<!doctype html>
ارتفاع الأسهم الأميركية عند الإغلاق.. داو جونز يقفز 1.89% إلى مستوى قياسي جديد
مقدمة: وول ستريت تستعيد بريقها
بعد أسابيع من التذبذب وعدم اليقين المرتبط بمسار الفائدة الأميركية والتوترات العالمية، عادت
الأسهم الأميركية لتتألق في جلسة الجمعة، محققة مكاسب جماعية دفعت مؤشر
داو جونز الصناعي إلى تسجيل قمة تاريخية جديدة.
الارتفاعات القوية جاءت مدعومة بمزيج من العوامل؛ من بينها تراجع
مؤشر الدولار الأميركي، وتحسن أسعار السلع الأساسية مثل
النفط والذهب، إلى جانب تراجع
مؤشر التقلب VIX إلى أدنى مستوى في ستة أشهر.
هذا التراجع في مؤشرات المخاطر شجع المستثمرين على العودة بقوة إلى سوق الأسهم.
اللافت أن جلسة الجمعة لم تكن مجرد صعود تقني أو مضاربات قصيرة الأجل، بل بدت وكأنها
تعبير عن ثقة متزايدة في قدرة الاقتصاد الأميركي على الحفاظ على مسار نمو معتدل رغم
تشديد السياسة النقدية في السنوات الأخيرة. فبينما ارتفع ستاندرد آند بورز 500 بنسبة
1.52% وناسداك المركب بنسبة 1.88%،
كان داو جونز الأكثر بريقًا بصعوده 1.89% ليضيف مئات النقاط إلى رصيده ويؤكد مكانته كمؤشر
يعكس قوة الشركات الصناعية والمالية الكبرى.
تفاصيل أداء المؤشرات الأميركية
في ختام الجلسة، قفز مؤشر داو جونز الصناعي بما يقارب 656 نقطة ليصل إلى مستوى قياسي جديد.
هذا الصعود القوي جاء بعد فترة شهدت فيها الأسواق بعض الحذر مع ترقب المستثمرين لخطوات
الاحتياطي الفيدرالي المقبلة.
أما مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فقد ارتفع بنحو 1.52%، مدفوعًا بأداء لافت لقطاعات
الطاقة والمواد الأساسية. وجاء مؤشر ناسداك المركب بارتفاع 1.88%، مستفيدًا من موجة شراء قوية
لأسهم التكنولوجيا والشركات الناشئة.
هذه المكاسب لم تكن مجرد تحرك جماعي عابر، بل عكست حالة من الاطمئنان في السوق.
فقد أظهر تقرير توازن الأسهم أن عدد الشركات الرابحة فاق الشركات الخاسرة
بشكل كبير؛ إذ ارتفعت 2493 شركة على بورصة نيويورك مقابل تراجع 311 فقط، بينما
في ناسداك ارتفعت 2796 شركة مقابل انخفاض 538، ما يعكس اتساع قاعدة الصعود.
المقارنة مع الأسواق العالمية
لم يقتصر المشهد على وول ستريت فحسب، بل إن تحركات الأسواق الأميركية
كان لها صدى عالمي. ففي أوروبا، سجلت المؤشرات الرئيسية مكاسب طفيفة
في ظل ترقب لخطاب رئيس البنك المركزي الأوروبي. أما الأسواق الآسيوية
فقد تأثرت إيجابًا بصعود وول ستريت، حيث أغلقت مؤشرات طوكيو وشنغهاي
على ارتفاع محدود.
لكن تبقى الفوارق واضحة: بينما حققت المؤشرات الأميركية قممًا تاريخية،
لا تزال أسواق أوروبا تعاني من ضغوط التضخم ومعدلات النمو الضعيفة،
في حين أن أسواق آسيا تظل حساسة لأي تقلبات في الطلب العالمي على السلع.
القطاعات الرابحة والخاسرة في جلسة الجمعة
يمكن القول إن جلسة الجمعة كانت بمثابة انتصار للقطاعات الدورية، حيث
حققت أسهم الطاقة والمواد الأساسية مكاسب قوية مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط والمعادن.
كما ساهم الأداء الإيجابي لقطاع الخدمات المالية في دعم الزخم الصعودي للسوق.
