الدولار يسجل خسارة أسبوعية وسط مخاوف تجارية وإغلاق حكومي
سجل الدولار خسارة أسبوعية أمام الفرنك السويسري والين الياباني يوم الجمعة 17 أكتوبر/تشرين الأول، فيما زادت ضبابية المشهد بفعل الإغلاق الحكومي الأميركي وتعطل سيل البيانات، بينما واصل اليورو والإسترليني تحقيق مكاسب أسبوعية على حساب العملة الخضراء.
ملخص التحركات: تراجع الزخم وتبدد أفضلية الملاذ النقدي
مع نهاية الأسبوع، تراجع الدولار إلى أدنى مستوى في شهر أمام الفرنك السويسري عند 0.7925 فرنك، لينهي الأسبوع على أكبر خسارة منذ يونيو/حزيران. وفي المقابل، عوّض الين جزءاً من خسائره السابقة ليستقر الزوج قرب 150.49 ين، بينما حقق اليورو مكاسب أسبوعية هي الأكبر في تسعة أسابيع رغم تراجعه اليومي الطفيف إلى 1.16678 دولار. أما الجنيه الإسترليني فاستقر حول 1.3433 دولار محتفظاً بمكاسبه الأسبوعية. وعلى مستوى السلة الأوسع، اتجه مؤشر الدولار إلى الهبوط بنحو 0.43% هذا الأسبوع رغم صعود يومي محدود إلى 98.43.
هذه اللوحة تعكس انتقالاً تدريجياً من سيناريو «الدولار الملاذ» إلى مزيج أكثر تعقيداً، حيث يضغط غياب البيانات الأميركية المعهودة — نتيجة الإغلاق الحكومي — على الرؤية الأساسية للمستثمرين، ويعيد توزيع الرهانات بين عملات الملاذ التقليدية، لا سيما الفرنك السويسري والين الياباني، وبين عملات رئيسية استفادت من تصحيح المعنويات مثل اليورو والإسترليني.
إغلاق الحكومة الأميركية: ضبابية البيانات تعيد تعريف المخاطر
أدى توقف نشر مؤشرات الاقتصاد الكلي الأميركية إلى فجوة معلوماتية في لحظة حساسة. فعندما تُحجب قراءات النمو والتضخم والوظائف لفترة، يتراجع الاعتماد على «الحقائق الجديدة» وتزداد أهمية السيناريوهات الاحتمالية. هذا بدوره يدفع المستثمرين لتخفيف تعرضهم لـالدولار حتى تتضح الصورة مجدداً.
في أوقات وفرة البيانات، يتغذى الدولار على مفاجآت إيجابية في النمو أو التضخم أو سوق العمل ليرفع توقعات الفائدة أو يؤخر خفضها. أما الآن، فإن الفجوة المعلوماتية تقلّص قدرة السوق على تسعير السياسة النقدية الأميركية بثقة، فتضعف ميزة الدولار النسبية، وتزداد جاذبية عملات أخرى إما لمتانة ميزانياتها الخارجية، أو لفائض الحساب الجاري، أو لهيكل تضخم أقل تقلباً.
التوتر التجاري: صدمة معنويات لا تزال تتردد
التطورات المتعلقة بالرسوم الجمركية وعلاقات الولايات المتحدة التجارية تُبقي حالة عدم اليقين مرتفعة. حتى مع تراجع القلق في بعض الجلسات، فإن رسائل السوق تؤكد أنّ أي تهدئة مؤقتة لا تمحو تماماً مخاطر اتساع الإجراءات الحمائية. آثار ذلك تتجاوز الأسهم والسلع إلى سوق العملات، حيث يُعاد تسعير مسارات النمو والتجارة العالمية، ما يضغط على الدولار عندما يُنظر إليه كمحركٍ لموجات التقلب الأوسع.
