أسواق العالم في عام ترامب 2.0: الرسوم (Tariffs)، «تراجُع ترامب» (TACO)، والدولار
شهدت أسواق العالم في عام ترامب 2.0 اختبارًا مركّبًا جمع بين موجات الرسوم الجمركية، إعادة تموضع سلاسل التوريد، واندفاعة تكنولوجية غير مسبوقة قادتها الذكاء الاصطناعي. خلال الاثني عشر شهرًا التي تلت انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، رأينا مزيجًا فريدًا: الدولار قفز ثم تراجع صافيًا بنحو 4%، مؤشرات الأسهم العالمية سجّلت قممًا تاريخية بدعم «حمّى الذكاء الاصطناعي»، بينما كسرت الذهب والبيتكوين أرقامًا قياسية (قرابة 4,381 دولارًا للأونصة للذهب في أكتوبر، و ~125,836 دولارًا للبيتكوين)، في حين ارتفعت عوائد السندات الطويلة مع تسعير اتساع العجز المالي الأميركي.
المشهد الكلي: دولار قوي «انتقائي»، تضخم مُدار، وفائدة في طور التيسير
عقب فوز ترامب، تسعّر السوق مزيجًا من إنفاق مالي وتخفيضات ضريبية («فاتورة واحدة جميلة» رفعت العجز المتوقع بنحو 3.8 تريليون دولار لعشر سنوات)، ما دفع الدولار للارتفاع أولًا، قبل أن يخسر صافيًا بنحو 4% مع انحسار رهانات السياسة القصوى وعودة «تجارة المخاطرة» خارج الولايات المتحدة. وعلى الرغم من هذا التراجع النسبي، ظل الدولار «القميص الأقل اتساخًا» في أوقات توتر الجغرافيا السياسية، ما أبقى الطلب عليه قائمًا عند الصدمات.
الرسوم و«عقيدة TACO»: تهويل ثم تراجُع يقود دورة تذبذب/ارتداد
إعلان «يوم التحرير» في 2 أبريل كان الاختبار الأبرز: هوت MSCI World بنحو 10% سريعًا ثم تعافت المؤشرات إلى قمم جديدة، لتغلق فوق مكاسب 20% منذ يوم الانتخابات. تبلورت هنا عقيدة TACO («ترامب دائمًا يتراجع»): التشدّد اللفظي والقرارات الأولية تُربك التسعير، ثم تأتي مراجعات/استثناءات تقلّل من الحِدّة، فيمسح السوق جزءًا من التخفيضات السابقة. بالنسبة للمتداول المحترف، هذه الدورة تولّد فرص mean reversion وتداولات تكتيكية حول الصدمات العناوينية.
العملات: «القميص الأقل اتساخًا» لا يزال على الرف الأمامي
تذبذب الدولار ترامب ترامب عكس شد الحبل بين فارق العوائد الحقيقية (مع خفض الفيدرالي لاحقًا) وشهية المخاطرة العالمية. عند كل موجة رسوم/توتر، تُستدعى سيولة الدولار كملاذ أول، ثم تنحسر دفقات الأمان مع تراجُع نبرة التصعيد أو توضّح الاستثناءات. في المقابل، استفادت عملات آسيوية منتقاة من رخاوة الدولار الدورية ومن موجة الاستثمار في أشباه الموصلات والبنية الرقمية.
الأسهم العالمية: ذكاء اصطناعي فوق خطّ النار
رغم تهديدات الرسوم، دفع الذكاء الاصطناعي المؤشرات إلى قمم: S&P 500 ارتفع ~17% منذ نوفمبر الماضي، مدعومًا بعمالقة البنية التحتية والتطبيقات، فيما قادت أسهم الدفاع الارتفاع في أوروبا مع تزايد الإنفاق الأمني. في آسيا، أسهم اليابان/كوريا/تايوان تلقت دعمًا مزدوجًا: دورة أشباه الموصلات وهدوء الدولار النسبي. بالمقابل، عانت الشركات كثيفة الاستيراد والمكشوفة على سلاسل توريد متداخلة مع الصين من هوامش أضعف وتكاليف امتثال أعلى.