قطاع الطاقة ارتفع بنسبة 2.01% بفضل صعود أسعار خام نايمكس وبرنت،
إلى جانب توقعات بزيادة الطلب العالمي على الوقود في الربع الأخير من العام.
وكانت أسهم شركات الطاقة الشمسية والبديلة أيضًا ضمن المستفيدين، مع تحسن النظرة
المستقبلية للطاقة النظيفة في ظل السياسات الحكومية الجديدة.
أما قطاع المواد الأساسية، فقد كسب 1.87% مدعومًا بارتفاع أسعار الذهب
والمعادن الصناعية. وبرزت شركات التعدين والمعادن الثقيلة كأحد أكبر الرابحين،
حيث توقع المحللون استمرار الطلب على المواد الخام في ظل خطط البنية التحتية الأميركية.
وفي المقابل، شهدت بعض القطاعات الدفاعية مثل الاتصالات والسلع الاستهلاكية الأساسية
تراجعًا نسبيًا، إذ فضل المستثمرون الاتجاه نحو القطاعات ذات النمو المرتبط بالدورة الاقتصادية.
أبرز الرابحين في مؤشر داو جونز
تصدر كاتربيلار (CAT) قائمة الرابحين بصعود قدره 4.25% إلى 435.67 دولارًا،
وهو ما يعكس قوة الطلب العالمي على معدات البناء والمعدات الثقيلة.
هذه المكاسب جاءت في وقت يشهد فيه العالم موجة إنفاق على مشاريع البنية التحتية،
سواء في الولايات المتحدة أو الصين أو حتى الأسواق الناشئة.
ثاني أبرز الرابحين كان هوم ديبوت (HD) الذي ارتفع 3.81% إلى 412.85 دولارًا،
مستفيدًا من الطلب المتزايد على منتجات التجديد والبناء السكني. ومع تحسن أسعار الفائدة
العقارية نسبيًا، بدأ المستهلكون الأميركيون يعودون للاستثمار في العقارات وتجديد المنازل،
وهو ما انعكس إيجابًا على مبيعات الشركة.
أما جولدمان ساكس (GS) فقد حقق مكاسب 3.62% إلى 741.89 دولارًا،
مدفوعًا بزيادة النشاط في أسواق الاندماج والاستحواذ وكذلك تحسن عوائد التداول
في ظل تقلبات أسعار السلع والعملات.
الخاسرون في مؤشر داو جونز
رغم الصعود الجماعي، لم تخلُ الجلسة من بعض التراجعات، حيث هبط سهم
فريزون (VZ) بنسبة 1.33% إلى 44.43 دولارًا نتيجة تباطؤ نمو الإيرادات.
كما تراجع وول مارت (WMT) 1.15% إلى 96.84 دولارًا في ظل مخاوف من ضعف
القوة الشرائية للمستهلكين الأميركيين.
أما كوكاكولا (KO) فانخفض 0.74% إلى 70.14 دولارًا، متأثرة بارتفاع تكاليف الإنتاج
وتغير أنماط الاستهلاك.
هذه التراجعات تؤكد أن الارتفاع في السوق لم يكن شاملًا، بل ظل محصورًا
في الشركات الدورية والقطاعات ذات النمو المرتبط بالاقتصاد الكلي.
تحليل معمق للشركات الكبرى
كاتربيلار (Caterpillar)
يُنظر إلى كاتربيلار باعتبارها مرآة للاقتصاد العالمي،
حيث تعكس نتائجها الطلب على البنية التحتية والصناعة الثقيلة.
ارتفاع السهم في جلسة الجمعة يعكس الثقة في استمرار الإنفاق الحكومي
على مشاريع النقل والطاقة، إلى جانب توقعات بتعافي الطلب في الصين.
ويرى بعض المحللين أن كاتربيلار قد تكون بين الشركات المستفيدة
من السياسات الأميركية الرامية لتعزيز التصنيع المحلي وإعادة سلاسل التوريد.
ومع ذلك، تبقى مخاطر ارتفاع التكاليف والرسوم الجمركية قائمة.
هوم ديبوت (Home Depot)
أداء هوم ديبوت مرتبط بشكل مباشر بحالة القطاع العقاري في الولايات المتحدة.
ورغم الضغوط التي شهدها القطاع في 2024 مع ارتفاع أسعار الفائدة،
بدأت علامات التعافي بالظهور في النصف الثاني من 2025.