بالنسبة للفرنك السويسري، فإن عودة الطلب على الملاذات في أوقات الضبابية التجارية تمنحه زخماً متكرراً، خصوصاً عندما تقترن المخاطر العالمية بضعف الرؤية على صعيد البيانات الأميركية. أما الين الياباني، فحساسيته العالية لتقلبات العائدات العالمية ومعنويات المخاطرة تجعله يستعيد بعض قوته النسبية عندما يشح اليقين وتُختبر سيولة السوق.
بنك اليابان في الصورة: إشارات «أويدا» تُعيد تموضع الرهانات
مناقشة محافظ بنك اليابان كازو أويدا للعوامل التي قد تُبرر رفع الفائدة هذا الشهر كانت كافية لتغيير النبرة تجاه الين. فعلى مدار سنوات، شكّلت سياسة الفائدة شديدة الانخفاض والتحكم في منحنى العائد ركيزة أساسية لضعف الين وتفوق الدولار. لكن تلميحات أي انعطاف — حتى لو كانت حذرة — تُغير ديناميكيات التدفقات وتميل إلى كبح ارتفاعات الدولار/ين عند مستويات مرتفعة حساسة نفسياً.
التحول السياسي النقدي في اليابان، إن تأكد تدريجياً، سيُسهم في إعادة تسعير الفوارق في العائد الحقيقي بين الولايات المتحدة واليابان. ومع اتساع الحديث عن ذروة دورة التشديد الأميركية واقتراب خفض الفائدة في مرحلة لاحقة، يصبح تقارب السياسات النقدية — ولو من مسافة — عاملاً ضاغطاً على الدولار أمام الين على المدى المتوسط.
اليورو والإسترليني: مكاسب على هامش ضعف الدولار
سجل اليورو مكاسب أسبوعية هي الأكبر في تسعة أسابيع، مدفوعاً بمزيج من عوامل محلية وعالمية، أهمها تراجع زخْم الدولار. ورغم بقاء تحديات النمو في منطقة اليورو، فإن استقرار التوقعات التضخمية وتماسك أوضاع الائتمان في البنوك الكبرى ساعدا العملة الموحدة على التقاط الأنفاس. السعر اليومي عند 1.16678 دولار لا يُلغي أن الاتجاه الأسبوعي صعدي، وهو ما يعكس انتقال بعض التدفقات من الدولار إلى اليورو مع انحسار الفوارق المفاجئة في البيانات.
أما الجنيه الإسترليني، فاستقر عند 1.3433 دولار مع تحقيق مكاسب أسبوعية. نقاط قوة الإسترليني حالياً أقل ارتباطاً بزخم محلي صارخ وأكثر اتصالاً بإعادة موازنة سلال العملات لدى المستثمرين العالميين في بيئة تتسم بتقلب معطيات السياسة الأميركية. استمرار هذا الأداء سيعتمد على توازن صعب بين مسار التضخم البريطاني والنشاط الاقتصادي، إضافةً إلى مسار عائدات السندات في لندن وواشنطن.
الفرنك السويسري: عودة الكلاسيكيات في زمن الضبابية
هبوط الدولار إلى 0.7925 فرنك — أدنى مستوى منذ منتصف سبتمبر/أيلول — يُعيد التأكيد على مكانة الفرنك السويسري كملاذ نقدي عندما تتزاحم المخاطر. قوة الفرنك ليست محض انعكاس لضعف الدولار فحسب، بل تعكس أيضاً تموضعاً دفاعياً أوسع تجاه الأصول عالية المخاطر. في غياب بيانات أميركية قاطعة، يصبح الميل إلى عملات ذات سِمات دفاعية خياراً بديهياً لكثير من محافظ الاستثمار العالمية.
مؤشر الدولار: إشارة مرجعية تفقد بعض بريقها
انخفاض مؤشر الدولار بنحو 0.43% أسبوعياً — رغم صعود يومي خفيف إلى 98.43 — يُظهر أن الارتداد داخل الجلسة لا يُغير الاتجاه العام. المؤشر، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية، حساس لسلوك اليورو تحديداً، ومن ثم فإن أي تحسّن نسبي في العملة الموحدة سينعكس مباشرةً على المؤشر. ومع فتور سوق البيانات الأميركية، تتراخى العوامل الداعمة للمؤشر مقارنة بأسابيع الاعتماد على مفاجآت رقمية إيجابية.
