أسعار الذهب ترتفع قبيل اجتماع الفدرالي الأميركي وسط تفاؤل تجاري حذر
ارتفعت أسعار الذهب اليوم الأربعاء، لتتجاوز مجددًا مستوى 4000 دولار للأونصة، في وقت يترقب فيه المستثمرون حول العالم قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة، وسط مزيج من الحذر والتفاؤل الحذر بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي والسياسة النقدية في الولايات المتحدة.
الذهب يعود للصعود فوق 4000 دولار للأونصة
سجلت أسعار الذهب في التعاملات الفورية ارتفاعًا بنسبة 1.6% لتصل إلى نحو 4017 دولارًا للأونصة، بينما صعدت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 1.2% لتتداول عند 4031 دولارًا للأونصة. يأتي هذا الارتفاع بعد تراجع حاد شهدته الأسواق في اليومين الماضيين، حين لامس المعدن النفيس أدنى مستوى له منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يستعيد زخمه مدعومًا بتوقعات خفض الفائدة.
ترقب قرار الفدرالي الأميركي.. هل يستمر دعم الذهب؟
تتجه الأنظار اليوم إلى واشنطن، حيث يختتم مجلس الاحتياطي الفدرالي اجتماعه الذي استمر يومين، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعلن خفضًا جديدًا للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. وإذا تحقق ذلك، فسيهبط النطاق المستهدف للفائدة إلى 3.75%-4.00% بعد سلسلة من التخفيضات الهادفة إلى تحفيز النمو amid مؤشرات على تباطؤ اقتصادي.
خفض الفائدة عادةً ما يعزز أسعار الذهب لأنه يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الأصول غير المدرة للعائد، غير أن المحللين يؤكدون أن العامل الحاسم هذه المرة سيكون ما سيقوله رئيس الفدرالي جيروم باول حول مسار الفائدة المستقبلي. ففي حال أشار إلى أن التخفيضات التالية قد تتأخر، أو أن التضخم لا يزال مقلقًا، فقد تتراجع جاذبية الذهب نتيجة ارتفاع العوائد الحقيقية أو قوة الدولار.
ضبابية البيانات بسبب الإغلاق الحكومي الأميركي
من العوامل التي زادت غموض المشهد أن الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية منذ مطلع أكتوبر حرم المستثمرين من بيانات اقتصادية أساسية، مثل أرقام الوظائف والإنتاج الصناعي، مما جعل الأسواق تعتمد بدرجة أكبر على مؤشرات القطاع الخاص والتوقعات، في ظل غياب رؤية واضحة لأداء الاقتصاد الأميركي.
ويقول خبراء في وول ستريت إن الفدرالي الأميركي يواجه معادلة صعبة: من جهة، يريد منع تباطؤ حاد في سوق العمل والنشاط الاقتصادي، ومن جهة أخرى يخشى أن يؤدي التيسير الزائد إلى تجدد الضغوط التضخمية التي عانى منها الاقتصاد طوال العامين الماضيين.
تفاؤل تجاري يضغط على المعدن النفيس
في الوقت ذاته، واجه الذهب ضغوطًا من تحسن الأجواء التجارية بين واشنطن وبكين، إذ أعلن الجانبان توصلهما إلى إطار عمل أولي لاتفاق تجاري يشمل تخفيف الرسوم الجمركية وتعاونًا في قطاع المعادن النادرة. كما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يعتزم خفض التعرفة البالغة 20% على واردات المواد الكيميائية المرتبطة بمادة الفنتانيل، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والأمني مع الصين.
هذه التطورات الإيجابية خففت حدة المخاوف الجيوسياسية، ما أدى إلى تقليص الطلب على الذهب كملاذ آمن. ومع ذلك، لا يزال بعض المستثمرين يفضلون الاحتفاظ بالمعدن الأصفر تحسبًا لأي انعطافة مفاجئة في المفاوضات أو تصريحات متشددة من الفدرالي.
زيارة ترامب لآسيا تزيد زخم الأسواق
وصل الرئيس الأميركي إلى كوريا الجنوبية اليوم بعد زيارة إلى طوكيو، حيث يعقد قمة في مدينة غيونغجو مع الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ. وتأتي الزيارة في سياق جولة آسيوية تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية والأمنية في ظل التوترات السابقة بشأن سلاسل التوريد والتجارة مع الصين.
ويرى محللون أن الجولة الآسيوية للرئيس الأميركي تحمل رسائل تهدئة للأسواق، لكنها قد تكون أيضًا ورقة ضغط جديدة في مفاوضات أكبر تتعلق بالتوازن الاقتصادي بين الشرق والغرب. أي عرقلة أو تصريحات عدوانية قد تُعيد الطلب سريعًا على الذهب، ما يجعل المستثمرين حذرين رغم ارتفاع الأسعار.
