أسعار الذهب عالميًا تستقر رغم تراجع المخاوف الجيوسياسية وتركّز الأنظار على سياسة الفيدرالي
شهدت أسعار الذهب عالميًا استقرارًا ملحوظًا يوم الأربعاء، رغم الانخفاض النسبي في المخاوف الجيوسياسية، حيث اتجه المستثمرون إلى التركيز على إشارات السياسة النقدية الأمريكية بدلًا من الأزمات الجيوسياسية. فقد أغلق عقد الذهب الآجل لشهر أغسطس عند مستوى 2,347.00 دولارًا للأونصة، محققًا ارتفاعًا طفيفًا بمقدار 8.60 دولارات، تزامنًا مع تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.23% إلى 97.74. أما مؤشرات الأسهم الأمريكية فقد تباينت نتائجها، ما يعكس حالة ترقب تسود الأسواق قبل أي قرارات حاسمة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
تراجع التوترات بين إسرائيل وإيران لم يُضعف الذهب
مع اقتراب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، هدأت حدة الطلب على الذهب كملاذ آمن، خاصة بعد التزام الطرفين بالاتفاق رغم التوترات الأخيرة التي سبقت الموعد النهائي. من الواضح أن ضعف القلق السياسي لم يؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب عالميًا، غير أن المعدن الأصفر أظهر أداءً قويًا تجاوز تأثير ضعف الدولار، وهو ما يُشير إلى استمرار عمليات الشراء من قبل المؤسسات والمستثمرين الأفراد.
اللافت أن هذا الأداء يأتي في وقت تتراجع فيه الأسباب التقليدية لشراء الذهب كوسيلة للتحوّط من الأزمات، ما يؤكد تحوّلًا في سلوك السوق نحو التركيز على المتغيرات الاقتصادية والسياسية بعيدة المدى، وخاصة ما يتعلق بتوجهات الفيدرالي الأمريكي.
الفيدرالي الأمريكي يوجه دفة السوق
تتجه أنظار المستثمرين الآن إلى شهادة رئيس الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، أمام الكونغرس، لا سيما بعد ظهوره أمام لجنة البنوك في مجلس الشيوخ. وقد ساهمت تصريحاته في تحديد توقعات الأسواق بشأن احتمالية خفض أسعار الفائدة خلال اجتماع يوليو المقبل، حيث تشير أداة “FedWatch” إلى أن احتمالية التخفيض تبلغ حاليًا 24.8%.
باول عبّر عن موقف حذر تجاه خفض الفائدة، مؤكدًا أهمية دراسة الأثر الشامل لأي سياسات جمركية جديدة قبل اتخاذ قرارات جديدة. هذا الحذر يتعارض بشكل واضح مع توجهات إدارة ترامب التي تسعى إلى تسهيلات نقدية أوسع، وقد تسبب ذلك في نقاشات حادة داخل الكونغرس، خاصة من قبل بعض الجمهوريين الذين اعتبروا أن تقييمات الفيدرالي قد تحمل طابعًا سياسيًا.
السياسة النقدية في ظل الضغوط السياسية
أوضح باول أن فرض تعريفات جمركية جديدة قد يؤدي إلى رفع أسعار المستهلك، ما قد ينعكس سلبًا على النشاط الاقتصادي. إلا أنه شدد على أن هذه الآثار قد تكون مؤقتة وتعتمد على مدى تنفيذ هذه السياسات. وقد جعل هذا التوجّه الأسواق تترقّب بعناية كل تصريح يصدر عنه بحثًا عن إشارات تؤثر على توقعات السياسة النقدية.
تمسّك الفيدرالي الأمريكي بمهمته المزدوجة المتمثلة في تحقيق التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، يعزز من مكانته كموجّه رئيسي للأسواق، بالرغم من تصاعد الضغوط السياسية المطالبة بمزيد من التيسير. في هذه الأثناء، تبقى أسعار الذهب عالميًا محل اهتمام كبير من قبل المستثمرين.
الذهب يثبت جاذبيته رغم ضعف دوافع التحوّط
أثبت الذهب قدرته على الحفاظ على مكاسبه حتى مع تراجع دوافع التحوّط التقليدية، ما يدل على تحوّل في سلوك المستثمرين نحو اعتماد استراتيجيات استباقية بدلاً من الاستجابات العاطفية للأزمات. أسعار الذهب عالميًا قد استمرّت في الاستفادة من ضعف الدولار وتراجع عوائد السندات الأمريكية، مما وفّر أرضية صلبة لاستمرار الطلب على المعدن النفيس.
اللافت أن هذا التوجّه يعكس استعداد الأسواق لمرحلة من الضبابية السياسية والنقدية، حيث يُستخدم الذهب كوسيلة للتحوّط من تدهور قيمة العملات والسياسات غير المتوقعة أكثر من كونه مجرد ملاذ آمن.
توقعات الأسواق: أسعار الذهب عالميًا ترتبط بمصير الفائدة
في الأيام المقبلة، من المتوقع أن تتحكم توقعات السياسة النقدية الأمريكية وحركة الدولار في اتجاهات أسعار الذهب عالميًا، أكثر من تأثير أي أحداث جيوسياسية. ومع ثبات التوقعات الحالية باحتمالية خفض الفائدة بنسبة 24.8% في يوليو، تبقى الأسواق في حالة استعداد تام لأي تغيير في نبرة الاحتياطي الفيدرالي.
ويراهن العديد من المستثمرين على أن مزيجًا من الضغوط السياسية، والتباطؤ الاقتصادي العالمي، وتحفّظ الفيدرالي، سيؤدي في النهاية إلى تبني سياسة نقدية أكثر مرونة. وهو ما يجعل الذهب يحتفظ بجاذبيته كأداة لتحوّط ضد التضخم وتراجع قيمة العملات على المدى الطويل.






















