أسهم شركات المعادن النادرة تواصل الصعود وسط تصاعد النزاع التجاري بين أميركا والصين
شهدت أسهم شركات المعادن النادرة الأميركية موجة صعود قوية خلال تداولات ما قبل الافتتاح يوم الثلاثاء، لتواصل أداءها الإيجابي الذي بدأ مع نهاية الأسبوع الماضي، مدعومة بتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على المنتجات الصينية.
مكاسب استثنائية لشركات التعدين الأميركية
ارتفعت أسهم شركة Critical Metals بأكثر من 36% في تداولات ما قبل الافتتاح، بينما صعد سهم USA Rare Earth بنسبة 12%، وقفز سهم MP Materials بنحو 9%. كما ارتفع سهم Energy Fuels بنسبة 12.6%، وسجلت NioCorp Developments مكاسب بنحو 10%، لتؤكد الزخم المتجدد في قطاع المعادن النادرة الأميركي.
وجاء هذا الصعود بعد جلسة يوم الإثنين التي شهدت مكاسب قياسية، حيث أنهت Critical Metals الجلسة مرتفعة بأكثر من 55%، فيما صعدت MP Materials بنسبة 21%، وارتفعت USA Rare Earth بنحو 18%، في حين تدفّقت السيولة بشكل ملحوظ نحو أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في التنقيب والمعالجة.
الخلفية السياسية: نزاع تجاري يتجدد
بدأت الموجة الأخيرة من التوترات عقب إعلان الصين يوم الخميس عن إطار تنظيمي جديد لتقييد صادرات المعادن النادرة، وهو ما اعتُبر خطوة استراتيجية للضغط على الغرب في ظل تصاعد الخلافات الاقتصادية والتكنولوجية بين بكين وواشنطن.
وجاء الرد الأميركي سريعًا عندما صرّح ترامب يوم الجمعة بأن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً جديدة بنسبة 100% على الواردات الصينية اعتبارًا من الأول من نوفمبر، مشيرًا إلى نية البيت الأبيض تقييد تصدير “جميع البرمجيات الحيوية”، ما أثار قلق المستثمرين من احتمال تجدد الحرب التجارية.
لهجة ترامب تتبدل مؤقتًا
ورغم اللهجة الحادة، حاول ترامب التخفيف من وقع تصريحاته خلال عطلة نهاية الأسبوع، قائلًا إن «الوضع مع الصين سيكون على ما يرام»، وهو ما ساهم مؤقتًا في تهدئة الأسواق ودعم الأسهم التكنولوجية، لكن لم يمنع استمرار موجة الإقبال على أسهم التعدين والمعادن الحيوية كملاذ دفاعي استراتيجي.
الصين تهيمن على سلسلة التوريد العالمية
تُعد الصين اللاعب الرئيسي في سوق المعادن النادرة عالميًا، إذ تنتج نحو 70% من إجمالي المعروض العالمي، وتعالج قرابة 90% من المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، مثل السيارات الكهربائية، وأجهزة الاتصالات، وأشباه الموصلات.
وتكمن خطورة الموقف في أن بكين لا تكتفي بالإنتاج، بل تتحكم في المراحل الحرجة لسلسلة القيمة، من التعدين إلى التكرير والتوريد. وقد حذّر مسؤولون غربيون مرارًا من هذه الهيمنة التي تُعتبر تهديدًا استراتيجيًا للأمن الاقتصادي الغربي، خاصة مع التوجّه العالمي نحو الطاقة النظيفة.
واشنطن تسعى لفكّ الارتباط الصناعي
في المقابل، تسعى الولايات المتحدة لتقليل اعتمادها على الصين من خلال دعم الشركات المحلية المنتجة للمعادن النادرة، وتقديم حوافز ضريبية وتمويل مشاريع استكشاف جديدة في ولايات مثل تكساس ونيفادا. كما تعمل إدارة ترامب على تشجيع التحالفات مع أستراليا وكندا لتأمين سلاسل توريد بديلة.
المستثمرون يتجهون إلى الملاذات الجديدة
في ضوء هذه التوترات، أصبح قطاع المعادن النادرة أشبه بملاذ استراتيجي للمستثمرين الذين يبحثون عن فرص نمو تتقاطع مع التحولات الجيوسياسية والتكنولوجية. فإلى جانب الذهب والفضة، بدأت أسهم شركات المعادن النادرة تُعامل كأصول تحوطية في أوقات الغموض التجاري.
