أسعار الذهب تتراجع مع انحسار التوترات الأميركية-الصينية وتراجع الطلب على الملاذ الآمن
شهدت أسعار الذهب تراجعاً ملحوظاً في تعاملات آسيا اليوم الاثنين، لتواصل خسائر الأسبوع الماضي بعد تسع جلسات متتالية من المكاسب، وذلك مع تراجع الطلب على المعدن النفيس كملاذ آمن في ظل التهدئة التي تشهدها العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
انخفاض الذهب مع تحسن شهية المخاطرة
بحلول الساعة الرابعة صباحاً بتوقيت غرينتش، تراجع سعر الذهب الفوري بنسبة 1.3% ليصل إلى نحو 4060 دولاراً للأونصة، بينما انخفضت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنسبة 1.6% لتسجل 4072 دولاراً. يأتي هذا التراجع بعد أن سجل الذهب مستويات قياسية فوق 4300 دولار للأونصة في وقت سابق من أكتوبر، مدفوعاً بمخاوف جيوسياسية وتوقعات التيسير النقدي الأميركي.
ويرى محللون أن الأسواق بدأت تميل إلى تفكيك مراكز التحوط بعد إعلان واشنطن وبكين عن التوصل إلى إطار مبدئي لاتفاق تجاري خلال اجتماعات آسيان في ماليزيا، وهو ما دفع المستثمرين نحو الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم والنفط، وأضعف شهية الشراء على الذهب.
هدوء تجاري مؤقت.. لكنه فعّال
الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين أكبر اقتصادين في العالم أعاد بعض الهدوء إلى الأسواق العالمية. وبحسب مصادر أميركية، فإن الاتفاق سيسمح بإلغاء تهديد فرض رسوم بنسبة 100% على بعض الواردات الصينية، مقابل تعهدات من بكين بتقليص القيود على الصادرات الصناعية.
وقال سكوت بيسنت، المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية، إن “التهديدات الجمركية تراجعت، وكذلك احتمالات إطلاق الصين نظاماً عالمياً للرقابة على الصادرات، وهو ما يخفف منسوب التوتر ويعزز الثقة في التجارة الدولية”.
كيف أثرت هذه التطورات على معنويات المستثمرين؟
هدوء التوترات أعاد النشاط إلى أسواق الأسهم الآسيوية والأوروبية، ورفع الطلب على السندات ذات العوائد المرتفعة. وفي المقابل، انخفض الطلب على الذهب الذي عادةً ما يُعتبر ملاذاً آمناً في أوقات القلق. ويرى خبراء «فورتريس للاستشارات» أن هذا التراجع لا يعكس ضعفاً جوهرياً في الاتجاه الصاعد للذهب، بل هو تصحيح طبيعي بعد موجة مكاسب قياسية.
يقول مصطفى فهمي أبو العلا، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات في فورتريس للاستشارات في قطر: “الذهب فقد جزءاً من بريقه على المدى القصير مع تهدئة التوترات التجارية، لكن الصورة الأوسع تظل داعمة للارتفاع، خاصة مع اقتراب الفيدرالي الأميركي من بدء دورة خفض الفائدة”.
الفيدرالي الأميركي تحت المجهر
تترقب الأسواق قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه يوم 29 أكتوبر، حيث تشير أغلب التوقعات إلى خفض جديد للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. ويأتي ذلك بعد بيانات تضخم أقل من المتوقع في سبتمبر، مما عزز الرهانات على استمرار دورة التيسير النقدي خلال الربع الأخير من العام.
خفض الفائدة عادةً ما يُعتبر داعماً لسعر الذهب، إذ يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الأصول غير المدرة للعائد. كما أن ضعف الدولار الناتج عن خفض الفائدة يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين من حائزي العملات الأخرى.
لكن المفارقة الحالية تكمن في أن الأسواق تتعامل مع عاملين متناقضين: تراجع التوترات الجيوسياسية (سلبية للذهب) في مقابل تزايد احتمالات خفض الفائدة (إيجابية للذهب). وبالتالي، يبقى الاتجاه قصير الأجل رهيناً بموازين هذه القوى.
