي مسار الدولار مرتبطًا بالإشارات القادمة من البيانات أكثر من الخطاب السياسي.
الذهب يطرق قمة جديدة: ملاذ آمن يزداد بريقًا
واصل الذهب موجة مكاسب ممتدة لست جلسات، ليبلغ قمة تاريخية عند نحو 3,508.50 دولار للأونصة، قبل أن
يتراجع قليلًا ليستقر قرب 3,494 دولار. الدافع الأبرز هو زيادة الطلب على الملاذات الآمنة مع تزايد
عدم اليقين حول مسار السياسة النقدية الأمريكية. كما ساهم تباطؤ طفيف في بعض مؤشرات النشاط العالمي وارتفاع
حساسية الأسواق للأحداث السياسية في نقل جزء من السيولة نحو المعادن الثمينة.
ويُلاحظ أيضًا اتساع المشاركة في الصعود؛ إذ تقدمت الفضة بنحو طفيف لتبقى قريبة من أعلى مستوى في
أربعة عشر عامًا، في إشارة إلى أن الطلب لا يقتصر على الذهب وحده. عادةً ما يُعدّ اتساع القاعدة الداعمة للأسعار
مؤشرًا على أن الحركة ليست محض اندفاعة مضاربين قصيرة الأجل، بل تعكس تبدلات أعمق في توزيع الأصول.
وتزايد قلق السوق من المخاطر السياسية أو الجيوسياسية، ما يدفع إلى إعادة موازنة المحافظ لصالح الأصول غير
المرتبطة بالتزامات ديون.
جدل استقلال الفيدرالي: لماذا يهتم السوق؟
أعادت الانتقادات العلنية للرئيس الأمريكي لسياسات الفيدرالي، والقرارات المتعلقة بتغيير تركيبة مجلس
المحافظين، تسليط الضوء على سؤال جوهري: إلى أي مدى ستبقى قرارات السياسة النقدية معزولة عن الضغوط السياسية؟
إذا اعتقد المستثمرون أن قنوات صنع القرار قد تتأثر، فإن أقساط المخاطر ترتفع وتُعطى الأولوية للأصول الدفاعية،
وهو ما يُفسّر جانبًا من ارتفاع الذهب والدولار اليوم في آنٍ معًا، رغم أن العلاقة بينهما غالبًا ما تكون
عكسية.
في المقابل، تُذكّر تصريحات رئيس الفيدرالي في جاكسون هول باحتمال بدء دورة تيسير نقدي «مشروط بالبيانات»،
ما يضع الأسواق أمام مفارقة: خفض الفائدة عادةً يُضعف الدولار ويدعم الذهب، لكن أي إشارات إلى تشوّش في قنوات
صنع القرار قد تُبقي التقلبات مرتفعة على العملتين معًا خلال فترة إعادة التسعير.
تحركات العملات الرئيسية: إعادة تموضع محسوبة
تراجع اليورو إلى حدود 1.1690 دولار بعد أن أظهرت بيانات الاثنين توسع مؤشر مديري المشتريات
الصناعي في منطقة اليورو للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وهو تحسّن يبدو أن السوق استوعبه مسبقًا. بالنسبة
لـالإسترليني، تخلّى عن بعض مكاسبه الأخيرة ليستقر قرب 1.3526 دولار، فيما هدأت وتيرة صعود
الدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي بعد سلسلة ارتفاعات، في دلالة على جني أرباح تكتيكي قبل
البيانات الأمريكية.
أمام الين، تقدّم الدولار إلى قرابة 147.81 ين بعد تصريحات تميل للحذر من نائب محافظ بنك اليابان،
ونتيجة مزاد سندات عشرية شهد أقوى طلب منذ قرابة عامين. المفارقة اليابانية مستمرة: بنك مركزي يقود «تطبيعًا
بطيئًا للغاية» للفائدة، وسوق سندات ما زال يجذب شهية قوية، وعملة حسّاسة جدًا لفروقات العوائد العالمية. لذلك
يبقى نطاق 145–150 موضع مراقبة كثيفة من متعاملي العملات.
بيانات أمريكية على الأبواب: لماذا قد تغيّر الصورة سريعًا؟
يتطلع المتعاملون هذا الأسبوع إلى حزمة قراءات تتصدرها مؤشرات ISM للقطاعين الصناعي والخدمي، إضافة إلى تقرير
الوظائف غير الزراعية لشهر أغسطس. أي مفاجآت على صعيد التوظيف أو الأجور قد تعيد رسم منحنى التوقعات
لوتيرة خفض الفائدة. قراءة قوية قد تمنح الدولار دعمًا إضافيًا على المدى القصير، فيما قد تعزّز القراءة الضعيفة
رهانات التيسير وتُبقي دعم الذهب قائمًا.
