أسعار الذهب تتراجع قبل قرار الفيدرالي بينما الفضة تقفز إلى مستوى قياسي
تراجعت أسعار الذهب خلال تعاملات الأربعاء في جلسة اتسمت بقدر كبير من الترقب والحذر، حيث ينتظر المستثمرون حول العالم إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قراره بشأن أسعار الفائدة، وسط توقعات واسعة بخفض بمقدار 25 نقطة أساس. يأتي ذلك في وقت تشهد فيه أسواق المعادن الثمينة حالة من التذبذب، إذ يتراجع الذهب بشكل طفيف بينما تواصل الفضة تسجيل قفزات تاريخية جعلتها في صدارة الأداء العالمي خلال 2025.
ورغم الانخفاض المحدود في أسعار الذهب، فإن المعدن الأصفر لا يزال يتحرك بالقرب من أعلى مستوياته المسجّلة هذا العام، مدعومًا بتوقعات التيسير النقدي الأميركي وتزايد الرهانات على دورة خفض فائدة ممتدة خلال 2026. ومع ذلك، يبقى المخطط العام للمعدن النفيس حساسًا لأي تغيير في لهجة الفيدرالي، سواء كان أكثر تشددًا أو أكثر مرونة بشأن التضخم وآفاق النمو الاقتصادي.
هبوط طفيف في أسعار الذهب قبل اجتماع السياسة النقدية
عند الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش، انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 4,196.15 دولار للأونصة، بينما تراجعت العقود الآجلة للذهب تسليم مارس بنسبة مماثلة إلى نحو 4,224 دولارًا. ويأتي هذا التراجع امتدادًا لعمليات جني الأرباح التي بدأت في الجلسات السابقة بعد موجة ارتفاع قوية دفعت المعدن إلى مستويات تاريخية خلال النصف الثاني من العام.
وتُظهر البيانات الحالية أن المستثمرين لا يزالون يفضلون الترقب بدلًا من اتخاذ مراكز طويلة إضافية، إلى حين اتضاح موقف الفيدرالي بشأن التضخم وتوقعات الفائدة. إذ تشير الأسواق إلى أن خفض الفائدة بات شبه محسوم، لكن التركيز الأكبر سينصب على البيان المصاحب والمؤتمر الصحفي لرئيس الفيدرالي، حيث أن أي إشارة إلى تباطؤ وتيرة الخفض أو بقاء التضخم مرتفعًا قد تؤثر بشكل جذري في حركة الذهب والأسواق المالية عمومًا.
التوقعات بخفض الفائدة تعزز جاذبية الذهب… لكن بحذر
تاريخيًا، تُعد أسعار الذهب حساسة للغاية لتحركات الفائدة الأميركية، حيث يؤدي خفض الفائدة إلى تقليل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب غير المربح، وزيادة الإقبال عليه كأداة للتحوط من تقلبات العملات وأسواق السندات. إلا أن مشهد 2025 يحمل أبعادًا إضافية تزيد من تعقيد قراءة الأسواق.
ففي ظل تباطؤ النمو العالمي وتزايد مخاوف الركود في بعض الاقتصادات المتقدمة، بات كثير من المستثمرين يدفعون بالذهب إلى مستويات قياسية، لكن في المقابل، تظهر موجة قلق من إمكانية تحوّل التضخم مرة أخرى إلى مسار صعودي، وهو ما قد يدفع الفيدرالي لاتخاذ موقف أكثر تشددًا في الشهور المقبلة.
ويرى خبراء الأسواق أن الذهب لا يزال على مسار صعودي استراتيجي، لكن التذبذبات قصيرة الأجل ستبقى حاضرة بقوة، خاصة في ظل التعديلات المستمرة لتسعير المخاطر المرتبطة بالتضخم والنمو ورؤية الفيدرالي للسياسة النقدية لعام 2026.
الأنظار تتجه نحو خليفة جيروم باول في رئاسة الفيدرالي
تشهد الأسواق حالة غير مسبوقة من الاهتمام بعملية اختيار رئيس الفيدرالي الجديد، إذ ينتهي عهد جيروم باول في مايو 2026، وسط ترقب شديد لهوية المرشح الذي سيقود السياسة النقدية في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في الاقتصاد العالمي. وتشير التقارير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ جولة نهائية من المقابلات لاختيار خليفة باول.