تسلا: من شهر عسل إلى تذبذب «يويو»
العلاقة السياسية/الشخصية بين ترامب وإيلون ماسك غذّت «بيتا» السهم: بعد ارتفاعات حادّة إلى قمم تاريخية (~488.5)، واجهت تسلا تباطؤًا في التسليمات لربعين متتالين مع ضوضاء السياسة والسمعة، قبل ارتداد لاحق مع تغيّر طبيعة العلاقة وانفصالها بحلول أواخر مايو. النتيجة: تقلب أعلى من الأقران، لكنه ظلّ متفوقًا على صانعي السيارات التقليديين المتأثرين بالرسوم وسلاسل التوريد.
السلع: ذهب تاريخي ونحاس تحت المجهر
تضافرت عوامل عدة لدفع الذهب إلى ذُرى تاريخية (~4,381 دولارًا/أكتوبر): عجز مالي أميركي متسع، توترات جيوسياسية، وتنوّع الاحتياطيات/التحوّط لدى مؤسسات ومستثمرين. في المقابل، يُراقَب النحاس كعدّاد للنشاط الصناعي ولإعادة توطين المصانع (onshoring)، لكن الرسوم قد تُبقي تذبذب التكاليف عاليًا على سلاسل القيمة. النفط بقي حسّاسًا لمعادلة المعروض/الطلب مع قرارات «أوبك+» وتكلفة رأس المال الأعلى، بينما حدّ الدولار القوي دوريًا من مكاسب السلع المقومة به.
السندات: علاوة زمن أطول وعجز أكبر… ولكن
صعدت عوائد السندات العالمية: عائد 30 عامًا الأميركي حول ~4.66% مرتفعًا ~14 نقطة أساس منذ نوفمبر، بينما كانت الارتفاعات في الـJGBs أشدّ (~+85 نقطة أساس)، كما ارتفعت عوائد فرنسا/ألمانيا الطويلة (قرابة +59–62 نقطة أساس). يعكس ذلك علاوة أجل أعلى مع عجز أكبر، لكن تهدئة التضخم وخفض الفائدة الفيدرالية كبحت التسعير المتطرف، لتنشأ بيئة «تذبذب داخل نطاق» بدل قفزات اتجاهية طويلة.
التجارة: عجز يتقلّص… ومفاجآت «قَبل الرسوم»
تسببت الرسوم في إعادة تموضع سلاسل التوريد ورفع تكاليف الامتثال، لكن العجز التجاري الأميركي انكمش إلى ~60.2 مليار دولار في يونيو، مع هبوط العجز مع الصين بنحو 70% خلال خمسة أشهر إلى أدنى مستوى في 21 عامًا. جزء من الحراك جاء من «الاندفاع الاستباقي» للشحن قبل تطبيق الرسوم، ثم الهبوط التقني بعدها. أوروبا بدت أكثر تأثرًا مقارنة بالصين في بعض المقاطع، بحكم اعتماد صناعاتها على مستوردات وسيطة محددة ومرونة أقل في التعويض السريع.
خريطة المخاطر للأشهر الـ 6–12 المقبلة
- الفائدة الأميركية: أي تباطؤ غير متوقع في خفض الفائدة قد يُعيد الدولار لأعلى ويضغط على التقييمات.
- جرعة الرسوم/الاستثناءات: «درجة حرارة» TACO تحدّد مدى التجاوز أو التراجع؛ المتابعة يومية للتفاصيل الفنية.
- سلاسل التوريد: تعميق near-/friend-shoring يبدّل هوامش القطاعات الصناعية.
- الاستجابة الأوروبية/الآسيوية: حِزم دعم الصناعة والدفاع تعيد توجيه التدفقات القطاعية.
- المالية الأميركية: مسار العجز/الإصدار الصافي يؤثر على علاوة الأجل والدولار معًا.
استراتيجيات عملية للمستثمر العربي
1) محافظ دفاعية ذكية
- باربَل مدّة في السندات: مزيج قصير/طويل للتحكّم بالمخاطر وسط تقلب علاوة الأجل.