هذه العودة للطلب انعكست في ارتفاع مبيعات الشركة، ما عزز ثقة المستثمرين.
على المدى الطويل، يتوقع أن تظل الشركة لاعبًا رئيسيًا في السوق بفضل
توسعها في التجارة الإلكترونية وتحسين تجربة العملاء.
جولدمان ساكس (Goldman Sachs)
يمثل جولدمان ساكس رمزًا لقوة وول ستريت المالية.
الأداء الإيجابي للسهم في جلسة الجمعة جاء نتيجة تحسن عائدات التداول
وتزايد صفقات الاستحواذ والاندماج.
كما استفاد البنك من ارتفاع العوائد على أدوات الدين، ما عزز أرباحه.
لكن يبقى التحدي أمام جولدمان ساكس مرتبطًا بالسياسات التنظيمية
وضغوط الامتثال، إضافة إلى المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسواق الناشئة.
أداء ناسداك: التكنولوجيا تعود لقيادة المشهد
لعبت أسهم التكنولوجيا والشركات الناشئة دورًا رئيسيًا في دعم
ارتفاع الأسهم الأميركية يوم الجمعة. فقد أضاف
مؤشر ناسداك المركب ما يقرب من 1.88% إلى قيمته،
وهو ما يعكس ثقة المستثمرين في قدرة شركات الابتكار على الاستمرار
في النمو رغم التحديات.
المثير أن الارتفاع لم يقتصر على عمالقة التكنولوجيا مثل
أبل ومايكروسوفت، بل امتد إلى شركات أصغر
في مجالات التعليم والصحة والتقنيات الحيوية. هذا يدل على أن
المستثمرين بدأوا يبحثون عن فرص خارج الأسماء التقليدية،
في محاولة لتحقيق عوائد أكبر من خلال اكتشاف الشركات الصاعدة.
قفزات لافتة في أسهم الشركات الصغيرة
من أبرز مفاجآت جلسة الجمعة، صعود سهم
EpicQuest Education Group International (EEIQ)
بنسبة مذهلة بلغت 128.45% ليصل إلى 1.24 دولار.
هذا الارتفاع الكبير جعل السهم يحقق أعلى مستوى له خلال 52 أسبوعًا.
كذلك قفز سهم ModivCare (MODV) بنسبة 91.07%
إلى 1.07 دولار، فيما ارتفع سهم
Cognition Therapeutics (CGTX) بنسبة 41.21%
إلى 2.81 دولار.
هذه المكاسب المبالغ فيها عادةً ما ترتبط بتدفقات مضاربية
أو أخبار جوهرية عن الشركة، مثل نتائج مالية مفاجئة أو موافقات تنظيمية.
ورغم هذه المكاسب القوية، لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأسهم
تكبدت خسائر فادحة. على سبيل المثال، تراجع سهم
Aptorum Group (APM) بنسبة 37.88% إلى 2.64 دولار،
فيما خسر Ethzilla (ETHZ) 31.19% ليستقر عند 3.31 دولار،
وهبط سهم Aethlon Medical (AEMD) 27.40% إلى 1.59 دولار.
تحركات السلع: الذهب والنفط في الواجهة
لم تكن الأسهم وحدها هي التي شهدت نشاطًا ملحوظًا؛ إذ
ارتفع الذهب (عقود ديسمبر) بنسبة 1.04% ليغلق عند
3,416.85 دولار للأونصة، مدعومًا بتراجع الدولار وتزايد الطلب
على الملاذات الآمنة.
كما صعد النفط الخام الأميركي (نايمكس أكتوبر)
بنسبة 0.39% إلى 63.77 دولارًا للبرميل،
في حين ارتفع خام برنت (أكتوبر) بنسبة 0.21%
إلى 67.81 دولارًا.
هذه التحركات الطفيفة لكنها الإيجابية عكست توازنًا بين
المخاوف بشأن تباطؤ النمو العالمي والتوقعات بزيادة الطلب
على الوقود مع اقتراب موسم الشتاء.
قطاع الطاقة في سوق الأسهم كان من أبرز المستفيدين
من هذه الارتفاعات، حيث ارتفعت أسهم شركات النفط والغاز
بالتوازي مع تحسن الأسعار العالمية.