الجانب الأكثر حساسية هو الأجور الشهرية ومتوسط ساعات العمل؛ إذ إن تباطؤ نمو الأجور يُترجم سريعًا إلى توقعات
تضخم أكثر هدوءًا، ما يفتح الباب أمام سياسة أكثر مرونة من الفيدرالي. هذا الرابط المباشر بين الأجور والعوائد
الحقيقية يُعد قناة أساسية تفسّر مزاج الذهب في الفترات التي تسبق تقارير التوظيف.
كيف يقرأ المستثمر الذكي المشهد؟ ثلاث نقاط عملية
أولًا: فصل الضجيج السياسي عن «بيانات الحقيقة»
الضغوط السياسية ترفع الضوضاء لكنها لا تغيّر قواعد اللعبة إذا جاءت البيانات صلبة في الاتجاه المعاكس.
المستثمر التكتيكي يُبقي عينه على مفاجآت البيانات لا على التصريحات، ويعدّل انكشافه وفقًا لها.
ثانيًا: إدارة المخاطر مع تقلبات الذهب
بلوغ الذهب قمة تاريخية لا يعني أنه بلا مقاومات على المدى القصير. عادةً ما تزداد احتمالات التذبذب قرب القمم،
لذا تُصبح أحجام المراكز وإيقاف الخسائر عناصر حاسمة. الصورة الهيكلية تميل لصالح الذهب طالما بقيت العوائد
الحقيقية تحت الضغط، لكن المسارات لا تخلو من مطبّات.
ثالثًا: مراقبة فروقات العوائد والدولار/ين
تظل فروقات عوائد السندات الأمريكية/اليابانية محركًا رئيسيًا لزوج الدولار/ين. أي هبوط متسارع في العوائد
الأمريكية قد يحرّك تصحيحًا هبوطيًا في الزوج، والعكس صحيح. نطاقات الحركة الحالية تميل لصالح تداول قائم على
النطاق مع تحفّظ واضح قبل صدور البيانات.
ملامح العلاقة بين الذهب والدولار: لماذا قد يرتفعان معًا؟
تقليديًا، تُظهر البيانات التاريخية علاقة عكسية بين الذهب والدولار، لكن فترات الشك السياسي أو المالي قد تدفع
إلى ارتفاعهما معًا على نحو مؤقت. يحدث ذلك عندما تتجه السيولة إلى الملاذات الآمنة (الذهب) بالتوازي مع إعادة
تموضع في السندات الأمريكية وارتفاع الطلب على الدولار لأغراض التمويل والتحوّط. لذا فإن
ارتفاع الذهب والدولار اليوم ليس مفارقة مطلقة، بل نتيجة طبيعية لمزيج من العوامل العابرة والهيكلية في آن واحد.
مستويات فنية يراقبها السوق
بالنسبة للذهب، تُشكّل المنطقة بين 3,480–3,510 دولارات نطاقًا فنيًا حساسًا؛ الثبات فوقه يُبقي الزخم
قائمًا، بينما أي كسر واضح دونه قد يفتح الباب لتصحيح صحي نحو دعم أقرب. على صعيد مؤشر الدولار، يُنظر إلى
منطقة 97.5–98.2 كنطاق اختبار للارتداد الحالي؛ اختراق مستقر قد يمنح المؤشر مساحة إضافية قبل بيانات
نهاية الأسبوع.
توقعات مبدئية
تتلخّص الصورة في أمرين: ذهب قوي على خلفية عوائد حقيقية هادئة ومخاوف سياسية، ودولار متماسك تكتيكيًا
قبل البيانات. إذا جاءت بيانات الوظائف والأجور دون التوقعات، قد يستأنف الذهب صعوده مع ضغط إضافي على الدولار.
أما إذا فاجأت البيانات بقوة، فقد نرى تهدئة على المعدن الأصفر وامتدادًا لارتداد العملة الخضراء. وبين هذين
المسارين، يبقى الحذر سيد الموقف.
هل فات الأوان للدخول إلى الذهب بعد القمة التاريخية؟
ليس بالضرورة، لكن دخولًا واعيًا يتطلب تصورًا لإدارة المخاطر. القمم التاريخية تُرافقها تقلبات أعلى؛
لذلك يُفضَّل تقسيم الدخول على مراحل أو انتظار إعادة اختبار لمناطق دعم قريبة.
هل سيؤدي خفض الفائدة إلى موجة هبوط في الدولار مباشرة؟
الأثر يعتمد على التوقعات المسبقة. إذا كان السوق قد سعّر الخفض بالكامل، فقد يكون الأثر محدودًا. أما إذا جاء
الخفض مفاجئًا أو تلاه توجيه حمائمي قوي، فسيزداد ضغط البيع على الدولار.
لماذا تتفاعل الفضة بشكل مختلف أحيانًا عن الذهب؟
الفضة معدن صناعي جزئيًا؛ لذلك تتأثر بدورة النشاط العالمي إلى جانب كونها ملاذًا آمنًا. عندما يتحسّن المزاج
الصناعي، قد تتفوّق الفضة على الذهب والعكس صحيح.






















