الأسهم العالمية تهبط وسعر الذهب يقفز مع عزوف المستثمرين عن المخاطرة
الأسواق تتراجع والذهب يلمع مجددًا
جاء الهبوط في الأسهم العالمية متزامنًا مع صعود واضح في سعر الذهب الذي قفز بنسبة 0.5% مسجلًا نحو 4,130 دولارًا للأونصة، مقتربًا من مستوى قياسي بلغ 4,179 دولارًا خلال الجلسة الآسيوية. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تزايد المخاوف من أن تؤدي الرسوم الجمركية المتبادلة بين واشنطن وبكين إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية.
في المقابل، واصلت عملة «بيتكوين» خسائرها الحادة متراجعة بنحو 3.6% إلى 111,793 دولارًا، لتهبط بذلك بنسبة تقارب 12.5% خلال أسبوع واحد، ما يعكس خروج المستثمرين من الأصول عالية المخاطر إلى أصول أكثر أمانًا كالذهب والسندات الأميركية.
توتر تجاري متصاعد قبل قمة أكتوبر
ابتداءً من يوم الثلاثاء، فرضت كل من الولايات المتحدة والصين رسوماً على شركات الشحن البحري التي تنقل بضائع تتراوح من الألعاب إلى النفط الخام، في خطوة أثارت قلق المستثمرين بشأن احتمالية تحول الحرب التجارية إلى مواجهة مفتوحة.
وقال مارك فيلان، رئيس قسم الاستثمارات في شركة «لوسيرن لإدارة الأصول» في سنغافورة، إن ما يحدث هو “تصعيد مؤقت يسبق التهدئة”، مشيرًا إلى أن كلا الجانبين يسعيان إلى “التصعيد من أجل التفاوض”، خاصة وأن الإدارة الأميركية لا تستطيع تحمل حرب تجارية جديدة قبل انتخابات منتصف الولاية.
هبوط الأسهم العالمية وسط ضبابية المشهد
تراجعت مؤشرات الأسهم الأوروبية بنسبة 0.7%، متأثرة بخسائر حادة في أسهم التكنولوجيا، التي سجلت أدنى مستوياتها خلال أسبوعين. أما العقود الآجلة لمؤشري «ستاندرد آند بورز 500» و«ناسداك»، فانخفضت بنحو 1%، ما يشير إلى أن جلسة الثلاثاء قد تشهد انعكاسًا جزئيًا للمكاسب التي حققتها الأسواق الأميركية يوم الإثنين، حين قفزت الأسهم بنسبة تجاوزت 2.2% بعد لهجة ترامب التصالحية.
ويرى فيليب شو، كبير الاقتصاديين في «إنفستك»، أن ما يجري “تصحيح طبيعي بعد موجة ارتفاع قوية”، مضيفًا أن “الأسواق لا ترى في الإجراءات الجديدة بداية لحرب تجارية جديدة، بل جزءًا من لعبة تفاوضية مألوفة بين واشنطن وبكين”.
الملاذات الآمنة في الواجهة
ارتفع الطلب على السندات الأميركية، مع تراجع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.017%، منخفضًا بمقدار 3 نقاط أساس. كما هبط العائد على السندات لأجل عامين إلى 3.48%، مسجلًا أكبر انخفاض يومين منذ أغسطس الماضي، في إشارة إلى تزايد الرهانات على أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يسارع إلى خفض أسعار الفائدة لمواجهة التباطؤ الاقتصادي.
وقال محللون في بنك «دانسك» الدنماركي إن “أي تصعيد جديد في التوتر التجاري بين أميركا والصين سيزيد احتمالية قيام الفيدرالي بتسريع وتيرة خفض الفائدة”، مشيرين إلى أن الأسواق باتت تتوقع خفضًا في الاجتماع المقبل وربما آخر قبل نهاية العام.
العملات تحت ضغط… والين الياباني يستفيد
في أسواق العملات، تراجع اليورو بنسبة 0.13% إلى 1.1553 دولار، متأثرًا بالأزمة السياسية في فرنسا بعد أن واجه الرئيس إيمانويل ماكرون اقتراحي حجب ثقة في البرلمان. كما انخفض الجنيه الإسترليني والأسترالي أمام الدولار الأميركي بنسب 0.5% و1% على التوالي.