ويؤكد محللون أن الزخم الحالي ليس مؤقتًا، بل قد يشكّل بداية دورة صعود طويلة، إذ تتوقع مؤسسات مثل Goldman Sachs وUBS أن الطلب على المعادن النادرة سيقفز بأكثر من 40% خلال العقد المقبل، مدفوعًا بثورة الطاقة النظيفة وصناعة الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة يغيّران قواعد اللعبة
تُستخدم المعادن النادرة مثل النيوديميوم والديسبروسيوم في صناعة المغانط الدائمة للمحركات الكهربائية، كما تدخل في إنتاج الرقائق الإلكترونية وأجهزة الذكاء الاصطناعي. ومع توسّع الشركات الأميركية مثل Nvidia وAMD وTesla في هذه الصناعات، يزداد الطلب على هذه المواد بشكل غير مسبوق.
ويشير محللو بنك Citigroup إلى أن النزاع التجاري بين واشنطن وبكين لم يعد مجرّد خلاف جمركي، بل تحوّل إلى صراع تكنولوجي على موارد المستقبل، وأن السيطرة على المعادن النادرة باتت تُعدّ أداة قوة في الاقتصاد العالمي الجديد.
الأسواق العالمية تراقب بترقّب
في أوروبا، تأثرت أسهم شركات التعدين البريطانية والألمانية إيجابًا بتداعيات الأزمة، إذ ارتفعت أسهم Lynas Rare Earths الأسترالية بنسبة 8%، فيما صعدت أسهم Rainbow Rare Earths البريطانية بأكثر من 10% في بورصة لندن، مع ارتفاع أحجام التداول بنسبة تجاوزت 300%.
ويرى محللون أن السوق بدأت تسعّر احتمال حدوث موجة جديدة من سباق الاستثمار في الموارد الاستراتيجية، تمامًا كما حدث في النفط والغاز خلال العقود الماضية.
توقعات مستقبلية: بين المخاطر والفرص
رغم المكاسب القوية، يحذر الخبراء من أن أسهم شركات المعادن النادرة قد تشهد تقلبات حادة في المدى القصير نتيجة حساسية القطاع تجاه القرارات السياسية، لكن الاتجاه العام يظل صاعدًا طالما استمرت التوترات التجارية، واستمر الضغط الأميركي لتقليل الاعتماد على الصين.
ويشير Peter Zeihan، الخبير في الجغرافيا الاقتصادية، إلى أن “أزمة المعادن النادرة ستعيد تشكيل التحالفات الاقتصادية حول العالم، فكل دولة ستسعى لتأمين مواردها قبل أن تجد نفسها في موقف ضعف استراتيجي”.
في المقابل، قد تجد الصين نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في سياساتها إذا ما واجهت عزلة متزايدة من الأسواق الغربية، خصوصًا في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي المحلي.
تُظهر الأحداث الأخيرة أن المعادن النادرة لم تعد مجرّد مواد خام تدخل في صناعة التكنولوجيا، بل تحوّلت إلى محور صراع جيوسياسي جديد يُعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية. وبينما تستعد الأسواق لجولة جديدة من الرسوم والتصعيد، يبدو أن المستثمرين وجدوا في أسهم شركات المعادن النادرة سلاحًا دفاعيًا واستثماريًا في آنٍ واحد.
ما هي المعادن النادرة ولماذا تُعدّ مهمة؟
المعادن النادرة هي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا تُستخدم في الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل الهواتف الذكية، والسيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، والأنظمة العسكرية. أهميتها تكمن في ندرتها وصعوبة استخراجها وتكريرها.
ما أبرز الشركات الأميركية العاملة في هذا المجال؟
من أبرزها MP Materials، وUSA Rare Earth، وEnergy Fuels، وCritical Metals، وNioCorp Developments، وكلها شهدت ارتفاعات قوية مؤخرًا.
هل يمكن أن تستمر موجة الصعود في أسهم شركات المعادن النادرة؟
يرى المحللون أن الاتجاه الصاعد قد يستمر طالما ظلت التوترات التجارية قائمة، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على المعادن الحيوية في قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
هل تؤثر سياسات الصين على الأسعار العالمية؟
بالتأكيد، فالصين تهيمن على الإنتاج والمعالجة عالميًا، وأي قرار تتخذه بشأن القيود أو التصدير ينعكس مباشرة على الأسعار العالمية ومراكز الشركات المنافسة في الولايات المتحدة وأوروبا.






