الأسواق المعدنية الأخرى تتفاعل
لم يكن الذهب وحده في دائرة الاهتمام اليوم؛ فقد سجلت المعادن الصناعية والمعادن النفيسة الأخرى ارتفاعات متفاوتة. إذ صعدت عقود الفضة بنسبة 1.8% لتتداول عند 48.17 دولارًا للأونصة، بينما ارتفع البلاتين بنسبة 1.6% إلى 1609 دولارًا للأونصة، كما زاد النحاس الأميركي بنسبة 1% إلى 5.22 دولارًا للرطل.
ويفسر المحللون هذا الارتفاع بتوجه المستثمرين إلى تعديل مراكزهم قبل إعلان الفدرالي، ما يعكس حالة الترقب التي تسود الأسواق العالمية عشية القرار.
تحليل أعمق: ما وراء تحركات الذهب الأخيرة
يقول محللون في بنك أوف أميركا إن ارتفاع الذهب هذا الأسبوع ليس مجرد رد فعل لتوقعات خفض الفائدة، بل يعكس أيضاً حالة من “إعادة التموضع” بين المستثمرين الكبار الذين قلصوا تعرضهم للأسهم بعد موجة من المكاسب القوية في قطاع التكنولوجيا. ويضيفون أن استمرار صعود الذهب فوق 4000 دولار سيعتمد على لهجة باول اليوم، فإذا لمح إلى مزيد من الخفض في ديسمبر فقد تتجه الأسعار مجددًا إلى مستويات 4100-4200 دولار.
في المقابل، يرى خبراء في “جي بي مورغان” أن الذهب سيواجه صعوبة في تجاوز قمته التاريخية الأخيرة عند 4220 دولارًا ما لم يشهد الدولار الأميركي تراجعًا واضحًا، مشيرين إلى أن أي تعليقات من الفدرالي تربط بين خفض الفائدة واستمرار صلابة سوق العمل قد تعيد الزخم للدولار وتحد من مكاسب المعدن.
التوقعات القصيرة والمتوسطة المدى
من المتوقع أن تظل أسعار الذهب متقلبة في المدى القصير، إذ تتأرجح بين دعم الفدرالي وضغوط التفاؤل التجاري. على المدى المتوسط، يرى محللون أن تراجع الفائدة الأميركية واستمرار مشتريات البنوك المركزية من الذهب لدعم احتياطاتها سيشكّلان أرضية قوية للأسعار فوق مستوى 3900 دولار للأونصة.
لكن المخاطر تبقى قائمة، خصوصًا إذا تراجعت التوترات العالمية بوتيرة أسرع من المتوقع، أو إذا فاجأ الفدرالي الأسواق بتصريحات متشددة. في تلك الحالة، قد يتراجع الذهب مجددًا نحو 3850 دولارًا، وهو مستوى دعم رئيسي اختُبر عدة مرات هذا الشهر.
ختامًا.. توازن دقيق بين السياسات والتجارة
تختصر حركة الذهب اليوم التوازن الدقيق بين سياسات البنوك المركزية وآمال التعافي التجاري. فالمعدن النفيس لا يتحرك بمعزل عن السياسة، بل يتغذى من المخاوف والتوقعات في آن واحد. وفي ظل بيئة عالمية تتسم بتقلبات متزايدة، يبدو أن الذهب سيظل جزءًا أساسيًا من محافظ المستثمرين الباحثين عن التحوط والفرص، في انتظار ما سيحمله مؤتمر جيروم باول من إشارات جديدة لمسار الفائدة الأميركية.
هل سيرتفع الذهب بعد قرار الفدرالي الأميركي؟
يعتمد ذلك على لهجة جيروم باول. فإذا أشار إلى خفض إضافي للفائدة خلال الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن ترتفع أسعار الذهب فوق 4100 دولار للأونصة. أما إذا لمح إلى توقف مؤقت، فقد تشهد الأسعار تصحيحًا محدودًا.
ما تأثير المفاوضات التجارية بين أميركا والصين على الذهب؟
تحسن العلاقات التجارية عادةً يقلل من الطلب على الذهب كملاذ آمن، إذ تتراجع المخاطر الاقتصادية، لكن أي توتر جديد يعيد إشعال الطلب سريعًا.
هل تجاوز الذهب مستوى 4000 دولار يعني بداية موجة صعود جديدة؟
ليس بالضرورة، إذ يحتاج الذهب إلى تثبيت مستوياته فوق هذا الحاجز لعدة جلسات مع تأكيدات من الفدرالي على استمرار السياسة التيسيرية قبل أن يواصل الصعود نحو مستويات 4200 دولار.






