وبرز اسم المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت كمرشح أول للمنصب، خاصة بعد تصريحاته التي أشار فيها إلى وجود “مساحة كبيرة” لمزيد من خفض الفائدة، مع تأكيده أن مسار السياسة قد يتغير إذا عادت الضغوط التضخمية للارتفاع. وتُعد هذه التصريحات ذات دلالة كبيرة للأسواق، حيث يرى كثيرون أن هاسيت قد يدعم سياسة نقدية أكثر مرونة تسهم في بقاء أسعار الذهب عند مستويات مرتفعة.
الفضة تسرق الأضواء… مستوى قياسي جديد يتجاوز 62 دولارًا
على الجانب الآخر، كانت الفضة هي العنوان الأبرز هذا الأسبوع، حيث قفزت إلى مستوى قياسي بلغ 62.018 دولار للأونصة، مسجلة أكثر من 100% ارتفاع منذ بداية 2025، لتصبح المعدن الأكثر جذبًا للمضاربين وصناديق الاستثمار خلال الفترة الحالية.
وتستند موجة الصعود الحادة للفضة إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
1. المضاربات القوية وزيادة الرهانات على الطلب الصناعي
تُعد الفضة عنصرًا رئيسيًا في صناعة الشرائح الإلكترونية والخلايا الشمسية والمكوّنات الكهربائية، وقد ارتفع الطلب الصناعي عليها بشكل كبير بالتوازي مع توسّع قطاع الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. وهو ما خلق فجوة واضحة بين العرض والطلب.
2. إدراج الفضة ضمن قائمة المعادن الحرجة في الولايات المتحدة
أعلنت واشنطن رسميًا إدراج الفضة ضمن المعادن الاستراتيجية الحرجة، ما دفع الحكومة إلى البحث عن مصادر جديدة لتأمين الإمدادات، وهو ما تسبب في موجة شراء كبيرة من المستثمرين الذين يراهنون على نقص المعروض.
3. التحوّط البديل للذهب
مع ارتفاع أسعار الذهب لمستويات تاريخية، اتجه جزء من المستثمرين إلى الفضة باعتبارها بديلًا آمنًا أقل تكلفة، لكنه يمتلك القدرة على تحقيق مكاسب أعلى خلال فترات التوتر الجيوسياسي أو المالي.
البلاتين والنحاس… تباين واضح في الأداء
في الوقت ذاته، تراجع البلاتين بنسبة 2% بعد أن لامس أعلى مستوى له في أسبوعين، بينما ارتفعت أسعار النحاس في بورصة لندن بنسبة 1.4% إلى نحو 11,627 دولارًا للطن، مدعومًا بتوقعات تعافي الطلب الصيني وبوادر تحسّن طفيف في مؤشرات التصنيع العالمية.
ويرى محللون أن النحاس قد يكون على أعتاب موجة صعود جديدة إذا جاءت بيانات النشاط الصناعي إيجابية خلال الربع الأول من 2026، خاصة مع استمرار الاستثمارات في البنية التحتية وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد بشدة على المعدن الأحمر.
هل الذهب مقبل على موجة ارتفاع جديدة بعد قرار الفيدرالي؟
تشير معظم توقعات البنوك الاستثمارية إلى أن أسعار الذهب قد تعاود الصعود بقوة خلال الأسابيع المقبلة في حال أكد الفيدرالي أن مسار خفض الفائدة سيستمر تدريجيًا حتى منتصف 2026. إلا أن احتمالات حدوث مفاجآت تبقى قائمة، خاصة إذا صدرت بيانات التضخم أو التوظيف بشكل يغيّر توقعات السوق.
ويعتقد محللون أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الذهب في نطاق صعودي متوسط المدى، مع احتمالات تسجيل قمم جديدة خلال 2026 إذا تدهورت مؤشرات الاقتصاد الأميركي أو شهدت الأسواق العالمية توترات جيوسياسية إضافية.
الخلاصة: أسبوع حاسم للذهب… وتاريخي للفضة
باختصار، يعيش سوق المعادن الثمينة أسبوعًا محوريًا، إذ تتجه الأنظار نحو قرار الفيدرالي الذي قد يحدد اتجاه أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، بينما تواصل الفضة خطف الأضواء مع صعود قياسي لم تشهده منذ عقود. وبين هذه التحركات المتباينة، يبقى المستثمرون في حالة ترقب شديد، منتظرين إشارة واضحة من السياسة النقدية الأميركية لرسم خريطة الطريق للمرحلة المقبلة.






