في المقابل، ارتفع الين الياباني بنحو 0.1% إلى 152.07 مقابل الدولار، بعد تصريحات لوزير المالية الياباني أكد فيها أن بلاده بحاجة إلى “استراتيجية اقتصادية جديدة” تركز على التعامل مع التضخم بدلاً من الانكماش، وهو ما فُسّر كإشارة إلى استمرار السياسة النقدية التيسيرية.
أسعار النفط تتراجع مع تحسن التوازن بين العرض والطلب
في سوق الطاقة، انخفضت أسعار النفط بشكل واضح، حيث تراجع خام برنت بنسبة 2.1% إلى 62 دولارًا للبرميل، بعد أن أظهر تقرير حديث لـ«أوبك» أن المعروض العالمي من النفط سيقترب من مستويات الطلب خلال عام 2026، مما يقلل احتمالات حدوث عجز في السوق. ويُنظر إلى هذا التقرير كعامل ضغط إضافي على الأسعار في ظل تباطؤ الطلب الصيني والأوروبي.
ويرى محللون أن التوتر التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم سيؤثر على تدفقات التجارة العالمية وبالتالي على الطلب على النفط، مشيرين إلى أن أسعار الخام قد تظل متقلبة حتى تتضح نتائج القمة الأميركية الصينية نهاية الشهر.
سعر الذهب يتصدر المشهد ويعزز مكانته كملاذ آمن
يواصل سعر الذهب صعوده المستمر منذ بداية أكتوبر، إذ تجاوزت مكاسبه 9% خلال أسبوعين فقط. ويقول خبراء الأسواق إن الذهب يستفيد من عاملين رئيسيين: التوترات الجيوسياسية التي تدفع المستثمرين إلى الأمان، وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية.
وأضافوا أن عوائد السندات المنخفضة تجعل الأصول غير المنتجة كالمعادن الثمينة أكثر جاذبية، في وقت يظل فيه التضخم الأميركي أعلى من المستهدف الفيدرالي البالغ 2%. ويُتوقع أن يتراوح الذهب بين 4,100 و4,250 دولارًا للأونصة على المدى القصير، مع احتمال كسر مستويات أعلى إذا تفاقمت التوترات التجارية أو السياسية.
البيتكوين يفقد بريقه كأصل مخاطرة
بينما يزداد بريق الذهب، يبدو أن العملات المشفرة تفقد قدرتها على جذب المستثمرين خلال فترات القلق العالمي. فقد تراجع سعر «بيتكوين» إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أسابيع، متأثرًا بخروج مكثف لرؤوس الأموال من الأصول الرقمية نحو أدوات أكثر أمانًا.
ويرى محللون أن الارتباط المتزايد بين العملات المشفرة ومؤشرات الأسهم عالية المخاطر يجعلها أكثر عرضة للهبوط في أوقات عدم اليقين، بخلاف الذهب الذي يحتفظ بجاذبيته التاريخية كأداة تحوط من التضخم والأزمات.
نظرة تحليلية: تصحيح مؤقت أم بداية انعطاف؟
يتفق أغلب المحللين على أن التراجع الحالي في الأسواق العالمية لا يعني بداية أزمة جديدة، بل يمثل تصحيحًا بعد موجة صعود قوية. ومع ذلك، فإن استمرار تصاعد التوتر بين أميركا والصين قد يؤدي إلى ضغوط إضافية على الأسهم ويُبقي سعر الذهب مدعومًا عند مستويات مرتفعة.
وتشير توقعات البنوك الكبرى إلى أن الذهب سيبقى بين أبرز المستفيدين من المرحلة المقبلة، خصوصًا إذا أقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض الفائدة مرتين على الأقل خلال العام المقبل، وهو ما سيُضعف الدولار الأميركي ويعزز الطلب على المعدن النفيس.






















