أسعار الذهب : هبوط مستمر رغم العوامل الداعمة
الذهب يفقد بريقه رغم تراجع الدولار وتوقعات خفض الفائدة… ما السر في أسعار الذهب؟
في مفارقة لافتة، واصلت أسعار الذهب تراجعها للأسبوع الثاني على التوالي، رغم أن معظم الظروف المحيطة عادة ما تكون داعمة لصعود الذهب . فقد أغلق عقد أغسطس للذهب عند مستوى 3,285.10 دولار للأونصة بعد أن خسر 56.20 دولارًا في جلسة الجمعة وحدها، وبلغت خسائره الأسبوعية حوالي 98.90 دولارًا، أي بنسبة تراجع تقارب 3%.
الغريب في الأمر أن هذا الانخفاض يأتي بالتزامن مع تراجع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 1.32% خلال الأسبوع، وهو ما يُفترض أن يكون حافزًا قويًا لارتفاع الذهب، كونه سلعة مقومة بالدولار. إلى جانب ذلك، ارتفعت توقعات الأسواق بخفض أسعار الفائدة من قِبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماعاته المقبلة، وهو عامل آخر كان من المفترض أن يدفع الذهب للأعلى. إذ تشير العقود الآجلة إلى احتمالية تصل إلى 75% لخفض الفائدة في سبتمبر، على الرغم من ارتفاع مؤشر الإنفاق الشخصي الأساسي (Core PCE) إلى 2.7%، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق.
كل ذلك يطرح سؤالًا ملحًا: لماذا لم يصعد الذهب كما كان متوقعًا؟
الجواب لا يبدو بسيطًا، بل يعكس تحوّلًا أعمق في مزاج الأسواق. فقد أدى الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل إلى تهدئة التوترات الجيوسياسية، ما أضعف الطلب التقليدي على الذهب كملاذ آمن. في الوقت ذاته، جاءت الأخبار الإيجابية بشأن اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين حول تسريع تصدير المعادن النادرة لتضيف إلى أجواء التفاؤل العالمي، مما عزز الإقبال على الأصول الخطرة، خصوصًا أسهم التكنولوجيا والنمو، على حساب الذهب.
هذا التغير في شهية المستثمرين بدا جليًا في أداء مؤشرات الأسهم، حيث سجل مؤشرا ناسداك وS&P 500 مستويات قياسية جديدة، مدفوعين بتدفقات مؤسسية نحو قطاعات النمو. في المقابل، بقي الذهب محاصرًا في نطاق ضيق، غير قادر على كسر مقاوماته أو الاستفادة من البيئة المفترض أن تكون داعمة له.
الأسواق تنتعش ولكن اضطرابات سياسات ترامب تثير قلق المستثمرين
محللو بنك ساكسو وصفوا الوضع بدقة حين قالوا إن “عجز الذهب عن الاستجابة للأخبار الإيجابية مثل ضعف الدولار وتراجع العوائد، يؤكد أن السوق ما زال في حالة تماسك، وهو ما يفتح الباب أمام تصحيح أعمق”. وهو توصيف يعكس حالة الحيرة التي يعيشها المستثمرون، حيث لم يعد الذهب يتحرك وفق المعادلات التقليدية المعروفة.
من زاوية أخرى، يرى فريق جولد إيجلز أن الذهب يمر بمرحلة انتقالية، تتغير فيها ديناميكيات السوق بشكل واضح. لم تعد الأسواق تستجيب للعوامل القديمة بالطريقة نفسها. فالتفاؤل بنمو الاقتصاد العالمي وتهدئة النزاعات الجيوسياسية دفع المستثمرين للبحث عن فرص أعلى مخاطرة، أملاً في عوائد أكبر، ولو على حساب الأمان الذي يوفره الذهب.
لكن من الخطأ الاعتقاد أن الذهب انتهى دوره. فالأسواق بطبيعتها دورية، والمخاوف من عودة التضخم أو اندلاع أزمات جيوسياسية جديدة ما زالت قائمة. ومع استمرار الغموض حول اتجاهات السياسة النقدية، قد يعود الذهب إلى الصدارة بسرعة في حال تغيّر المزاج العام للسوق.
في النهاية، الذهب ليس في أزمة، لكنه في “مرحلة صمت” مؤقتة، وربما يكون هذا التراجع فرصة للباحثين عن الدخول عند مستويات أقل، إذا ما ثبتت صحة التوقعات بشأن تيسير السياسة النقدية مستقبلاً أو عادت المخاطر للواجهة.
أزمة مضيق هرمز تكشف هشاشة آسيا أمام الاعتماد على نفط الشرق الأوسط
وجهة نظر :
من المنطقي ألا نُقيّم الذهب من خلال تحركات قصيرة الأجل فقط، بل ضمن رؤية أشمل تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الاقتصادية والسياسية. السوق اليوم لا يُكافئ التحفظ، بل يُغري بالاندفاع، لكن هذا لا يدوم طويلاً. وبالتالي، فإن من يتابع المشهد من زاوية أكثر هدوءًا يدرك أن الذهب لا يزال محتفظًا بدوره، حتى وإن تأجل صعوده.
تنويه :
جميع التحليلات والتقارير المنشورة من قبل فريق جولد إيجلز هي لأغراض إعلامية فقط، ولا تُعد توصية مباشرة بالشراء أو البيع. تداول الذهب والمعادن الثمينة يتضمن مخاطر مالية عالية، ويتحمل المتداول المسؤولية الكاملة عن قراراته الاستثمارية.






