ما الذي يعنيه ذلك للمستثمرين؟ تكتيكات إدارة المخاطر
بالنسبة للمتداولين على المدى القصير، قد تُفضّل الاستراتيجيات الانتهازية التي تراهن على اتساع نطاقات التذبذب بدل الاتجاهات المستقيمة، مع مراقبة مستويات نفسية مثل 150 في الدولار/ين وعتبات فنية لليورو/دولار قرب قمم الأسابيع الأخيرة. في المقابل، يميل المستثمر متوسط الأجل إلى تخفيف الوزن النسبي للدولار لصالح سلة أكثر تنوعاً، مع الاحتفاظ بهوامش أمان نقدية تحسّباً لصدور دفعات مفاجئة من البيانات فور انتهاء الإغلاق الحكومي.
الأساسيات تبقى حاسمة: مسارات التضخم الأميركي، مرونة سوق العمل، وتوقيت أي تغيير في وتيرة الفائدة. فإذا عاد صدور البيانات ليؤكد تباطؤاً منظماً وتراجعاً في الضغوط السعرية، فسيزداد الميل إلى تخفيف قوة الدولار تدريجياً. أما في حال تجددت مفاجآت النمو والتضخم صعوداً، فقد يستعيد الدولار بعض زخمه سريعاً، خاصة أمام اليورو والإسترليني.
السيناريوهات المقبلة: بين السياسة والبيانات
يتوقف المسار التالي للدولار على ثلاثة محاور مترابطة. أولاً، الإطار التجاري: أي تليين ملموس في لهجة الرسوم والإجراءات قد يخفف التذبذب لكنه لا يضمن فوراً عودة قوة الدولار إذا ظلّت الفجوة المعرفية قائمة. ثانياً، البيانات الأميركية: انتهاء الإغلاق الحكومي واستئناف الجدول الطبيعي للإصدارات سيعيد تشكيل منحنى التوقعات ويُعيد للدولار بعض ميزاته التحليلية. ثالثاً، بنك اليابان: أي خطوة مفاجئة أو إشارات أوضح حول رفع الفائدة ستُبعد مستويات مرتفعة للزوج دولار/ين وتضغط على الدولار عبر قناة الفروقات الحقيقية في العوائد.
بالنسبة لأوروبا، استمرار تحسّن المعنويات تجاه البنوك الكبرى واستقرار أسعار الطاقة عند نطاقات يمكن التعايش معها سيُبقي اليورو في وضع دفاعي-هجومي متوازن. وفي المملكة المتحدة، سيتعلق أداء الإسترليني بقدرة الاقتصاد على تفادي تباطؤ أعمق مع انحسار التضخم وتماسك الأجور تمهيداً لإعادة تسعير دورة السياسة النقدية.
خسارة أسبوعية للدولار… لكنها ليست قدراً محتوماً
إن الدولار يسجل خسارة أسبوعية في لحظة تتقاطع فيها مخاوف تجارية مع إغلاق حكومي يعطّل بوصلات المتداولين. وفي حين يعكس الأداء الأخير تحولاً مؤقتاً في أفضلية الملاذات النقدية تجاه الفرنك والين، فإن الصورة النهائية ستُرسم عند عودة البيانات إلى مسارها الطبيعي، وعند اتضاح مدى واقعية انعطافة بنك اليابان. وحتى ذلك الحين، يبقى المشهد قائماً على إدارة دقيقة للمخاطر، وتنويع مدروس في التعرضات، وترقّب يقظ لأي إشارة تعيد فتح مسار قوة الدولار أو تؤكد تبدّل اتجاهه على مدى أبعد.






















