أسهم التكنولوجيا الأميركية تدفع وول ستريت إلى قمم جديدة رغم مخاوف التركّز
قادت أسهم التكنولوجيا الأميركية موجة صعود قوية في بورصة وول ستريت، لتسجّل المؤشرات الرئيسية مستويات قياسية جديدة، مدعومة بصفقة ضخمة بين مايكروسوفت وOpenAI، التي بلغت قيمتها 500 مليار دولار. هذه التطورات جاءت قبل إعلان نتائج الشركات التقنية الكبرى، وقبيل قرار السياسة النقدية المرتقب من الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
مايكروسوفت وOpenAI: صفقة تعيد إشعال حمى الذكاء الاصطناعي
أعلنت شركة مايكروسوفت عن اتفاق يسمح بإعادة هيكلة شركة OpenAI إلى “مؤسسة نفع عام”، ما يمنح مايكروسوفت حصة قدرها 27% من الشركة المطوّرة لتقنيات ChatGPT. وبموجب هذا الاتفاق، ارتفعت القيمة التقديرية لـ OpenAI إلى نحو نصف تريليون دولار، لتصبح من أكبر الكيانات التقنية في العالم.
هذه الخطوة اعتُبرت إشارة جديدة إلى تعمّق التحالف بين شركات التكنولوجيا العملاقة في مجال الذكاء الاصطناعي، في وقتٍ تتسابق فيه كبرى المؤسسات الأميركية لتثبيت موقعها داخل منظومة الابتكار المستقبلية. وبمجرد إعلان الصفقة، قفز سهم مايكروسوفت بنسبة تقارب 2%، بينما صعدت أسهم إنفيديا بنحو 5%، ما عزز الزخم الإيجابي في السوق.
وول ستريت في قمم تاريخية جديدة
أنهت المؤشرات الأميركية تعاملات الثلاثاء على ارتفاع جماعي، إذ صعد مؤشر ناسداك 0.8% إلى 23,827 نقطة، وارتفع S&P 500 بنسبة 0.23% مسجلاً 6,890 نقطة، فيما تقدّم داو جونز الصناعي بنحو 0.34% إلى 47,706 نقطة. وجاءت هذه المكاسب مدفوعة بأداء قطاع التكنولوجيا الذي ارتفع بنسبة 1.7%، مقابل تراجع قطاع العقارات 2.2%.
ويُظهر هذا الأداء استمرار شهية المستثمرين للمخاطرة رغم المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، ما يعكس ثقة قوية في قدرة شركات التكنولوجيا الكبرى على تحقيق أرباح استثنائية حتى في ظل بيئة نقدية متقلبة.
UPS ترتفع 8%.. وإشارات على تباطؤ سوق العمل
إلى جانب الزخم التقني، شهدت جلسة الثلاثاء مكاسب قوية لسهم شركة الشحن الأميركية UPS الذي قفز 8% بعد إعلان نتائج فصلية أفضل من المتوقع، عقب خطة لإعادة هيكلة واسعة تشمل إغلاق مئات المرافق وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين.
وفي المقابل، أعلنت كل من أمازون وUPS عن خفض أكثر من 62 ألف وظيفة، في واحدة من أكبر جولات تسريح العمالة في عام 2025، وهو ما يعزز التوقعات بأن سوق العمل الأميركي بدأ يُظهر علامات تباطؤ تدريجي.
الفدرالي الأميركي على وشك خفض جديد للفائدة
يتوقّع المستثمرون أن يعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي اليوم الأربعاء خفضاً جديداً في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، بعد سلسلة من التخفيضات التي هدفت إلى دعم النشاط الاقتصادي في ظل الإغلاق الحكومي المستمر منذ شهر.
وترجّح الأسواق أن يستمر الفدرالي في دورة التيسير النقدي حتى منتصف عام 2026، مع احتمالين إضافيين لخفض الفائدة قبل نهاية العام. كما تشير توقعات بعض المحللين إلى احتمال إعلان الفدرالي نهاية برنامج التشديد الكمي (QT)، وربما عودته إلى شراء السندات قصيرة الأجل إذا تطلبت الظروف ذلك.
هل أصبحت الأسواق الأميركية مفرطة في التركّز؟
في خضم الارتفاعات القياسية، تتزايد المخاوف من أن تصبح وول ستريت سوقاً “أحادية المحرك” تعتمد على حفنة من أسهم التكنولوجيا العملاقة. إذ باتت ما يُعرف بـ”السبعة الكبار” — وعلى رأسهم مايكروسوفت، إنفيديا، آبل، أمازون، ألفابت، ميتا، تسلا — تُمثل أكثر من 30% من القيمة السوقية لمؤشر S&P 500.
لكن دراسة حديثة صادرة عن Morgan Stanley تشير إلى أن السوق الأميركية، رغم ضخامة شركاتها، ليست الأكثر تركّزاً عالمياً. ففي نهاية سبتمبر 2025، شكّلت أكبر عشر شركات في الولايات المتحدة 33.8% من القيمة السوقية الإجمالية، مقابل نسب أعلى في أسواق مثل فرنسا وتايوان وسويسرا، حيث يهيمن سهم TSMC وحده على أكثر من 40% من السوق التايوانية.