العملات: تراجع الدولار يدعم شهية المخاطرة
في سوق العملات، ارتفع اليورو/دولار بنسبة 1.01%
إلى 1.17، وهو ما يعكس ضعف الدولار الأميركي
وتزايد التوقعات بإبطاء الفيدرالي وتيرة التشديد النقدي.
في المقابل، تراجع الدولار/ين بنسبة 0.96%
ليستقر عند 146.95، وهو ما يشير إلى أن المستثمرين
فضلوا الابتعاد عن الدولار لصالح عملات أخرى.
أما مؤشر الدولار الأميركي (DXY)
فقد انخفض 0.91% إلى 97.61 نقطة.
هذا التراجع ساهم بشكل مباشر في تعزيز جاذبية الأصول
المقومة بالدولار مثل الذهب والنفط والأسهم،
ما جعل جلسة الجمعة استثنائية في تنوع مكاسبها.
التقلبات: هبوط VIX إلى أدنى مستوى في 6 أشهر
من أبرز ملامح جلسة الجمعة، هبوط مؤشر التقلب (VIX)
بنسبة 14.28% إلى 14.23، وهو أدنى مستوى له منذ ستة أشهر.
هذا المؤشر، الذي يُعرف أحيانًا بـ “مؤشر الخوف”،
يقيس توقعات السوق للتقلبات المستقبلية.
الانخفاض الحاد في VIX يعكس حالة الاطمئنان النسبي
لدى المستثمرين، وهو ما يشجع المؤسسات والصناديق
الكبرى على ضخ المزيد من السيولة في سوق الأسهم.
لكن بعض المحللين يحذرون من أن انخفاض VIX
قد يكون مبالغًا فيه، خاصة إذا طرأت مفاجآت
اقتصادية أو سياسية تعيد المخاوف سريعًا.
تاريخيًا، غالبًا ما يتبع الانخفاض الشديد في VIX
فترة من عودة التقلبات، لذلك ينصح الخبراء
بعدم الاطمئنان المفرط وضرورة التحوط من
أي صدمات محتملة.
توقعات المحللين: ما الذي ينتظر وول ستريت؟
مع تسجيل ارتفاع الأسهم الأميركية الجمعة،
تتجه الأنظار الآن إلى ما ستسفر عنه البيانات الاقتصادية المقبلة
وخطوات البنك الاحتياطي الفيدرالي.
العديد من بيوت الاستثمار ترى أن السوق مرشحة لمزيد من المكاسب
خلال الربع الأخير من 2025، خاصة إذا واصل التضخم تباطؤه
وبقيت أسعار الفائدة مستقرة.
في المقابل، يحذر آخرون من أن التقييمات المرتفعة للأسهم
قد تجعل السوق عرضة لتصحيح حاد إذا جاءت بيانات النمو
أو الوظائف سلبية.
وبحسب تقارير صادرة عن مؤسسات كبرى، فإن أفضل القطاعات
للاستثمار في الفترة المقبلة تشمل الطاقة، التكنولوجيا، والمواد الأساسية،
فيما قد تظل القطاعات الدفاعية مثل الاتصالات والاستهلاك
تحت ضغط نتيجة تغير سلوك المستهلكين.
ما سبب ارتفاع الأسهم الأميركية يوم الجمعة؟
يعود السبب إلى مزيج من تراجع مؤشر الدولار، ارتفاع أسعار الذهب والنفط،
وتراجع مؤشر التقلب VIX، ما شجع المستثمرين على العودة
بقوة إلى السوق.
هل سيواصل داو جونز تسجيل قمم جديدة؟
يرى محللون أن الاتجاه العام ما زال صعوديًا على المدى القصير،
لكن استدامة المكاسب تعتمد على البيانات الاقتصادية القادمة
وسياسة الفيدرالي.
هل يعتبر الذهب ما زال ملاذًا آمنًا؟
نعم، رغم صعود الأسهم، فإن الذهب استفاد من تراجع الدولار
ليبقى خيارًا مفضلًا للمستثمرين الباحثين عن التحوط
ضد التقلبات.
ماذا يعني هبوط مؤشر VIX؟
يشير إلى انخفاض المخاوف قصيرة الأجل في الأسواق،
لكنه قد يكون مؤشرًا على حالة من الاطمئنان المفرط
التي تسبق عادةً عودة التقلبات.