- ذهب كتحوّط بنيوي بنسبة مدروسة، مع إدارة تكتيكية عبر خيارات للبيع المغطى عند الذُرى.
- جودة أرباح وأسهم قدرة تسعير في القطاعات غير الدورية، لتخفيف صدمات التكلفة.
2) تعرض انتقائي للذكاء الاصطناعي والبنية
- تفضيل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (مراكز بيانات/رقاقات/طاقة) على التطبيقات الأكثر دورية.
- انضباط تقييمات: استخدام مضاعفات ربحية/تدفّقات حرة وتتبّع حساسية الهامش للرسوم.
3) دفاع وأمن سيبراني
- استفادة مباشرة من إعادة التسلّح الأوروبي وتوترات شرق آسيا.
- الأمن السيبراني كخط دفاع قسري وميزانيات أقل حساسية للدورة.
4) للمستثمر الخليجي
- مراعاة ارتباط العملات بالدولار في إدارة السيولة والتحوّط.
- حساسية عوائد الميزانيات العامة لمسار النفط وسقوف الإنتاج.
- فرص near-shoring إلى الخليج: لوجستيات، موانئ، تصنيع خفيف، طاقة منخفضة الكربون.
ثلاثة سيناريوهات للعام المقبل
السيناريو القاعدي (~50%)
رسوم «قابلة للتكيّف» مع استثناءات واسعة، AI يواصل دعم المؤشرات، الذهب يحافظ على مستويات مرتفعة لكن ضمن نطاقات، الدولار متذبذب داخل قناة هابطة-جانبية، وعوائد طويلة مستقرة نسبيًا مع تراجع تدريجي في التضخم.
سيناريو متفائل (~30%)
مراجعات أوسع للرسوم، خفض فائدة أسرع عالميًا، تحسّن مفاجئ في الإنتاجية بفعل الذكاء الاصطناعي، صعود إضافي للمخاطرة، ضغط هابط على الذهب، وتراجع محسوب في الدولار.
سيناريو متشائم (~20%)
تصعيد تجاري متعدّد الجبهات، تضخم «عبر التكاليف»، عوائد طويلة أعلى، ضغط على مضاعفات الأسهم، قفزة في الذهب، وتدفّقات ملاذ قويّة إلى الدولار.
الخلاصة التنفيذية
في أسواق العالم في عام ترامب 2.0، صاغت الرسوم وحلقات TACO «ميكانيكا» جديدة للتذبذب: صدمة عنوانية —> تشدّد سيولة الدولار —> ضغط على المخاطر —> استثناءات وتراجعات —> ارتداد. الفوز الاستثماري كان بتبنّي انضباط إشاري (Rates/FX/credit) وتكتيك تدريجي في الذهب والتعرّض الانتقائي لـAI والدفاع، مع باربَل زمني في الدخل الثابت. المسار القادم سيُحسم بفارق الفائدة الحقيقية، شكل «استثناءات الرسوم»، وسرعة انتقال مكاسب الإنتاجية من الذكاء الاصطناعي إلى الأرباح الحقيقية.
ما هي «تجارة TACO» عمليًا؟
الشراء التدريجي في الانخفاضات الناتجة عن تهويل سياسي مع وضع حدود خسارة حازمة، ثم جني أرباح على الارتدادات عند تراجُع حدّة الإجراءات أو اتّساع الاستثناءات.
كيف أوازن بين الذهب والبيتكوين؟
كلاهما ملاذ «غير سيادي» بخصائص مختلفة. الذهب أقرب إلى تحوّط تقليدي ضد العجز/الجغرافيا السياسية؛ البيتكوين تحوّط بيتا-عالي مرتبط بسيولة النظام المالي وشهية المخاطرة التنظيمية. المزج يعتمد على أفق الاستثمار واحتمال تحمّل التقلّب.
متى أزيد مدّة المحفظة في السندات؟
عند إشارات تباطؤ نمو/تضخم وتراجُع صدمة الإصدار الصافي، ومع أي تبريد في علاوة الأجل. «الباربَل» يمنحك مرونة إعادة ضبط أسرع.






