الأسواق الناشئة أكثر تركزًا من وول ستريت
تُظهر بيانات شركة Morningstar أن الاقتصادات الناشئة تعاني مستويات تركّز أعلى في أسواقها المالية، إذ تمثل أكبر خمس شركات نحو 72% من سوق تايوان، و47% من البرازيل، و46% من كوريا الجنوبية، و35% من الصين. أما في الهند، فتبلغ النسبة 27% فقط، ما يجعلها أقلّ عرضة لمخاطر التركّز مقارنة بنظرائها في آسيا.
وتوضح هذه البيانات أن المستثمرين الأميركيين الذين يسعون إلى تنويع محافظهم عبر الأسواق العالمية قد لا يجدون في بعض الاقتصادات الناشئة ملاذاً آمناً من خطر التركّز، بل ربما يواجهون مستويات أعلى من الاعتماد على عدد محدود من الشركات العملاقة.
الذكاء الاصطناعي يقود الزخم.. لكن المخاطر قائمة
تتمحور موجة الصعود الأخيرة حول طفرة الذكاء الاصطناعي، التي باتت بمثابة “الوقود السحري” للأسواق. فقد تضاعفت القيمة السوقية لإنفيديا أربع مرات منذ 2023 لتصل إلى 4.5 تريليونات دولار، بينما تجاوزت آبل حاجز 4 تريليونات لأول مرة في تاريخها. كما تتدفق مليارات الدولارات إلى صناديق المؤشرات المتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ورغم الزخم القوي، يحذر محللون من احتمال انفجار “فقاعة الذكاء الاصطناعي” في حال تباطأت الإيرادات أو فشلت الشركات في تحويل الابتكار إلى أرباح مستدامة. ومع ذلك، لا يزال المزاج العام في السوق يميل إلى استراتيجية “اشترِ الانخفاض”، التي أصبحت بمثابة عقيدة للمستثمرين الأميركيين.
التحليل: بين الخطر والعائد
من منظور استثماري، تعكس حالة السوق الأميركية معضلة كلاسيكية بين الخطر والعائد. فالمستثمر الذي يسعى إلى التنويع قد يحد من العوائد المحتملة، بينما من يواصل الرهان على عمالقة التكنولوجيا قد يجني أرباحاً كبيرة على المدى القصير، مع تحمل مخاطر أكبر في حال حدوث تصحيح مفاجئ.
ويرى خبراء في “فورتريس للاستشارات المالية” في الدوحة أن استمرار النمو القوي في أرباح الشركات الكبرى يمنح الأسواق مبرراً منطقياً للبقاء عند هذه المستويات المرتفعة، مؤكدين أن أي تصحيح مستقبلي سيكون على الأرجح مؤقتاً، ما لم تتغير السياسة النقدية أو يتراجع الإنفاق الاستثماري في قطاع الذكاء الاصطناعي.
بينما تتجه الأنظار إلى قرار الفدرالي الأميركي ونتائج الشركات التقنية، تبدو أسهم التكنولوجيا الأميركية في موقع القيادة بلا منازع، معززة بثقة المستثمرين وإيرادات ضخمة تدعم استمرار الزخم. لكن في المقابل، يبقى التركّز الشديد في السوق سيفاً ذا حدين: مصدر قوة طالما استمرت الأرباح، ومصدر خطر إذا ما اهتزت الثقة أو تباطأ الابتكار.
وفي نهاية المطاف، فإن وول ستريت — مثل التكنولوجيا نفسها — تمضي إلى أقصى الحدود مرة أخرى، ولكن بخطى متسارعة تستحق المراقبة الدقيقة في الأسابيع المقبلة.
ما الذي يدفع أسهم التكنولوجيا الأميركية إلى الارتفاع؟
تستفيد أسهم التكنولوجيا من موجة استثمارات ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي، وصفقات استراتيجية مثل اتفاق مايكروسوفت مع OpenAI، إلى جانب توقعات خفض الفائدة الأميركية.
هل أصبحت السوق الأميركية شديدة التركّز؟
رغم ارتفاع حصة الشركات الكبرى في المؤشرات، فإن درجة التركّز في الولايات المتحدة تبقى أقل من نظيراتها في أسواق مثل فرنسا أو تايوان، وفق بيانات مؤسسات مالية عالمية.
هل من خطر على المستثمرين من فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
الخبراء يرون أن المخاطر قائمة، لكنها لا تزال محدودة في ظل الأرباح القوية للشركات الكبرى واستمرار تدفق السيولة نحو قطاع التكنولوجيا.
تنويه: هذا المقال لأغراض إعلامية فقط ولا يُعدّ توصية استثمارية أو دعوة للبيع أو الشراء.






