هل تراجع الدولار إيجابي للأسهم؟
بالتأكيد، فضعف الدولار يزيد من جاذبية الشركات الأميركية
المصدّرة، كما يعزز أسعار السلع، ما ينعكس إيجابًا
على أسهم الطاقة والمواد.
ما هي القطاعات المتوقع أن تواصل الصعود؟
الطاقة، التكنولوجيا، والمواد الأساسية مرشحة لتحقيق
أداء قوي، بينما قد تواجه القطاعات الدفاعية ضغوطًا
مع تحول المستثمرين نحو الأصول ذات المخاطر الأعلى.
هل هناك مخاطر على المدى القريب؟
نعم، تتمثل في احتمال صدور بيانات تضخم أو وظائف
أقوى من المتوقع، ما قد يعيد الفيدرالي للتفكير
في تشديد السياسة النقدية، وهو ما سيضغط على الأسهم.
صعود قوي مشوب بالحذر
في نهاية جلسة الجمعة، يمكن القول إن
ارتفاع الأسهم الأميركية كان انعكاسًا
لمزيج من الثقة المتزايدة في الاقتصاد
وتراجع المخاوف قصيرة الأجل.
قفزة داو جونز بنسبة 1.89% إلى مستوى قياسي جديد
عززت المزاج الإيجابي في الأسواق،
بينما ساعدت مكاسب ستاندرد آند بورز وناسداك
في توسيع قاعدة الصعود.
ومع ذلك، يظل المشهد محاطًا بالحذر.
فبينما يستفيد المستثمرون من موجة التفاؤل الحالية،
فإن أي تغير مفاجئ في بيانات التضخم أو السياسة النقدية
قد يعيد الأسواق إلى مسار التذبذب.
لذلك، ينصح الخبراء بضرورة التنويع والتحوط
والابتعاد عن المبالغة في ملاحقة الأسعار المرتفعة.
في المحصلة، أغلقت وول ستريت على موجة صعودية
قوية، لكن استدامة هذا الزخم ستظل مرهونة
بالمعطيات الاقتصادية في الأشهر المقبلة.
وحتى ذلك الحين، يبقى عنوان المرحلة هو:
تفاؤل مشوب بالحذر.
السياسة النقدية والاقتصاد الكلي: تأثير مباشر على الأسواق
لا يمكن قراءة مشهد ارتفاع الأسهم الأميركية في جلسة الجمعة
دون التوقف عند الدور المحوري للسياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي.
فعلى مدار العامين الماضيين، كان الفيدرالي اللاعب الأساسي في رسم مسار الأسواق،
سواء عبر رفع أسعار الفائدة بشكل متسارع لمكافحة التضخم أو من خلال إشاراته الأخيرة
باحتمالية التباطؤ في دورة التشديد النقدي.
هبوط مؤشر الدولار الأميركي بنسبة تقارب 1% خلال الجلسة
جاء كنتيجة مباشرة لتوقعات الأسواق بأن الفيدرالي لن يقدم على زيادات إضافية في الفائدة
خلال ما تبقى من 2025. هذا التراجع في قيمة الدولار دعم تنافسية الشركات الأميركية المصدّرة،
وفتح الباب أمام المستثمرين الأجانب لضخ المزيد من السيولة في وول ستريت.
من جانب آخر، يشير محللون إلى أن الأسواق استفادت من تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية
مثل تباطؤ التضخم إلى مستويات أقرب من مستهدف الفيدرالي عند 2%،
مع استمرار قوة سوق العمل نسبيًا. هذا المزيج، المعروف بـ
الهبوط الناعم للاقتصاد، يعد سيناريو مثاليًا لأنه يسمح بارتفاع الأسهم
دون أن يرافقه خطر ركود حاد.
في المقابل، يحذر خبراء من أن التقييمات الحالية لبعض الأسهم أصبحت مرتفعة للغاية،
ما يجعل السوق عرضة لموجة بيع مفاجئة إذا صدرت بيانات غير متوقعة.
فعلى سبيل المثال، أي ارتفاع جديد في أسعار المستهلكين أو زيادة قوية في نمو الأجور
قد يعيد النقاش حول رفع الفائدة مرة أخرى، وهو ما قد يضغط على المؤشرات.
هنا يظهر دور إدارة المخاطر بالنسبة للمستثمرين، الذين يُنصحون بعدم الاعتماد
فقط على التفاؤل اللحظي، بل بناء محافظ متوازنة بين الأسهم والسلع والسندات.
ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة وحدها؛ فالتطورات في أوروبا وآسيا
تلعب أيضًا دورًا في تحديد اتجاهات السوق. إذ إن تراجع النمو في الصين
يؤثر على شركات السلع الأساسية الأميركية مثل كاتربيلار وفريبورن ماكموران،
بينما ينعكس تحسن الطلب الأوروبي على شركات التكنولوجيا والخدمات المالية.
هذا الترابط العالمي يعني أن أي اضطراب جيوسياسي أو اقتصادي في منطقة ما
يمكن أن ينتقل بسرعة إلى وول ستريت.
في النهاية، يظهر بوضوح أن السياسة النقدية والاقتصاد الكلي
ليسا مجرد خلفية للأحداث، بل هما العاملان الأكثر تأثيرًا في
حركة الأسهم الأميركية. ومع استمرار الجدل حول مستقبل الفائدة،
سيبقى المستثمرون في حالة ترقب دائم لأي إشارة تصدر عن الفيدرالي
أو البيانات الاقتصادية المفصلية. وحتى ذلك الحين،
فإن ارتفاع الأسهم الأميركية الأخير
يظل شهادة على مرونة السوق وقدرتها على استيعاب الضغوط،
لكنه أيضًا دعوة للحذر من المبالغة في التفاؤل.
دور المستثمرين الدوليين ورؤوس الأموال الأجنبية
جانب آخر مهم يفسر قوة ارتفاع الأسهم الأميركية في الفترة الأخيرة
يتمثل في تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى السوق الأميركية.
فالولايات المتحدة، رغم كل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية،
ما زالت تُعتبر الوجهة الأولى للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار
والعوائد المرتفعة مقارنة بالأسواق الأخرى.
خلال الأشهر الماضية، أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية
زيادة ملحوظة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة
وغير المباشرة في الأسهم والسندات الأميركية.
هذه التدفقات لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة
لعدة عوامل مجتمعة:
- ضعف العوائد في أسواق أوروبا نتيجة استمرار التباطؤ الاقتصادي.
- مخاوف المستثمرين من التوترات الجيوسياسية في آسيا،
خاصة ما يتعلق بالعلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة. - جاذبية الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية
حتى مع تراجعه في الجلسات الأخيرة.
هذه العوامل جعلت السوق الأميركية أكثر جاذبية
مقارنة بالأسواق الأخرى، حيث يجد المستثمرون
في وول ستريت مزيجًا من النمو والابتكار والسيولة العالية.
وهو ما يفسر ليس فقط صعود الأسهم القيادية مثل
داو جونز، بل أيضًا القفزات القوية
لأسهم الشركات الصغيرة والناشئة المدرجة على
ناسداك.
كذلك لعبت الصناديق السيادية، خاصة من الشرق الأوسط
وآسيا، دورًا متزايدًا في ضخ استثمارات جديدة
في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة النظيفة.
هذه الاستثمارات طويلة الأجل تضيف ثقة إضافية
إلى السوق، لأنها تعكس إيمانًا بقدرة الاقتصاد الأميركي
على النمو المستدام.
ومع ذلك، يشير محللون إلى أن الاعتماد المفرط على
رؤوس الأموال الأجنبية قد يحمل مخاطر على المدى الطويل.
فإذا قررت هذه الصناديق سحب استثماراتها بشكل مفاجئ
نتيجة تغير الظروف العالمية، فقد يؤدي ذلك إلى
ضغط كبير على مؤشرات الأسهم.
لذلك، يبقى التحدي أمام السوق الأميركية هو
تحقيق توازن بين الاستثمارات المحلية والأجنبية
للحفاظ على الاستقرار.
في النهاية، يمكن القول إن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية
ساهم بشكل واضح في تعزيز ارتفاع الأسهم الأميركية
مؤخرًا. ومع بقاء الولايات المتحدة الوجهة الاستثمارية
الأكثر أمانًا نسبيًا، من المرجح أن تستمر هذه التدفقات
في دعم المؤشرات على المدى المتوسط،
طالما لم تحدث اضطرابات كبرى على الساحة العالمية.

