المعادن النفيسة الأخرى تشهد تبايناً
لم يكن الذهب وحده في دائرة التراجع، إذ انخفضت العقود الآجلة للفضة بنسبة 1.4% لتسجل 47.9 دولاراً للأونصة، كما هبط البلاتين 0.9% إلى 1587 دولاراً. في المقابل، قفز النحاس إلى مستوى قياسي جديد عند 11078 دولاراً للطن في بورصة لندن، مدعوماً بتوقعات انتعاش التجارة العالمية ونقص المعروض بعد إغلاق منجم “غراسبرغ” الإندونيسي.
ويقول محللون إن صعود النحاس يعكس انتقال المستثمرين من أصول التحوط إلى أصول النمو، وهو ما يشير إلى ثقة متزايدة في المسار الاقتصادي العالمي.
تحليل الاتجاه العام لأسعار الذهب
من الناحية الفنية، يشير تحليل فورتريس إلى أن الذهب يختبر حالياً مستوى دعم حرج عند 4050 دولاراً للأونصة، والذي إن تم كسره فقد يمتد الهبوط إلى منطقة 3980 دولاراً، قبل أن تتجدد عمليات الشراء عند الانخفاض. أما في حالة ارتداد الأسعار أعلى 4100 دولار، فقد يشهد السوق موجة ارتداد تصحيحية قصيرة.
ورغم التراجع الأخير، فإن الزخم العام منذ بداية العام لا يزال إيجابياً، حيث ارتفعت الأسعار بنحو 22% منذ يناير بدعم من الطلب الرسمي من البنوك المركزية واستمرار حالة الضبابية في السياسة النقدية العالمية.
الآفاق المستقبلية: بين التفاؤل التجاري والضباب النقدي
تاريخياً، لم يكن الذهب يتفاعل فقط مع الأزمات، بل أيضاً مع التغيرات في هيكل السياسات النقدية. ومع اقتراب الفيدرالي من مرحلة تخفيف السياسة النقدية، يرى محللو الأسواق أن الذهب قد يستعيد بريقه بعد موجة الهدوء الحالية.
تضيف “فورتريس للاستشارات” في تقريرها الأسبوعي أن “أي إشارة من الفيدرالي حول مزيد من الخفض في ديسمبر ستعيد إشعال الطلب على الذهب مجدداً، خصوصاً مع بقاء التضخم تحت السيطرة واستمرار ضعف العائد الحقيقي على السندات”.
في المقابل، يبقى العامل الجيوسياسي عاملاً غير محسوم، فالتقارب الأميركي-الصيني قد يكون مؤقتاً، إذ ما زالت ملفات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والقيود الاستثمارية محل خلاف عميق بين البلدين.
خلاصة المشهد
يبدو أن الذهب دخل مرحلة استراحة قصيرة بعد صعود قوي استمر عدة أشهر. تراجع التوترات التجارية أعاد بعض التوازن للأسواق، لكن المخاوف الاقتصادية العالمية لم تختفِ بعد. ومن المرجح أن تبقى أسعار الذهب في نطاق متذبذب بين 4000 و4200 دولار للأونصة حتى نهاية العام، في انتظار وضوح الرؤية النقدية الأميركية.
هل ما زال الذهب استثماراً آمناً في 2025؟
نعم، رغم التراجع الأخير، يظل الذهب أحد أهم أدوات التحوط ضد تقلبات الأسواق والتضخم، خصوصاً في ظل السياسة النقدية التيسيرية حول العالم.
هل خفض الفائدة الأميركية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب؟
عادةً نعم، لأن خفض الفائدة يقلل من عوائد الأصول البديلة ويزيد من جاذبية الذهب كملاذ آمن.
هل يمكن أن يهبط الذهب دون 4000 دولار للأونصة؟
الاحتمال قائم على المدى القصير، لكنه يظل محدوداً ما لم تظهر مؤشرات قوية على انتعاش اقتصادي عالمي مستدام.






















